يعد الإدمان من الآفات التي تصيب الفرد والمجتمع، فهي تؤثر على الوضع الاجتماعي حيث تتصدع الروابط الأسرية وتتدنى قدرة الفرد على العمل، ويعجز الشباب عن مواجهة الواقع والارتباط بمتطلباته. كما يؤدي إلى فساد الأخلاق، فكثير من حوادث الفساد تقع عندما يكون الفرد تحت سيطرة المخدرات، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وارتكاب الجرائم...
م.م حسناء رياض عباس _ تدريسية في كلية العلوم السياسية – الجامعة المستنصرية
Hasnaa.riadh1991@uomustansiriyah.edu.iq

تعد ظاهرة تعاطي المخدرات والإدمان عليها من أخطر المشاكل الاجتماعية التي ظهرت بشكل كبير في مجتمعنا، إذ انها من اكثر المشاكل النفسية والاجتماعية التي عرفها الإنسان لما تسببه من خسائر بشرية ومادية، وقد ظهرت في جميع المجتمعات، وعرفتها مختلف الحضارات، وتعد من الظواهر التي جلبت اهتمام العديد من المختصين حيث أنها تجاوزت المجال الطبي، إلى البحث عن النشوة لدى الأدباء، وقد اخذت هذه الظاهرة مسارا خطيرا في السنوات الأخيرة، وأصبح تعاطيها منتشرا في جميع الأوساط وبين مختلف الأعمار. فلم تعد تخص فئة دون الأخرى، فكل الفئات العمرية معنية لتجربة المخدرات.

إذا علمنا أن عوامل الخطر في تعقد. ولهذا اهتمت العديد من المنظمات العالمية، والباحثين في مختلف الميادين النفسية، والطبية، والاجتماعية، والقانونية بهذه الظاهرة محاولة منهم لفهمها ورفع اللبس الذي يحيط بعدة جوانب مرتبطة بها مثل: تحديد المفاهيم والعوامل والاسباب والاثار المترتبة عليها، فضلا عن معرفة طرق الوقاية والعلاج لمحاولة الحد من استهلاك هذه المواد القاتلة.

تعريف المخدرات وانواعها

اولا – مفهوم المخدرات:

يختلف باختلاف النظرة اليه، إذ لا يوجد تعريف متفق عليه ولهذا نحاول تعريفه من جوانبه المختلفة :

1- التعريف اللغوي: الوقوف على المعنى الدقيق لأي مصطلح يقتضي الخوض في معناه اللغوي لأنه يقرب المعنى في ذهن القارئ، فالمخدر لغة مشتق من كلمة خدر _خدر بمعنى عراه ويقال : خدر من الشراب او الدواء وخدر جسمه وخدرت عظامه وخدرت عينه او رجله، بمعنى ثقلت من أذى يصيبها وخدر اليوم: أي اشتد حره وسكن ولم يتحرك فيه نسيم .

2- التعريف الاجتماعي: هي المواد التي تسبب لمتعاطيها انفعالات وسلوكا غير قويم بسبب ذهاب عقله نتيجة تعاطيه لتلك المواد وتسبب له نوعا من القلق النفسي والاكتئاب والارهاق وضعف الطموح الاجتماعي وتؤدي إلى أن يسلك سلوكا منحرفا من اجل الحصول على المواد بطرق غير مشروعة

3- التعريف العلمي: مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم او غياب الوعي المصحوب بتسكين الالم، وفي الموسوعة الطبية يعرف المخدر بأنه مادة تسبب للانسان فقدان الوعي بدرجات متفاوته وقد ينتهي الى غيبوبة تعقبها الوفاة احيانا، ومع أنها تستخدم كمسكنات لإزالة الالام، وللبنج في العمليات الجراحية، فأن المفهوم نفسه قد خصص الان للدلالة على مواد معينة تثبط الجهاز العصبي بشكل عام .

ثانيا- انواع المخدرات

تتعدد المعايير المتخذة اساسا لتصنيف المواد المخدرة تبعا الى لونها او رجة تأثيرها على جسم الانسان، او تبعا لدرجة خطورتها او طبقا لمصدرها او لأصل المادة او الطريقة التي صنعت منها، وتنقسم المخدرات وفقا لمصدرها الى:

1- المخدرات الطبيعية: هي المخدرات التي يتم استخلاصها من الطبيعة، بمعنى أنها نباتات التي تحتوي أوراقها وثمارها على المادة المخدرة الفعالة التي ينتج عنها فقدان كلي أو جزئي للإدراك بصفة مؤقتة، مثل: (بات القنب الهندي )الحشيش ( والكوكا، والخشخاش ) ( الأفيون) والقات .

2- المخدرات المصنعة: هي التي تستخلص من المواد المخدرة الطبيعية السابقة وتجري عليها عمليات كيميائية لتصبح أكثر تركيزا وأشد اثرا مثل :المورفين، والكوكايين، والهروين، ومسكنات الآلام وأدوية السعال.

3- المخدرات الصناعية أو الكيميائية: وهي مخدرات يتم أتناجها أو تصنيعها من مواد كيميائية لغرض التخدير و التهدئة أو التنبيه و الحفز و التي منها على سبيل المثال حبوب الهلوسة ((L S D )) و كثير من الأدوية الاخرى، وتصنف بحسب تأثيرها إلى (مهبطات)كمسكنات الألم، والمنومات والمهدئات( ومنشطات، وعقاقير الهلوسة) وصنفتها القوانين والأنظمة والاتفاقات الدولية تصنيفات أخرى، وهي بشكل عام تقسم إلى مجموعات: مسكنة أو مهدئة من الأفيون ومشتقاته، والمخدرات المسكنة غير الأفيون والمنبهة أو المنشطة، ولكل نوع آثاره

الاثار النفسية والاجتماعية لتعاطي المخدرات

اولا- الاثار النفسية:

يؤدي الادمان الى آثار نفسية مثل القلق والتوتر المستمر والشعور بعدم الاستقرار، والشعور بالانقباض والهبوط مع عصبية وحدة في المزاج، واهمال النفس والمظهر وعدم القدرة على العمل أو الاستمرار فيه. كما تحدث اختلالا في التوازن والذي يحدث بعض التشنجات والصعوبات في النطق والتعبير و المشي، كما يحدث اضطراب في الوجدان، حيث ينقلب المتعاطي عن حالة المرح والنشوة والشعور بالرضا والراحة بعد تعاطي المخدر، ويتبع هذا ضعف في المستوى الذهني وذلك لتضارب الأفكار لديه، فهو بعد التعاطي يشعر بالسعادة والنشوة والعيش في جو خيالي وغياب عن الوجود وزيادة النشاط والحيوية ولكن سرعان ما يتغير الشعور بالسعادة والنشوة إلى ندم وواقع مؤلم وفتور وارهاق مصحوب بخمول واكتئاب

ثانيا- الاثار الاجتماعية

يعد الإدمان من الآفات التي تصيب الفرد والمجتمع، فهي تؤثر على الوضع الاجتماعي حيث تتصدع الروابط الأسرية وتتدنى قدرة الفرد على العمل، ويعجز الشباب عن مواجهة الواقع والارتباط بمتطلباته. كما يؤدي إلى فساد الأخلاق، فكثير من حوادث الفساد تقع عندما يكون الفرد تحت سيطرة المخدرات، مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وارتكاب الجرائم، كما أن للإدمان آثار خطيرة كمشكلة البطالة وما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية، مثل تدهور مستوى الأداء في العمل وارتفاع حالات البطالة، وقصور الدافع للعمل والتسرب الدراسي، وارتفاع معدلات الجريمة، والعنف والسرقة والتزوير والاغتصاب والقتل. كما أن العامل الاجتماعي المتردي يدفع بالهروب إلى تدمير الذات، والى الانحراف بارتكاب الجرائم، إذ يرتبط ادمان المخدرات بالسلوك الاجرامي وذلك من ناحيتين الاولى أنه جريمة يحاسب عليها القانون، ومن ناحية اخرى هناك علاقة بين تعاطي المخدرات والافعال التي يحرمها القانون كجرائم القتل والاغتصاب والسرقة والتشرد والزنى وكافة الممارسات الجنسية من الاعتداء على المحارم، وبذلك يمكن القول أن الجرائم الناجمة عن المخدرات هي جرائم مركبة تنشأ مضاعفات اجرامية خطيرة على المجتمع .

كما يودي انعدام دخل المتعاطي نتيجة لبطالته وعجزه عن سد حاجاته،فأن النتيجة الحتمية لذلك أن يتعرض المتعاطي لارتكاب الجريمة بأشكالها وصورها كالنصب او الاحتيال او خيانة الامانة، ففي هذه الحالة يتعرض اصحابها للتدهور الخلقي والاجتماعي والتفكك الاسري كالزنا والطلاق وتعدد الزوجات واهمال الابناء وتعاطي المزيد من المواد المخدرة الاخرى كالكحوليات

فضلا عن ذلك يؤدي تعاطي المخدرات الى الانحدار الخلقي والاجتماعي،إذ يعد المخدر نتيجة للتدهور الاخلاقي وسببا لتدهور في القيم الاخلاقية، وذلك نتيجة لعدم القبول الاجتماعي للمتعاطي كسلوك غير محترم في بعض الاوساط الاجتماعية، فالمتعاطي يضطر إلى ارتياد الاماكن والاوساط السيئة حتى يتوفر له المخدر ومن ثم يحتفظ بذوي السلوك السيئ، كما تؤدي المخدرات الى العداوة والبغضاء بين الناس،إذ يعد تعاطي المخدرات سببا مباشرا لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس حتى المقربين منهم، لأن المدمن حينما يخدر يفقد العقل جزئيا او كليا التي تسيء الى الناس، يستولي عليه حب الفخر الكاذب والكبر، ويسرع اليه الغضب بالباطل، مما يدفع الى البغضاء والعداوة بين المتعاطي وعامة الناس، فينشأ القتل وافشاء الاسرار وهتك الاعراض، وهذه اسقام اجتماعية تؤذي المجتمع، كما تمتد اضرار ادمان المخدرات ال الضرر النفسي والعقلي لمتعاطيها، فقد يؤدي الافراط في تعاطي المخدرات الى حدوث امراض نفسية مزمنه واضطرابات عقليه إذ لم يتدارك الامر .

لذا تعدّ المخدرات آفة اجتماعية خطيرة، رافقت البشرية منذ القدم وتطورت بتطوره حتى أصبحت من أبرز الظواهر الاجتماعية الراهنة وإحدى مشكلاتها المعاصرة، كما بدأت تقلق المجتمع العالمي بكافة فئاته واتجاهاته وتقضُ مضجعه وتهدد حضاراته وتسبب له الحيرة والارتباك في وقف هذا السيل الجارف من الويلات والآلام التي تجتاح المجتمعات البشرية النامية والمتطورة على حدّ سواء، وتعد جرائم المخدرات من الجرائم الخطرة والأكثر تأثيراً على الفرد والمجتمع،إذ أن العصابات تبذل كل ما في وسعها للتجارة بالمخدرات والتي تستبيح السرقة والقتل واستخدام شتى الطرق في سبيل المتاجرة بالمخدرات وكسب المزيد من المال هذا من جهة،ومن جهة اخرى فان أعداد متعاطي المخدرات في ازدياد، وتعاطي المخدرات يسبب تعطيلا للقوى البشرية وخاصة الشبابية لانتشارها الواسع بينهم ولمجابهة تلك الجرائم لجأت الدول الى اصدار قوانين صارمة مستندة في ذلك الى الاتفاقيات الدولية بشأن السيطرة على المخدرات.

كما ان هناك شأن أخر حيث بدل لجوء الشباب الى المخدرات حيث التعرض لعقوبات صارمة أصبحوا يلجؤون الى الحبوب والأدوية التي تحتوي على المادة المخدرة، وبذلك يفلت كثير من الشباب والصيادلة من حكم القانون، رغم خطورة تعاطي المخدرات داخل أيّ مجتمعٍ من المجتمعات وما تتركه من آثارٍ نفسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ مدمرةٍ على الفرد والمجتمع، إلا أنها أصبحت تؤرق جميع المهتمين بها في المجتمع كالقيادات الأمنية التي لها تماس مباشر مع مثل هذه الآفة الخطيرة، وكذلك علماء الاجتماع وعلماء النفس ورجال الدين، ومن اجل الحد من التعاطي والتقليل منه يجب على كل مؤسسات المجتمع نشر التوعية والتحذير من خطر هذه الآفة التي اخذت تفتك بالشباب.

........................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق