ضرورة مراقبة النفس ومحاسبتها وتربيتها جيدا، وهذه الامور في غاية الأهمية، لأنها تذهب بالإنسان إلى مزالق الحرام، وتجعل نفسه تتلاعب به، لهذا يحذر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله الناس مرارا وتكرارا، ويذكّر الناس بأهمية تربية النفس وتدريبها على أعمال الخير والصلاح دائما وأبدا...
(لابد للإنسان أن يربي نفسه ويعطيها حقّها من التربية بالمقدار الممكن)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
التوازن حالة تكوينية عظيمة أوجدها الله في كينونة الإنسان، وهي حالة شملت كل شيء، من ليل يتوازن معه النهار، ومن شمس يتوازن معها القمر، ومن صحراء تتوازن معها الغابات، ومن صفات محمودة عند الإنسان تقابلها الصفات المنبوذة، ومن نفس يقابلها العقل عند الإنسان، حيث يميل العقل للحكمة في تميل النفس للشهوات.
من هنا يعلن علماء النفس، بعد دراسات مستفيضة، وجدوا جذورها في كثيرا من الآيات القرآنية، وفي أحاديث وروايات أهل البيت عليهم السلام، كلها تحذر الإنسان من الانسياق وراء نفسه، وتلبيه مقترحاتها عليه، فهي تحاول أن تطيح به وتخترقه من حيث لا يعلم، لأنها تتخفى بأستار وحُجُب لا حصر لها، حتى يغدو من الصعب على الإنسان تجاوز تلك الأستار أو عبور تلك الحجب، ولهذا تحاول النفس أن تخدع صاحبها.
لماذا تمارس النفس الخديعة، ولماذا تحاول أن تتغلب على العقل؟، إنها تجد في أسلوب الخداع طريقها نحو شهواتها، أما في صراعها الدائم مع العقل، فإنها تعرف بأن العقل الحكيم يرفض الانصياع إلى رغباتها، لهذا تدور المعركة بينهما، ولأن النفس تمارس شتى أساليب الاحتيال، فإن العقل يحتاج إلى مزيد من الذكاء والانتباه في إدارة هذا الصراع، خصوصا إن معظم الناس لا يعرفون من هو عدوّهم الأول؟
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في محاضرته القيمة (تربية النفس) ضمن سلسلة نبراس المعرفة:
(لو سألنا أحد الناس، من هو أعدى أعدائك؟، لكان الجواب أعدى أعدائي فلان وفلان وفلان، لكنه يجهل عدوه الأساس وهي النفس!!).
لذا من المهم جدا أن يعرف الإنسان بأن عدوّه يكمن له في داخله، وأنه يتحيّن الفرص لكي ينقضّ عليه، ويطيح به، ونقصد بهذا العدو (نفس الإنسان)، والمشكلة أن هذه النفس لا تكتفي بألاعيبها وحيلتها وخديعتها، بل تستعين بمن يساعدها على الاطاحة بحاملها، فمثلا هناك الشيطان يقف إلى جانبها ويزّين للإنسان السيئات.
امتيازات مغرية وشهوات لذيذة
لذا على الإنسان أن يربي نفسه، ويعلمها، ويرفض جميع العروض السيئة التي تقدمها له بصيغة احتيال، وبأساليب شيطانية، بل عليه القيام في ترويضها، وتدريبها على أفعال وأعمال الخير، ويساعدها كي تتخلص من الشيطان، وبالتالي ترفض جميع القضايا السيئة التي تقدمها النفس لصاحبها بصيغة شهوات وامتيازات مغرية، وفي حال تغلّب الإنسان على نفسه، فإنه سوف يعيش في أجواء غاية في الاستقرار والسلام النفسي.
كما يشير إلى ذلك سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في قوله:
(إذا علم الإنسان إنّ عدوّه اللدود كامن في داخله، حينها سيتجنّبها ويواظب على تربيتها ويحذر منها، فلو قام بذلك واستطاع أن يروّض نفسه ويربيها، لفعل الخير ولجلب لنفسه السعادة والعيش برفاهية واستقرار نفسي).
المشكلة في صراع الإنسان مع نفسه تكمن في محاولة فرز العدو من الصديق، ولعله أصعب شيء يحدثفي معارك الإنسان عندما تختلط عليه الأوراق وتتداخل عنده ساحات الصراع، فلا يعود يعرف من هو صديقه ومن هو عدوّه؟، لهذا يُقال أن النصر على العدو يبدأ من حصره في زاوية معينة، ومن ثم تحديد هدفه بدقة ثم القضاء عليه.
لهذا يجب أن يكتشف الإنسان ويعرف بأن نفسه هي أول أعدائه، وعليه أن يفهم هذا جيدا، ويتعامل مع نفسه على هذا الأساس، ويحذر منها جيدا، لأنها أول أعدائه بحقّ، وهي تستغل أول فرصة ممكنة لتطيح به، والمشكلة ستكون أكبر عندما لا يعرف الإنسان بأن نفسه هي ألدّ أعدائه لأنها تتخفّى عنه فلا يراها ولا يعرفها، ولذلك يسهل عليها إسقاطه في شهواتها.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(العدو هو من يحارب الإنسان بالسلاح، لكنّ النفس هي أعدى من العدو لأنها لا تواجه الإنسان وجهاً لوجه بل تتخفّى وتكمن له في مكان من حيث لا يشعر).
ما تقدّم من كلام يؤكد على أن نفس الإنسان تتربص به، وأنها تلازمه في كل زمان ومكان، فهي مثلا لا تغادره عندما يتنقّل من مكان إلى آخر، في أسفار بعيدة أو قريبة، وكذلك هي لا تغادره ليلا أو نهار، يقظة أو نوما، كأنها ظل الجسد الذي لا يغادره، ولهذا يجب أن يكون الحذر من النفس مساويا لحجم الأذى الذي ستلحقهُ به.
كما أن النفس لا تختلف من شخص إلى آخر، رجلا كان أو امرأة، فقيرا كان أو غنيا، تاجرا كان أو سياسيا، الكل عليهم أن يحذروا من غدر النفس، وعليهم أخذ الحيطة منها، وقد يقول قائل أن هناك من ينجح في كبح جماح النفس، وهذا صحيح، ولكن كيف وصل هذا الشخص إلى هذه النتيجة، وماذا فعل حتى يتغلب على نفسه ويضع حدّا لشهواتها؟
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(النفس إذن أشد عداوة للإنسان من كل الأعداء، وهذه النفس ملازمة للإنسان في كل مكان وزمان، في الليل والنهار وفي السفر والحضر، ولا فرق في ذلك بين العالم والتاجر والرجل والمرأة وغيرهم).
مقارعة الشهوات غير المشروعة
يتساءل بعضهم، كيف نتعامل مع أنفسنا، وهل نوغل كثيرا في صدّها وردّها وتحجيمها، ثم ألا يعد مثل هذا السلوك مع النفس محبطا لها، ويجيب العلماء والمختصون، أن هناك فرق واضح بين النفس والذات، فالإنسان مطالَب بأن يحترم ذاته ويوقرها، ويعطيها مكانتها التي ترتقي به إلى أعلى المراتب.
أما النفس فيجب الحذر منها، لأنها تأخذ الإنسان نحو الدرك الأسفل من المقامات والمنازل، كونها لا تهتم ولا تعبأ إلا بما يحقق لها شهواتها، فمثلا شهوة حب المال عندها لا تقف في حدود معينة، كلما تعطيها تطلب المزيد، وكذلك فيما يخص شهوة السلطة، وشهوة الجنس، حتى شهوة الطعام عندها غير محدودة، لذا يجب الحذر منها بصورة جديّة.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكد:
(إذا كانت النفس أعدى أعداء الإنسان، فعليه أن يأخذ الحيطة والحذر في مواجهة هذا العدو المتخفّي الخطير الذي يتحيّن الفرص للانقضاض عليه).
هناك من يتساءل عن كيفية الحذر من النفس، وهو سؤال وارد، والإجابة عنه ممكنة أيضا، هناك طريقة واضحة لمعالجة هذا الأمر، وهو طريق التعامل العقلي الحكيم مع النفس، فلا يجوز التهاون معها، ولا غض الطرف عنها، ولا التغاضي عنها، لأنها تستغل الفرص، وتستفيد من الغفلة.
لذا يجب أن لا يغفل الإنسان عن مراقبة نفسه، خصوصا إذا كانت فرص المعاصي متاحة له مثلا في عمله، كأن يكون مسؤولا في سلطة، أو موظفا على أموال، أو قادرا على ظلم الناس، مثل هذه الحالات تسهّل للنفس أن تجرّ صاحبها إلى التهلكة، لذا عليه الاستعانة بأئمة أهل البيت عليهم السلام، وأن يستعيذ بهم من شر النفس الأمّارة.
هذا ما يركز عليه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله حيث يقول:
(ولكن كيف نحذر منها، ونحن لا نراها؟، الجواب: نحذر منها بالمواظبة عليها ومحاسبتها في كلّ يوم، وبالتوسل بأهل البيت الطاهرين (صلوات الله عليهم) إلى الله تعالى ليُنجينا أفعالها المشينة ووساوسها وكيدها ومكرها، وعلينا أن لا نغضّ الطرف عن النفس لأنها تعاود الكرّة كلّما غفلنا عنها).
في النهاية في هذا المقال تأكيد شديد على مراقبة النفس ومحاسبتها وتربيتها جيدا، والحقيقة على الرغم من تكرار مثل هذه المواضيع، إلا أنها في غاية الأهمية، لأنها تذهب بالإنسان إلى مزالق الحرام، وتجعل نفسه تتلاعب به، لهذا يحذر سماحة المرجع الشيرازي دام ظله الناس مرارا وتكرارا، ويذكّر الناس بأهمية تربية النفس وتدريبها على أعمال الخير والصلاح دائما وأبدا.
اضف تعليق