حين نضع قدراتنا كل من موقعه وندعم العلماء الصالحين، ونشجع الناس على تأييدهم والالتفاف حولهم بالضد من علماء الفساد وحكام القهر والاستبداد، فهذا يعني أننا نُسهم بقوة في خلق مجتمع متكامل ومدعوم بالقيم الصالحة وبالأفكار المتنوّرة النابعة من عقل عالم مصطفٍ إلى كل خير ورافض لكل شر...
(العالِم الصالح هو الذي يوجّه الأمم بعِلْمهِ إلى الخير والصلاح)
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
يعرَّف العِلْم بأنه كل عمل أو لفظ يُنتفَع منه، بمعنى أي شيء لفظيّ مكتوب أو منطوق أو عمليّ يقوم به الإنسان ويؤدي إلى الانتفاع به، فهو علم، وكما أننا نفهم ونتفق على أن لكل فعل فاعل ولكل قول قائل ولكل كلمة متكلم، ولكل عمل عامل، فإننا نتفق أيضا على أنه لكل عِلْمٍ عالِم، والعلمً عادة ما يكون نافعا إذا تم استخدامه بالشكل الصحيح والمشروع.
لهذا حصل العلماء على درجات عالية من التقدير والاحترام والتكريم، لأنهم يقفون وراء الكثير من المكتشفات العلمية في كل الحقول والمجالات التي نفعت البشرية في رحلتها الطويلة والشاقة، لهذا فإن العالِم يستحق مكانةً جليلة كونه أفنى الكثير من أيامهِ وسنواته حتى يتعلّم ويتقدم في العلم ومن ثم يقوم بنقلهِ وتقديمه إلى الآخرين لكي يستفيدوا منه، ولكن يُشترَط بهذا العالِم أن يكون صالحا وليس فاسدا.
فكل صالح ينتجُ صالحاً وكل فاسد يتمخض عنه الفساد، والصالح ينتمي إلى الخير، وكل فساد ينتمي إلى الشر، وفي كلا المسارين (الصالح / الطالح) يكون للعالم تأثيره الكبير والحاسم في التغيير، أي تغيير قناعات الناس، وأفكارهم وحتى معتقداتهم، وهنا بالضبط تكمن قوة وتأثير العلماء وعلومهم.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في إحدى محاضراته التوجيهية القيّمة:
(العالِم الصالح الواحد يكون له تأثير إيجابي كبير، وللعالِم الفاسد تأثير سلبي بنفس المستوى.
ومن هنا نرى قوّة العلم في إحداث التغيير، فهو طاقة جبارة وقوة كبيرة، بل العلم أقوى من كل قوة على وجه الأرض، ويمكنه أن يحرك الجماهير ويحرك الأمم ويوجهها).
وعلى طول الرحلة البشرية، على المستوى الجمعي (كل الأمم والدول بأنواعها)، أو على المستوى الخصوصي (الأمة أو الدولة الواحدة)، ظهر العالِم الصالح، واستطاع بعلمه أن ينقل الشعب والدولة من حضيض الجهل إلى قمة العلم، وتمكن من تغيير عقول الناس والتأثير في قناعاتهم إلى الدرجة التي غيّرت من واقعهم ونقلتهم من الدول أو الأمم الفاشلة إلى الدول والأمم الناجحة المتميزة.
في المقابل ظهر أيضا العالم الفاسد الذي لا يمكن الانتفاع بعلمه، كونه كرّس فيه الشر والفساد، وألحق بعقول الناس الضرر والعتمة من خلال أساليب التضليل والخداع وغسيل الأدمغة بأدوات الجهل التي لا تُعدّ ولا تحصى، ولهذا استطاع العلماء الفاسدون من توجيه الأمم التي عاشوا فيها نحو الشر والخراب.
من يصنع الشر والخراب؟
لذا شتان بين العالِم الصالح والعالِم الطالح، لكن العلم مطروح أمام الجميع، ولكلٍّ منهم ما سعى، فهناك علماء يوظفون علمهم في التجهيل ومضاعفة سلاسل الفساد، فيقوموا بتدمير مجتمعاتهم ودولهم، وعلى العكس منهم علماء الخير الذين يرتقون بعقول وأفكار وأعمال مجتمعاتهم ودولهم، فيتقدموا إلى الأمام بفضل العلم والعالِم الذي قام بتغييرهم.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(العالِم الصالح هو الذي يوجه الأمم بعِلْمهِ إلى الخير والصلاح، بينما العالِم الفاسد هو الذي يوجه الأمم إلى الشر والفساد).
وهكذا نستطيع أن نصف علماء الخير بأنهم علماء السلام، وهم أيضا علماء الحكمة والتآخي والإنسانية، ولهذا السبب أيضا نجد في العلماء الذين آزروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قدرة هائلة على إنتاج الخير ومجابهة الشر وإبعاد ويلات الحروب عن الناس حتى لو كان القرار السياسي ليس بأيديهم، لأنهم تمكنوا من زرع الخير في عقول الناس والمجتمع، والطبقة الحاكمة من نفس هذا المجتمع لهذا سوف تمضي نحو الخير والسلام.
علماء الخير لم يتسببوا بسفك قطرة دم واحدة، ولا حالة ظلم واحدة، لأنهم جُبِلوا على الخير والمحبة والسلام، ونقلوا علومهم الخيِّرة إلى عقول الناس فتحوَّل الجميع إلى أداةٍ للخير والسلام، في حين أن العلماء الفاسدين (سوَّدوا وجه التاريخ) بعلومهم الشريرة التي ولّدت الشر والأشرار وتسببت بآلاف الحالات الظالمة لأناسٍ أبرياء، ومن أخطر نتائج العلماء الفاسدين أنها تبقى ولا تزول إلى الأبد.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يؤكّد قائلا:
(إذا استقرأ أحدنا التأريخ لا يجد دماً حراماً ولا مظلمة واحدة وقعت بسبب العلماء الصالحين التابعين لرسول الله صلوات الله عليه وآله، بينما يُلاحظ وقوع ذلك بسبب العلماء الفاسدين الذين سوّدوا وجه التأريخ بملايين المظالم التي لازالت آثارها باقية إلى هذا اليوم).
ولو قيل لنا اليوم أو سئلْنا لماذا تسود في دولكم ومجتمعاتكم حالات التعذيب والتجاوز على الحقوق وإهانة كرامة الإنسان، فيمكن أن نجيب بأن العالِم الفاسد وعلمه هو السبب في ذلك، ولا يتعلق هذا بزمن محدد، فهناك علماء فاسدون يقفون مع الحاكم الجائر طمعا في عطاياه، ويشجعونه على مضاعفة أساليب القمع والتعذيب وهدر الحقوق، فيتشجّع ويفعل ما يطيب له، وغالبا ما يستطيب المستبدون استعباد الناس وتعذيبهم وانتهاك حرماتهم.
لهذا فإن العالِم الفاسد هو (شر الخلق بعد إبليس وفرعون)، أما العالم الصالح فهو (خير الخلق بعد أئمة الهدى)، وكيف لا وهو يحث الناس على القيم الأصيلة الصالحة، ويمدّهم بالعلوم التي تشكل أمامهم سدًّا منيعا في وجه الانحراف، وتمنعهم من الانخراط بالأفعال والأقوال التي تخدش كرامة الإنسان، وتحثّهم على التكافل والتسامح والانسجام.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(ما نراه اليوم في العالم، ولاسيما العالم الإسلامي من تعذيب جسدي وهضم للحقوق وغيرها هو نتيجة إدارة العلماء الفاسدين للبلاد في هذا الزمان وقبله. ولكون أن العالِم الصالح هو خير الخلق بعد أئمة الهدى، والعالِم الفاسد هو شرّ الخلق بعد إبليس وفرعون).
صناعة المجتمعات المتعلّمة
لهذا السبب فإن الجميعَ بلا استثناء، متعلّمون أو عكسهم، أغنياء أو فقراء، لابد أن ينتصروا للعلماء الصالحين، ويدعموهم بقوة وبلا تردد، كونهم القوة العلمية النظرية التوجيهية الأقوى التي تغيّر العقول نحو الخير، وتصنع المجتمعات القوية العالِمة المتعلمة المتآخية، القادرة على كبح جماح العالم الفاسد والحاكم المستبد.
فالعالم الصالح يمكنه تعبئة الناس بمختلف فئاتهم العمرية وثقافاتهم ضد العالم الفاسد وضد الحاكم الطاغية، وبهذا تتم صناعة المجتمع الواعي المتعلم المقتنع بالنضال والرافض للعبودية والإذلال.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(لذا على كل إنسان مؤمن أن يشعر بمسؤوليته سواء كان كبيراً عالماً أو جاهلاً، غنياً أو فقيراً، أن يضم صوته ويعبّئ إمكاناته وطاقاته بمقدار ما يستطيع إلى العلماء الصالحين لمواجهة العلماء الفاسدين).
لذا حين نضع قدراتنا كل من موقعه وندعم العلماء الصالحين، ونشجع الناس على تأييدهم والالتفاف حولهم بالضد من علماء الفساد وحكام القهر والاستبداد، فهذا يعني أننا نُسهم بقوة في خلق مجتمع متكامل ومدعوم بالقيم الصالحة وبالأفكار المتنوّرة النابعة من عقل عالم مصطفٍ إلى كل خير ورافض لكل شر.
وكأننا نتمسك وندعم الأمر بالمعروف، عندما نعبّئ قدراتنا وإمكاناتنا ونضعها تحت تصرف العلماء الصالحين، حتى لو كانت قدرات معنوية إعلامية تثقيفية أو سواها من الإمكانات، فهي تمثل دعما للخير وفي نفس الوقت هي رفض قاطع لصناع الفساد.
لهذا يرى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله أهمية حاسمة في مؤازرة العالِم الصالح حين يقول:
(حين تضم صوتك وتعبّئ إمكاناتك لدعم العلماء الصالحين، (هذا يعدّ من المصاديق الظاهرة للأمر بالمعروف بالنسبة إلى تأييد العلماء الصالحين والنهي عن المنكر بالنسبة إلى إقصاء وإبعاد العلماء الفاسدين).
وأخيرا نحن نحتاج في مجتمعاتنا ودولنا هذا النوع من التغيير، ويمكن للعلماء الصالحين القيام بهذه المهمة، علماء الخير طبعا، لكن هذا يتطلب وقوفا جماعيا في صفّهم، ومؤازرتهم ودعمهم من قبل الناس، كذلك هناك مسؤولية على العالِم أن يشحذ همم الناس في مكافحة الفكر الشرير والحاكم المستبد في نفس الوقت، وهي مهمة يمكن القيام بها في المجتمعات المتأخرة، من خلال التخطيط والتفاعل ما بين العالِم الصالح والمواطن المسؤول.
اضف تعليق