يعدّ الثالث من أيار فرصة سنوية للإشادة بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، ورصد الوضع الذي تؤول إليه حرية الصحافة حول العالم، والذّود عن وسائل الإعلام وحمايتها من الهجمات التي تستهدف استقلاليتها، ناهيك عن تكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في الميدان...

يوم الثالث من أيار هو بمثابة تذكير للحكومات بضرورة الوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة، وهو يتيح للمهنيين العاملين في وسائل الإعلام فرصة التوقف على مسائل حرية الصحافة والأخلاقيات المهنية. وإنَّ اليوم العالمي لحرية الصحافة هو فرصة للوقوف إلى جانب وسائل الإعلام الملجومة والمحرومة من حقها في ممارسة حرية الصحافة، وهو يوم لإحياء ذكرى أولئك الصحفيين الذين قضوا نحبهم في أثناء متابعتهم لأحد المواضيع. 

ويعدّ الثالث من أيار فرصة سنوية للإشادة بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة، ورصد الوضع الذي تؤول إليه حرية الصحافة حول العالم، والذّود عن وسائل الإعلام وحمايتها من الهجمات التي تستهدف استقلاليتها، ناهيك عن تكريم الصحفيين الذين فقدوا حياتهم في الميدان.

ويسهم اليوم العالمي أيضاً في توعية المواطنين بشأن الانتهاكات التي تتعرض لها حرية الصحافة – فلا ننسى أنّ عشرات البلدان حول العالم تُخضع منشوراتها إلى الرقابة وتفرض عليها الغرامات وتجعلها دائماً عرضة للتعليق أو الإغلاق، في حين يتعرض الصحفيون والمحررون والناشرون لشتّى أشكال المضايقات والاعتداءات والاحتجاز وحتى القتل.

حرية الصحافة مهددة في العالم 

دقت منظمة "مراسلون بلا حدود" ناقوس الخطر بشأن حرية الصحافة في العالم مؤكدة أن الوضع بات صعبا تحت تهديد وسيطرة ما أسمته "الضغوط الاقتصادية". وجاء في التصنيف السنوي للمنظمة غير الحكومية الذي نُشر الجمعة عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، أنّ وسائل الإعلام والصحافيين يواجهون مواقف "إشكالية" أو "صعبة" أو "خطرة للغاية" في ثلاثة أرباع البلاد الـ180 التي تمّ تقييم الأوضاع فيها. وقالت المنظمة إن هذه "الضغوط الاقتصادية" التي يتم إلقاء الضوء عليها بشكل أقل من الانتهاكات الجسدية التي يتعرّض لها الصحافيون، تشكّل "عقبة رئيسية" أمام حرية الصحافة. 

أكدت منظمة مراسلون بلا حدود أن عمليات إغلاق واسعة النطاق تطال وسائل إعلام إخبارية بسبب ضغوطات اقتصادية وسيطرة عمالقة التكنولوجيا وهيمنة أصحاب المليارات، فيما أشارت خصوصا إلى "تدهور مقلق" في الولايات المتحدة في ظل ولاية دونالد ترامب.

وأشار التصنيف السنوي للمنظمة غير الحكومية الذي نُشر الجمعة عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، أنّ وسائل الإعلام والصحافيين يواجهون مواقف "إشكالية" أو "صعبة" أو "خطرة للغاية" في ثلاثة أرباع البلاد الـ180 التي تمّ تقييم الأوضاع فيها.

وفي حين أكدت "مراسلون بلا حدود" أنّ "الوضع بات "صعبا للمرة الأولى" على مستوى العالم، فقد أشارت خصوصا إلى وطأة القيود الاقتصادية، الأمر الذي تعكسه الحالة الأمريكية.

وفيما تصدرت النرويج التصنيف للعام التاسع على التوالي، تراجعت الولايات المتحدة مرتبتين وباتت تحتل المرتبة السابعة والخمسين وراء سيراليون.

وأكدت المديرة التحريرية للمنظمة آن بوكاندي لوكالة الأنباء الفرنسية، إن "الوضع لم يكن مدعاة للافتخار أصلا" في البلاد التي تراجعت عشر مراتب في العام 2024. إلا أنه تدهور منذ تنصيب دونالد ترامب رئيسا بسبب "هجماته اليومية" على الصحافة.

وأشارت المنظمة غير الحكومية أيضا إلى أن "إدارته سيّست المؤسسات وخفضت الدعم لوسائل الإعلام المستقلة وهمشت الصحافيين" الذين باتوا يتعرضون "لعدائية متنامية" فيما "تنهار الثقة بوسائل الاعلام".

في وقت سابق هذا الأسبوع، كانت لجنة حماية الصحافيين رأت في تقرير عن الأيام المئة الأولى من ولاية ترامب الثانية، أن "حرية الصحافة لم تعد حقا مكتسبا في الولايات المتحدة".

 عمليات إغلاق ضخمة

وشرع ترامب بتفكيك وسائل الإعلام العامة الأمريكية في الخارج، مثل "فويس أوف أميركا" (Voice of America)، ما أدى إلى حرمان "أكثر من 400 مليون شخص" من "الوصول إلى معلومات موثوقة" وفقا للمنظمة غير الحكومية.

وأضاف التقرير: "تجميد أموال المساعدات الدولية "من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس إيد) "أغرق مئات وسائل الإعلام في عدم استقرار اقتصادي حرج" وأضطر البعض "إلى الإغلاق ولا سيما في أوكرانيا" التي حلّت في المرتبة الـ62 متراجعة مرتبة واحدة.

في ظل هذه الظروف، بدأت تتشكّل "صحارى معلومات شاسعة" في الولايات المتحدة، في ظل اختفاء الكثير من وسائل الإعلام المحلية التي تواجه صعوبات مالية.

كما أكدت أيضا مراسلون بلا حدود أنّ هذه "الضغوط الاقتصادية" التي يتم إلقاء الضوء عليها بشكل أقل من الانتهاكات الجسدية التي يتعرّض لها الصحافيون، تشكّل "عقبة رئيسية" أمام حرية الصحافة.

وبينت أنّه "في حوالي ثلث دول العالم"، بما في ذلك تونس، التي حلّت في المرتبة 129 متراجعة 11 مرتبة) والأرجنتين (87 متراجعة 21 مرتبة)، "يلجأ الكثير من سائل الإعلام الإخبارية إلى الإغلاق، نتيجة للصعوبات الاقتصادية المستمرّة".

ويذكر أنه شهد حوالي ثلاثين بلدا "عمليات إغلاق ضخمة تسبّبت في السنوات الأخيرة، في نفي صحافيين"، كما حصل في نيكاراغوا (التي احتلت المرتبة 172 متراجعة تسعة مراتب) وأفغانتسان (175 متقدّمة ثلاث مراتب).

كما نبهت "مراسلون بلا حدود" إلى أن الوضع "كارثي في فلسطين التي حلت 163 بتراجع ست مراتب"، متهمة الجيش الإسرائيلي "بتدمير مكاتب تحرير وقتل نحو200 صحافي"، بينما "يدفع غياب الاستقرار السياسي" في هايتي (112 متراجعة 18 مرتبة) "اقتصاد الإعلام هناك إلى الغرق في الفوضى". 

 تهديد للتعددية

ويتعرّض اقتصاد هذا القطاع عموما "للتقويض" من قبل شركات "غافام" (GAFAM/غوغل وآبل وفيس بوك وأمازون ومايكروسوفت)، التي تستحوذ منصّاتها "غير الخاضعة لضوابط إلى حد كبير، على حصّة متزايدة من عائدات الإعلانات"، بينما تساهم في "انتشار محتويات مضلّلة أو متلاعب بها". 

وأشارت المنظمة إلى أنّ حرية المعلومات "تتعرّض بشكل متزايد للعرقلة بسبب شروط تمويلية غير شفافة أو تعسّفية"، كما هو الحال في المجر (المرتبة 68 متراجعة مرتبة واحدة)، حيث "تعمد الحكومة إلى خنق وسائل الإعلام النقدية، من خلال التوزيع غير العادل للإعلانات الحكومية".

وشددت على أنه، حتى في البلدان "التي تتمتع بتصنيف جيد" مثل فنلندا (المرتبة الخامسة) أو أستراليا (المرتبة 29 متقدمة عشر مراتب)، فإنّ تركز وسائل الإعلام ضمن مجموعات محددة يشكل "تهديدا للتعددية" و"يستدعي الحذر". 

أما في فرنسا (المرتبة 25 متراجعة أربع مراتب)، فإنّ "جزءا مهما من الصحافة الوطنية يخضع لسيطرة عدد قليل من الثروات الكبيرة"، وفقا لمراسلون بلا حدود، التي تتساءل عن "الاستقلال الحقيقي لهيئات التحرير".

واعتبرت المنظمة حرية الصحافة بأنّها في وضع "خطر للغاية" في 42 دولة، سبعة منها أُدرجت أخيرا في هذه الفئة (الأردن، هونغ كونغ، أوغندا، إثيوبيا، رواندا، قيرغيزستان وكازاخستان). فيما تبقى إريتريا في المرتبة الأخيرة بعد كوريا الشمالية والصين.

ويذكر أن منظمة مراسلون بلا حدود قامت بإعداد هذا التصنيف استنادا إلى "مسح كمّي للانتهاكات المرتكبة ضد الصحافيين" و"دراسة نوعية" أجراها خبراء.

خياطة الخبر

كتبت د. آمال موسى مقالا في الشرق الأوسط، اليوم العالمي لحرية الصحافة: إنه من الأيام الدولية التي تزداد قيمتها من سنة إلى أخرى لسببين اثنين: الأول، أهمية الصحافة نفسها إلى درجة أن اعتبارها السلطة الرابعة بات اليوم بحاجة إلى مراجعة، حيث أصبحت الصحافة طرفاً فاعلاً وأداة في الوقت ذاته، وأبعد ما تكون عن كونها مجرد وسيط ناقل. والسبب الآخر يعود إلى ما يحف اليوم وسائل الإعلام من إشكاليات، تشمل دور الصحافة وتحديات الحرية وشروط المهنية والضمير. وأيضاً من المهم الإشارة إلى أن الحرية هي اختزال لمشكلات عدّة متشابكة ومعقدة تهم الصحافة، والمؤكد هو أن الحرية مطارَدة في كل هذه المشكلات. قبل الحديث عن حرية الصحافة من عدمها، يبدو لنا أنه من المهم إلقاء نظرة على واقع الأخبار والمعلومات اليوم: مَن يصنع الخبر؟ وكيف؟

هناك اليوم نوعان من الأخبار: أخبار ينتجها الواقع بوقائعه وأحداثه، وأخبار يجري تصنيعها في «معمل خياطة» يُعنى بخياطة الأخبار. والمؤسف أن في النوع الأول مصير الخطير منها التعتيم عليها وتعويضها بأخبار أخرى وقعت خياطتها وفق المقاس اللازم، وهو مقاس المصالح والتأثير. لذلك فإنه في عصر المعلومات -وتدفق المعلومات كما يقال- نسجِّل ظاهرة تعتيم المعلومات، وهو تعتيم تقوم به المعلومات البديلة المزيفة. ومثل هذه العملية هي أخطر عملية تلاعب تُحاك ضد ما يسمى الرأي العام، إذ إن ضبابية المعلومات والأخبار وتناقضها يمنعان ويعطِّلان بروز رأي عام حول قضية معينة. ذلك أن المعلومات الواضحة وذات المصداقية يلتفُّ حولها الناس بالسلب أو بالإيجاب، ومن ثمَّ تتشكل قوى الضغط ويمارس المجتمع المدني دوره في الذود عن الحق والعدالة والسلام.

قمع حرية التعبير انتهاك للمتحدث وللمستمع

وسائل التواصل الاجتماعي تحولت لمنصات تقمع حرية الرأي والتعبير وتتيح فضاءاتها للبذاءة وإثارة الانقسامات والفوضى. فما الحل؟ فوكس نيوز

لقد فقد معظمنا الثقة في عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي السائدة لأسباب عديدة. فنحن لا نعرف ما إذا كانت منشوراتنا تصل حقا إلى أصدقائنا أو متابعينا؟ أو ما إذا كان وصول منشوراتنا يتم قمعه بسبب معتقداتنا أو خلفياتنا السياسية أو الإيديولوجية؟

وفي الأيام الأولى للويب في أواخر التسعينيات لم يكن الاعتدال أمرا مهما. فقد تأسست الويب برؤية مثالية وكنا أكثر تهذيبا على الإنترنت في ذلك الوقت. وفي الغالب، كنا نتفاعل مع أشخاص نعرفهم في الحياة الواقعية أو مع مجتمعات وهواة على الإنترنت من ذوي التفكير المماثل. كما لم تكن هناك جيوش من الروبوتات والمتصيدين الذين يحرضون على الفوضى.

اليوم، في ما يُعرف عموما باسم "الويب 2"، أصبحت خلاصات الأخبار لدينا مشتعلة بالغضب. فالتعصب والتحيز واللغة البذيئة والصور ومقاطع الفيديو تتجول أمام أعيننا. وعندما يتعلق الأمر بالخطاب السياسي، فإن Web2 عبارة عن فوضى. فقد وجدت دراسة أجراها مركز بيو للأبحاث في عام 2023 أن "ما يقرب من 80% من الأشخاص في الولايات المتحدة قالوا إنهم يعتقدون أن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الناس أكثر انقساما في آرائهم السياسية"، وقال حوالي 70% إن المنصات "جعلت الناس أقل تحضرا في كيفية حديثهم عن السياسة".

إن النسخة القادمة من شبكة الإنترنت المبنية على تقنية بلوكتشين (المعروفة باسم "ويب 3") لا تقدم أي راحة - حيث يؤدي مخطط الاعتدال المميز إلى غرف صدى أكثر قتامة.

ومع ذلك، على الرغم من هذه المخاطر، يجب أن نتمتع بالحرية للتعبير عن أنفسنا دون أن يضغط علينا الأخ الأكبر (الرمز المستخدم في رواية جورج أورويل للإشارة إلى قمع حرية الرأي والتعبير في رواية 1980). فكيف نحل هذا اللغز بطريقة ترضي جميع الأطراف؟

ويعتبر دعم مبادئ حرية التعبير والحوار المدني أمر حيوي لتعزيز جمهوريتنا. فالمناقشة المفتوحة هي التي تغذي العملية الديمقراطية. وكما أقول غالبا، فإن الخلاف هو العمود الفقري للديمقراطية العاملة بشكل جيد. كما قال رجل الدولة الأمريكي المناهض للعبودية فريدريك دوغلاس في عام 1860: "قمع حرية التعبير خطأ مزدوج. إنه ينتهك حقوق المستمع وكذلك حقوق المتحدث".

وتسعى شبكة Restoration Networking إلى حل القضايا الأساسية المتعلقة بتعديل المحتوى، وحماية اللباقة مع دعم مبادئ حرية التعبير في نفس الوقت. فتخيلوا مدى ارتياحنا عندما يتحقق هذا.

إن المعضلة التي نريد حلها، أولا، هي أن المواقع التي تتخلى عن الإشراف تماما باسم حرية التعبير المطلقة هي مواقع ميتة منذ البداية. فهي تصبح مكتظة بالرسائل غير المرغوب فيها، والمواد الإباحية، وخطاب الكراهية، والتنمر، والمضايقة، والتشهير، والتحريض على العنف. وهذه البيئة ليست خطيرة فحسب؛ بل إنها تجعل هذه المواقع غير صالحة للاستخدام بالنسبة لمعظمنا.

ثانيا، لا يزال الإشراف كما تم توزيعه من قبل Meta وTikTok وX وغيرها من عمالقة التيار الرئيسي معيبا ومنحازا وغير جدير بالثقة، على الرغم من الحلول المؤقتة المستمرة لإصلاحه. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث في عام 2024 أن 83% من الأمريكيين يعتقدون أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة "تراقب وجهات النظر السياسية التي لا تتفق معها".

إن شبكة Restoration Networking تشق طريقا جديدا متميزا لدعم الحوار المدني، وهو نقطة محورية للديمقراطيات العاملة بشكل جيد. وهناك بعض القواعد البسيطة بالنسبة لنا كمستخدمين، والتي ينفذها فريق الثقة والأمان بالموقع: لا للتحريض على العنف، ولا للتنمر، ولا للمضايقة، ولا لإرسال رسائل غير مرغوب فيها، ولا للكشف عن المعلومات الشخصية، ولا للمنشورات البغيضة. وسيتم تحديد هذه القاعدة الأخيرة من قبل مجلس الموقع بطريقة يتفق عليها المؤيدون على جانبي الممر السياسي.

وتسمح هذه القواعد للناس من جميع وجهات النظر بالانخراط في محادثات ودية حول السياسة، وقضايا الصحة، والأنظمة الغذائية، والعلوم، وأنماط الحياة. وعلى سبيل المثال (ربما يكون مثيرا للجدل)، فإن هذا يعني أنه يمكننا دائما إجراء محادثة حية حول مزايا اللقاحات. وهذا يعني أيضا أننا سنتمتع دائما بالحرية في انتقاد حكوماتنا وزعمائنا السياسيين بحدة.

حان الوقت لوضع الذكاء الاصطناعي على الأجندة الاجتماعية

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، يدعو الاتحاد الدولي للصحفيين، وهو الصوت العالمي للصحفيين، إلى أن يكون الذكاء الاصطناعي على رأس جدول أعمال الحوار الاجتماعي بين نقابات الصحفيين ووسائل الإعلام. وتماشيًا مع شعار اليونسكو لهذا العام، "التغطية الصحفية في عالم جديد شجاع - تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية الصحافة"، يحث الاتحاد الدولي للصحفيين الصحفيين والنقابات والمؤسسات الإعلامية على الانخراط في عمل جماعي لضمان أن يخدم الذكاء الاصطناعي الإنتاجَ الأخلاقي للأخبار، ويحمي حرية الصحافة، ويحافظ على الوظائف.

وفي توصياته بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي التي اعتمدها الاتحاد الدولي للصحفيين في يونيو/حزيران 2024، أكد أن " الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل الصحفيين البشريين، ولا ينبغي اعتبار إنتاجه "صحافة"، إلا إذا خضع للرقابة البشرية المناسبة والتحقق".

يُعدّ التحقق من الحقائق والتفكير النقدي جوهرَ الصحافة، ولا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بهما بمفرده. ويُحذّر الاتحاد الدولي للصحفيين تحديدًا من التحيز والصور النمطية والأخطاء الوقائعية التي قد تُسهم في تضليل الجمهور. ويُشير الاتحاد إلى أهمية الصحفيين في هذه المهام.

يُشكل تزايد التضليل الإعلامي عبر الإنترنت، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تهديدًا آخر، يتطلب ردًا من الصحفيين بتدقيق دقيق. ويُذكّر الاتحاد الدولي للصحفيين بأن التزييف العميق يُمثل تحديًا خاصًا. يقول أنتوني بيلانجر، الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين: " التزييف العميق هجوم مباشر على الديمقراطية وعلى حق الناس الأساسي في الحصول على معلومات موثوقة ومستقلة ". ويضيف: " الصحفيون في طليعة هذا التوجه، ويزداد عملهم في التحقق أهميةً على الرغم من تعقيده ".

يحثّ الاتحاد الدولي للصحفيين النقابات العمالية ووسائل الإعلام على تناول مسألة الذكاء الاصطناعي في إطار حوارها الاجتماعي. يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل غرف الأخبار، ويُؤتمت المهام الروتينية، ويُساعد في تحليل البيانات، بل ويُنتج المحتوى. لهذه التقنية القدرة على تحسين الكفاءة وتجنيب الصحفيين القيام بمهام روتينية كجمع البيانات. إلا أن الاتحاد الدولي للصحفيين يُعرب عن قلقه إزاء قلة الجهود المبذولة في الحوار الاجتماعي لضمان الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، مثل معالجة بنود الشفافية بشكل مباشر. ويُعرب الاتحاد عن قلقه بشكل خاص من أن الذكاء الاصطناعي قد يحل في نهاية المطاف محل القرارات التحريرية، التي يتخذها حاليًا الموظفون المحترفون في غرف الأخبار.

بالإضافة إلى ذلك، لدى الاتحاد مخاوف محددة بشأن استخدام الأعمال الصحفية لتغذية الذكاء الاصطناعي. هذه العملية، التي غالبًا ما تكون آلية، قد تؤدي إلى عدم حصول الصحفيين على تعويضات مقابل مقالاتهم، إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق محدد مع المؤسسات الإعلامية المعنية. ينبغي أن تضمن اتفاقيات الترخيص بين المؤسسات الإخبارية وشركات الذكاء الاصطناعي حصول الصحفيين على تعويض عادل مقابل مساهماتهم، وأن تسمح لهم بالانسحاب إذا رفضوا استخدام أعمالهم بهذه الطريقة .

ينبغي على النقابات ووسائل الإعلام أيضًا ضمان حصول الصحفيين، بمن فيهم المستقلون، على تدريب مناسب في مجال الذكاء الاصطناعي. كما ينبغي عليهم مساعدة الصحفيين على تحقيق هذا التحول المهني.

يقول بيلانجر: "لقد حان الوقت ليفكر جميع العاملين في هذا القطاع معًا في كيفية تكيف الصحافة مع المشهد المتطور للذكاء الاصطناعي، مع الحفاظ على معاييرها الأخلاقية والقيم الجوهرية لحرية الصحافة ". ويضيف: " مستقبل الصحافة هو مستقبل تبقى فيه الرقابة البشرية والشفافية والمساءلة في صميم استخدام الذكاء الاصطناعي. يجب أن نضمن أن تُسهم التكنولوجيا في تعزيز عمل الصحفيين، لا في تقويضه ".

يدعو الاتحاد الدولي للصحفيين جميع الجهات المعنية - الصحفيين والنقابات والمؤسسات الإعلامية وصانعي السياسات - إلى التعاون في وضع مبادئ توجيهية للذكاء الاصطناعي تُولي الأولوية لحقوق الصحفيين ورفاههم. وينبغي أن يشمل هذا الهدف وضع حدود واضحة لدور الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، وتعزيز الشفافية في عمليات الذكاء الاصطناعي، وضمان حصول الصحفيين على تعويضات وإمكانية اختيار عدم استخدام الذكاء الاصطناعي لأعمالهم، وحماية استقلالية التحرير. كما يُشدد الاتحاد على أهمية المفاوضة الجماعية، لضمان سماع أصوات الصحفيين مع تزايد اندماج هذه التقنيات في المشهد الإعلامي.

الدفاع عن حرية الإعلام لحماية الديمقراطية

تؤكد رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا ونائبة الرئيس سابين فيرهين ورئيسة لجنة الثقافة والتعليم نيلا رييل على الدور الحيوي للصحافة المستقلة.

قالت الرئيسة روبرتا ميتسولا : "الصحافة الحرة هي أفضل درع للديمقراطية. يجب أن يتمتع الصحفيون بحرية التغطية الإعلامية دون خوف من الرقابة أو الترهيب أو الانتقام. سيدافع البرلمان الأوروبي دائمًا عن حرية الإعلام والصحافة ويدعمها - ليس فقط في اليوم العالمي لحرية الصحافة، بل كل يوم".

قالت سابين فيرهين (حزب الشعب الأوروبي، ألمانيا)، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي ورئيسة مجموعة العمل المعنية بتنفيذ قانون حرية الإعلام الأوروبي:

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نؤكد مجددًا التزامنا بأحد الركائز الأساسية للديمقراطية: حرية الإعلام. فالصحافة الحرة والمستقلة والمتنوعة ضرورية لأي مجتمع ديمقراطي. ومع ذلك، لا تزال مهددة - حتى في بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - وبدونها، لا يمكن للديمقراطية أن تعمل. يُعدّ قانون حرية الإعلام الأوروبي (EMFA)، الصادر في أبريل 2024، أمرًا بالغ الأهمية في مواجهة هذه التحديات. فهو يوجه رسالة قوية حول ضرورة حماية تنوع وسائل الإعلام واستقلالية الصحفيين في جميع أنحاء أوروبا. فالإعلام أكثر من مجرد صناعة - فهو يُشكّل الخطاب السياسي، ويدفع عجلة التنمية الثقافية، ويعزز الاندماج الاجتماعي، ويصون الحقوق الأساسية.

يمثل قانون حرية الصحافة الأوروبي (EMFA) إنجازًا تاريخيًا للاتحاد الأوروبي: فلأول مرة، يُسنّ قانون أوروبي شامل لدعم حرية الصحافة والتعددية الإعلامية. لقد أحرزنا تقدمًا تشريعيًا ملحوظًا في حماية الصحفيين من التدخل السياسي والضغوط الاقتصادية. لكن هذه الحماية بحاجة الآن إلى تطبيق فعال.

دخل قانون حرية الإعلام الأوروبية (EMFA) حيّز التنفيذ بالفعل. وقد دخلت الأحكام الأولى منه حيز التنفيذ رسميًا، على أن يليه مجموعة الأحكام التالية هذا الشهر. وبحلول أغسطس 2025، ستدخل أهم بنوده حيز التنفيذ، مما يُمثّل خطوةً هامةً في تعزيز حرية الإعلام في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن التأثير الحقيقي لقانون حرية الإعلام الأوروبية (EMFA) يعتمد على تنفيذه. ولذلك، نراقب العملية عن كثب لضمان عدم تأخير الدول الأعضاء في تطبيقه. حرية الصحافة لا تحتمل الانتظار - علينا أن نفي بهذه الالتزامات.

في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، علينا أن نتذكر أهمية التمسك بالدفاع عن حرية الإعلام. تُذكرنا الاتجاهات العالمية المقلقة بأن اللامبالاة ليست خيارًا. حتى في أوروبا، يجب أن نبقى يقظين في الدفاع عن قيمنا الديمقراطية. حرية الصحافة هي ركيزة الديمقراطية، والدفاع عنها يعني حماية حرياتنا والقيم التي نعتز بها.

قالت نيلا ريهل (حزب الخضر، ألمانيا)، رئيسة لجنة الثقافة والتعليم: "يُعد قطاع الصحافة المستقل ركيزة أساسية لديمقراطيتنا. نحن بحاجة إلى صحافة حرة تُحاسب صانعي القرار، وتُسهم في التغيير الاجتماعي، وتُبقي المواطنين على اطلاع. يساورني القلق إزاء الزيادة الكبيرة في اطّلاع الشباب على الأخبار من مصادر

غير مُوثّقة على منصات التواصل الاجتماعي. تُنافس الصحافة عالية الجودة خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي على جذب انتباهنا. وللحد من انتشار المعلومات المُضلّلة الضارة، بدأ الاتحاد الأوروبي الآن بتنظيم المنصات الرقمية، ولكننا نحتاج أيضًا إلى تحسين الثقافة الإعلامية، وضمان حصول الناس على معلومات دقيقة، وتوفير التثقيف حول استهلاك الإعلام.

ينبغي أن يكون هذا أولوية قصوى للتعليم المدني، مع تحديد أهداف واضحة في سعينا نحو تعزيز المرونة الديمقراطية في جميع أنحاء أوروبا. وبصفتنا لجنة، فإننا ندفع بهذه التحديات إلى أعلى سلم أولويات أجندة التعليم الأوروبية، ونرحب بالخطوات الأولى في هذا الاتجاه في إطار مبادرة "اتحاد المهارات" التي أطلقتها المفوضية.

ذكّرتني زيارتي الأخيرة لأوكرانيا بقدرة المواطنين على مواجهة التهديدات التي تواجه الديمقراطية. فعندما يُستغل التلاعب بالمعلومات كسلاح، فإن تعزيز وحماية الأفراد - أي الصحفيين المستقلين والمراسلين والإعلاميين والمتطوعين - يُعدّ مسألة أمنية أيضًا. وعليه، في اليوم العالمي لحرية الصحافة هذا، نؤكد أيضًا على ضرورة تهيئة بيئات عمل آمنة للصحافة المستقلة، مع توفير ظروف عمل ملائمة، وبنية تحتية أوروبية داعمة، وحماية من الاضطهاد.

يُصدر رؤساء لجنة الحريات المدنية، واللجنة الفرعية لحقوق الإنسان، واللجنة الخاصة المعنية بدرع الديمقراطية الأوروبي بيانًا بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. يمكنكم الاطلاع عليه هنا (سيتوفر قريبًا) .

كيف يعزز البرلمان حرية الإعلام

في مطلع عام ٢٠٢٤، اعتمد البرلمان والمجلس قواعد جديدة لحماية حرية الإعلام واستقلال الصحفيين في الاتحاد الأوروبي. وستُطبّق أحكام قانون حرية الإعلام (EMFA) بشكل كامل في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اعتبارًا من ٨ أغسطس ٢٠٢٥.

ينبغي أن تضمن هذه الأحكام شفافية ملكية وسائل الإعلام وتوزيع الإعلانات الحكومية، وتعزز استقلالية الإعلام العام، وتوفر حماية قوية للصحفيين ومصادرهم. ولضمان الرؤية والتعددية، ستُمنع المنصات الرقمية من حذف أو تقييد محتوى الإعلام المستقل تعسفيًا.

يجب نقل التوجيه الخاص بحماية الصحفيين ونشطاء المجتمع المدني ضد الدعاوى القضائية الاستراتيجية التي تسعى إلى إسكات الأصوات الناقدة إلى القانون الوطني في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بحلول 7 مايو/أيار 2026 .

يُكافئ البرلمان الأوروبي سنويًا الصحافة المتميزة التي تُعزز أو تدافع عن المبادئ والقيم الأساسية للاتحاد الأوروبي، مثل الكرامة الإنسانية، والحرية، والديمقراطية، والمساواة، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان. وستُطلق الدورة الخامسة من جائزة دافني كاروانا غاليزيا للصحافة في وقت لاحق من هذا الشهر.

اضف تعليق