تحديث سجل الناخبين ليس مجرد إجراء تقني أو مسألة إدارية، بل هو حجر الزاوية لأي ديمقراطية نزيهة وممثلة لإرادة الشعب، وفي بلد كالعراق، حيث تمر التجربة الديمقراطية بتحديات بنيوية، فإن تعزيز ثقة المواطن في الانتخابات يبدأ من بناء قاعدة بيانات انتخابية سليمة، تتسم بالدقة المدعومة بالشفافية، وعلى الجميع من الدولة إلى الفرد...
من أعظم الإنجازات التي تحققت عقب سقوط نظام بغداد عام 2003 هو الذهاب الى النظام الديمقراطي والسماح للشعب اخيار ممثليه في مجلس النواب الذي تنبثق منه الحكومة وتدير البلد لمدة أربع سنوات وهكذا هي الحال تعاد العملية بانتهاء الفترة القانونية.
وقبيل انتهاء هذه المدة تشرع المفوضية العليا للانتخابات في البلاد الى اتخاذ جملة من الإجراءات لتهيئة الجو الانتخابي بما يضمن الشفافية والنزاهة في عملية الاختيار، اذ تفتح باب تحديث سجل الناخبين لفترات طويلة، لتضمن لجميع الافراد الذين يحق لهم التصويت المشاركة دون أي موانع فنية.
وتمثل عملية تحديث سجل الناخبين من أبرز الأسس التي تقوم عليها العمليات الأخرى الخاصة بالعلمية الانتخابية، وأكثرها نفعا للمواطن في المرحلة الحالية، لا سيما مع اقتراب انتهاء المدة المسموح خلالها بعملية التحديث، وهنا نود التأكيد على أهمية التوجه نحو التحديث؛ لما يترتب عليها من آثار إيجابية.
فالتحديث ليس مجرد إجراء فني او تقني تضطلع فيه الكوادر العاملة في المفوضية العليا للانتخابات، بل له ابعاد أخرى يمكن حصرها في ان التحديث يعطي المؤشرات الأولى لنسبة المشاركة في علمية التصويت، فإذا كانت نسبة التحديث كبيرة والاهتمام فيها بدرجة كبيرة.
يعني ان الإقبال على المشاركة بنسبة عالية خلافا للسنوات الماضية، التي شهدت نسبة تحديث ضئيلة ما انعكس على النسبة الكلية للمشاركة، ولهذه الأهمية التي تحتلها علمية التحديث وسط ما يشاع من اتهامات متكررة بوجود خروقات او تزوير في السجلات، لذلك فإن الحديث عن تحديث سجل الناخبين لا ينحصر فقط في الجوانب التقنية، بل يتصل بشكل وثيق بمستقبل التمثيل الشعبي واستقرار النظام السياسي الذي يحتكم الى نتائج صناديق الاقتراع.
ونظرا لما يحمله التحديث من أهمية قصوى يتحتم على منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والجهات الرسمية الأخرى تكثيف جهودها في اتجاه الحث على الذهاب ودفع المواطنين نحو التحديث الذي يضمن لهم المشاركة وحقهم في التصويت.
ففي السنوات الأخيرة الماضية ساد اعتقاد بعدم جدوى العملية الانتخابية، ويتأتى ذلك من هيمنة بعض الشخصيات السياسية والوجوه الحزبية على مقالد السلطة، نتيجة طرق غير قانونية مكنتهم بهذه الدرجة من الإحكام على السلطة، ولهذا يرى الاعم الاغلب من أبناء الشعب عدم ضرورة التحديث والمشاركة في علمية الاختيار.
وعلى العكس من هذا التوجه يوجد من يعتقد ان التصويت والانتخابات هي الفرصة الوحيدة والضامن الوحيد للتغيير، والتعويل هنا يأتي على شريحة الشباب الطامحة بالتغيير السياسي وانهاء الفوضى السياسية الحاصلة في البلد عبر تشبث عدد من الشخصيات وعدم فسحها المجال امام الدماء الجديدة لأخذ دورها في التمثيل السياسي.
ولان الشباب تواقون الى التغيير وتحسين الأداء السياسي، فإن الاهتمام بعملية التحديث يعطيهم الحق والفرصة السانحة للمشاركة في العملية السياسية بصورة مباشرة من خلال اختيار الممثلين لهم تحت قبة البرلمان، لا سيما وان نسبة الشباب في البلاد تجاوزت الستون بالمئة من عموم الشعب، ما يعني ان فرصة التغيير لا تزال قائمة.
ومن ابسط أدوات او أساليب التغيير هو الاعتناء بالتحديث الذي أهمل كثيرا في العقد الأخير من عمر العملية السياسية، فالتحديث هو النقطة الأولى التي تعطي للانتخابات هيبتها وتعيد للمواطن حقه ودوره في التغيير الفعلي، عبر غلق الأبواب امام المتلاعبين في الأصوات والنتائج النهائية.
وبهذا يكون التحديث بمثابة المدخل الرئيسي لإصلاح العملية الانتخابية، اذ إن الدعوات المتكررة لإصلاح النظام الانتخابي لا يمكن أن تؤتي أُكلها ما لم تبدأ من القاعدة الأساسية، وهي سجل الناخبين، فتحديث هذا السجل يُسهم في جوانب كثيرة من بينها ضمان العدالة التمثيلية، من خلال التأكد أن كل صوت يُحتسب بشكل دقيق، وألا يُمنح شخص أكثر من صوت أو يُحرم آخر منه.
وكذلك يسهم برفع نسبة المشاركة، ويكون ذلك حين يثق المواطن أن العملية الانتخابية تجري بشكل عادل، يُصبح أكثر استعدادًا للمشاركة، ما يُعزز شرعية النتائج، وأخيرا يساعد التحديث السليم على منع التزوير والتلاعب، لاسيما وان التزوير غالبا ما يبدأ من ثغرات في البيانات، وخلل في سجلات المواطنين، بينما عندما يكون السجل محكما ومُحدثا تقل فرص التلاعب.
تحديث سجل الناخبين ليس مجرد إجراء تقني أو مسألة إدارية، بل هو حجر الزاوية لأي ديمقراطية نزيهة وممثلة لإرادة الشعب، وفي بلد كالعراق، حيث تمر التجربة الديمقراطية بتحديات بنيوية، فإن تعزيز ثقة المواطن في الانتخابات يبدأ من بناء قاعدة بيانات انتخابية سليمة، تتسم بالدقة المدعومة بالشفافية، وعلى الجميع من الدولة إلى الفرد، أن يُدرك أن التصويت حق، لكنه لا يكتمل إلا حين يُصان عبر نظام انتخابي عادل يبدأ من سجل ناخبين مُحدث وخال من الثغرات.
اضف تعليق