شهد الاقتصاد الأميركي انكماشا غير متوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، وفقا لبيانات جديدة، الأمر الذي يرجع في جزء كبير منه إلى زيادة الواردات قبل فرض الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية شاملة. ولاقى أداء ترامب فتورا لدى الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة وسط شعور بالقلق إزاء إدارته الاقتصادية...
ألقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثلاثاء في ميشيغن أمام حشد من مؤيّديه خطابا حماسيا بمناسبة مرور مئة يوم على عودته إلى البيت الأبيض أكّد فيه أنّ الإجراءات غير المسبوقة التي اتّخذها حتى الآن وهزّت العالم وزعزعت استقرار أميركا “ما هي سوى البداية”.
وبينما كان يستمتع بتصفيق أنصاره الذين تجمّعوا في مدينة وارن بولاية ميشيغن (منطقة البحيرات العظمى، شمال)، أكّد ترامب أنّ أميركا شهدت “أكثر 100 يوم نجاحا” في تاريخها.
وأضاف الملياردير الجمهوري البالغ من العمر 78 عاما في خطاب طويل كان من حيث الشكل والمضمون أشبه بالخطابات التي كان يلقيها خلال حملته الانتخابية “أفتقد الحملات الانتخابية”.
ولم يوفّر ترامب في خطابه أحدا من خصومه، من سلفه جو بايدن “النائم”، إلى وسائل الإعلام “الكاذبة”، إلى القضاة “الشيوعيين”، إلى معارضيه الديموقراطيين “اليساريين المجانين”، إلى الدول الحليفة لبلاده لكنّها مع ذلك “نهبتنا أكثر من خصومنا على صعيد التجارة”، وصولا حتى إلى رئيس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الذي “لا يقوم بعمل جيّد”، وكذلك أيضا دعاة حماية الأقلّيات على أنواعها والمدافعين عن البيئة.
وخصّص ترامب حيّزا كبيرا من خطابه للدفاع عن الرسوم الجمركية التي فرضها والسياسة الحمائية التي ينتهجها، واعدا الأميركيين بـ”عصر ذهبي” اقتصادي جديد.
كما استفاض الرئيس الجمهوري في خطابه في الحديث عن الإجراءات التي اتّخذها لوقف الهجرة غير النظامية وترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
وخلال الخطاب توقّف ترامب ليتابع مع الحشد مقطع فيديو لمهاجرين تم ترحيلهم إلى السلفادور ظهر فيه رجال مقيّدون بالأصفاد والسلاسل يتمّ حلق رؤوسهم، بينما راح الحشد يهتف “يو إس إيه! يو إس إيه!”.
وكان ترامب قال لمجلة “ذي أتلانتك” إنّه “في الولاية الأولى، كان عليّ القيام بأمرَين: إدارة البلاد والنجاة بنفسي، وكان كلّ هؤلاء المحتالين حولي”، في إشارة إلى تشكيلة الوزراء والمستشارين خلال فترة ولايته الأولى (2017-2021).
وأضاف متباهيا، “في الولاية الثانية، أقود البلاد والعالم … واستمتع كثيرا بوقتي”.
وما زال العديد من ناخبي قطب العقارات السابق موالين له. وقالت كارن ماينر التي تدير متجرا للنبيذ في رينو بنيفادا، لوكالة فرانس برس، “إنّه يدرك ما يفعله”.
من جانبه، قال فرانك تيوتي وهو عامل متقاعد من نيوهامشير، “حتى الآن، أنا سعيد جدا بما يفعله”، معربا في الوقت ذاته عن “بعض القلق بشأن الاقتصاد”.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، وإحاطة نفسه بالمخلصين له، يتصرف ترامب بحريّة تامّة سواء في مجال الرسوم الجمركية والسياسة الخارجية أو للانتقام من خصومه السياسيين.
وفي قاعة الشرف في البيت الأبيض، استبدل صورة الرئيس السابق باراك أوباما بلوحة مستوحاة من محاولة الاغتيال التي تعرّض لها.
أما في المكتب البيضوي، فقد اختار الملياردير المعروف بذوقه المتكلّف الباذخ أن يحيط نفسه بمقتنيات مذهّبة.
وقام بتوسيع حدود سلطته الرئاسية، ووقّع حتى الآن أكثر من 140 مرسوما.
ومن بين هذه المراسيم واحد يلغي الحق الذي يضمنه الدستور بالحصول على المواطنة بالولادة.
وهاجم ترامب جامعات ومكاتب محاماة وألغى سياسات بيئية، وكلّف حليفه إيلون ماسك بتفكيك مؤسسات فدرالية بذريعة محاربة البيروقراطية، كما أطلق سياسة حمائية شرسة، قبل أن يتراجع جزئيا عنها.
وعندما أمر قضاةً بتعليق بعض المراسيم التي أصدرها، وجدوا أنفسهم في خضم مواجهة غير مسبوقة مع السلطة التنفيذية.
ولا يمكن لترامب الذي قامت مسيرته السياسية على إثارة الانقسام وتعميقه، أن يدّعي الاستفادة من شهر العسل السياسي الذي عادةً ما يُرافق المئة يوم الأولى لأيّ رئيس، فهو شخصية تثير مشاعر متناقضة لدى الأميركيين الذين يوجد عدد ثابت منهم إما يكرهونه بشدة أو يعشقونه بإفراط.
وعلى العكس من ذلك، تتفق استطلاعات الرأي على تسجيل تراجع حاد في شعبيته، الأمر الذي يساهم فيه القلق بشأن سياسة الرسوم الجمركية التي يعتمدها وهجماته على المؤسسات الفدرالية.
وبيَّن استطلاع نشرته صحيفة واشنطن بوست مع شبكة “اي بي سي نيوز” الأحد، أنّ 39 في المئة من الأميركيين فقط “يوافقون” على الطريقة التي يدير بها ترامب الأمور.
ورأى 64 في المئة من المستطلعين أنّه يذهب “بعيدا جدا” في محاولته توسيع صلاحيات الرئيس.
وتعليقا على هذه الاستطلاعات قال ترامب في خطابه إنّ هذه النتائج مزيّفة، متّهما معدّي هذه الاستطلاعات باختيار عيّنات يطغى عليها خصومه الديموقراطيون.
ويستحيل التنبؤ بمدى قدرة ترامب على الحفاظ على هذه الوتيرة المحمومة لولايته الثانية.
فقد بدأ الرئيس الجمهوري يبدي علامات على نفاد الصبر، خصوصا في ما يتعلّق بالقضايا الدبلوماسية، بعدما شدّد خلال حملته الانتخابية على إبرام صفقات سريعة.
مثال على ذلك، الحرب في أوكرانيا حيث من الواضح أنّه فشل في الوفاء بوعده الانتخابي بإنهاء الصراع خلال 24 ساعة من عودته للسلطة.
وردا على سؤال طرحته عليه مجلة “تايم”، قال ترامب “الناس يعرفون أنّني عندما قلت ذلك، كان بنبرة مازحة”.
انكماش غير متوقع
شهد الاقتصاد الأميركي انكماشا غير متوقع في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، وفقا لبيانات جديدة نُشرت الأربعاء، الأمر الذي يرجع في جزء كبير منه إلى زيادة الواردات قبل فرض الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية شاملة.
ولاقى أداء ترامب فتورا لدى الأمريكيين في الأسابيع الأخيرة وسط شعور بالقلق إزاء إدارته الاقتصادية في ظل التضخم المستمر وتحركات إدارته العدوانية لفرض رسوم جمركية على كل دول العالم تقريبا.
قال ترامب معلقا على فترته الرئاسية الأولى التي امتدت من عام 2017 وحتى 2021 "كان لدينا أعظم اقتصاد في تاريخ بلادنا. لقد حققنا أداء رائعا، ونحن الآن في وضع أفضل".
وجدد ترامب انتقاداته لرئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول، وقال أمام الحشد الضخم في وارن، التي تضم المركز التقني لشركة جنرال موتورز وتقع قرب مدينة ديترويت، إن رئيس البنك المركزي لم يكن يؤدي عمله بشكل جيد.
على متن طائرة الرئاسة الأمريكية، وقع ترامب في وقت سابق يوم الثلاثاء على أمر لتخفيف وطأة الرسوم الجمركية على السيارات.
وقال وزير التجارة الأمريكي هوارد لوتنيك لشبكة (سي.إن.بي.سي) إن الإدارة الأمريكية توصلت إلى اتفاق تجاري مع إحدى الدول سيخفف بشكل دائم من الرسوم الجمركية "المضادة" التي يعتزم ترامب فرضها. ولم يكشف الوزير عن اسم ذلك البلد.
وفي وارن، وصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها شريان حياة اقتصادي لولاية ميشيجان.
وقال ترامب وسط هتافات الحضور "برسومي الجمركية على الصين، ننهي أكبر سرقة وظائف في تاريخ العالم. لقد انتزعت الصين منا وظائف أكثر مما انتزعته أي دولة أخرى".
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم بمعدل سنوي من 0,3 في المئة في الربع الأول، بعدما نما بنسبة 2,4 في المئة في الأشهر الأخيرة من العام 2024، وفقا لتقديرات وزارة التجارة الأميركية.
جاءت البيانات الصادرة الأربعاء أدنى بكثير من التقديرات التي توقعت نموا بنسبة 0,4 في المئة، وفقا لموقع “بريفينغ.كوم” (Briefing.com).
وقالت وزارة التجارة في بيان إنّ “التراجع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يعكس ارتفاع الواردات وتباطؤ الإنفاق الاستهلاكي وانخفاض الإنفاق الحكومي”.
تفاعلت الأسواق الأميركية بشكل سلبي مع هذه الأنباء، وفتحت المؤشرات الثلاثة الرئيسية على انخفاض حاد في وول ستريت.
وألقى ترامب باللوم في منشور على منصته تروس سوشيل، على سلفه جو بايدن في هذه الأنباء الاقتصادية السيئة.
وقال “هذه سوق أسهم بايدن وليست سوق أسهم ترامب … بلادنا ستزدهر، ولكن علينا التخلّص من تأثير بايدن السلبي”.
وتابع “سيتطلّب هذا الأمر بعض الوقت، ولا علاقة له بالرسوم الجمركية”، مؤكدا أنّه “عندما يبدأ الازدهار، سيكون لا مثيل له. اصبروا!!”.
بعد دقائق من ذلك، أشار بيتر نافارو مستشار ترامب الاقتصادي في مقابلة مع شبكة “سي ان بي سي”، إلى أنّ التراجع في الناتج المحلي الإجمالي كان متوقعا، مؤكدا أنّ “هذا لن يكون الحال في الفصل المقبل”.
بموازاة ذلك، تباطأ التضخّم في آذار/مارس إلى أكثر من 2,3 في المئة على أساس سنوي، وهو ما يتماشى على نطاق واسع مع توقعات المحللين، وفقا لمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الرسمي الذي نشر الأربعاء، الأمر الذي يسلط الضوء على الدور الذي لعبه انخفاض أسعار الطاقة.
ونُشرت الأرقام في اليوم 101 بعد عودة ترامب إلى منصبه رئيسا للولايات المتحدة في 20 كانون الثاني/يناير.
ومنذ ذلك الوقت، غلظ ترامب الرسوم الجمركية على الأصدقاء قبل الأعداء. وفي آذار/مارس، أعلن عن خطط لفرض رسوم جمركية باهظة على كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، اعتبارا من أوائل نيسان/أبريل، في محاولة لتصحيح العجز التجاري حسب قوله.
وأدى فرض التعريفات الجمركية إلى عمليات بيع كبيرة في الأسواق المالية، ما انعكس في ارتفاع التقلّبات إلى مستويات لم تحدث منذ جائحة كوفيد-19، وفي إثارة قلق المستثمرين.
وقالت أستاذة الاقتصاد في جامعة جورج واشنطن تارا سينكلير لوكالة فرانس برس قبل نشر البيانات، “عادة، لا تتغيّر سياسة الحكومة كثيرا، خصوصا خلال الأيام المئة الأولى للرئاسة… هذه المرة الأمر مختلف”.
وأضافت “أعتقد أنّ من الواضح جدا أنّ هناك تغييرات جذرية في السياسة أدّت إلى إضعاف الاقتصاد بشكل مباشر”.
من جانبها، قالت السيناتور الديموقراطية إليزابيث وورن في بيان، “بعد مرور 100 يوم على بدء رئاسته، تؤدي الرسوم الجمركية التي يفرضها دونالد ترامب إلى انكماش اقتصادنا، حيث تقوم الشركات بتخزين الواردات تحسبا ليوم القيامة الذي سيحل بسبب الرسوم الجمركية”.
بعد الحركة السلبية الكبيرة التي شهدتها الأسواق في نيسان/أبريل، أعلنت إدارة ترامب تعليقا مؤقتا لمدة 90 يوما، للتعريفات الجمركية المرتفعة التي قرّرت فرضها على عشرات الدول، وذلك لإتاحة المجال أمام إجراء محادثات، بينما حافظت على معدّل رسوم أساسي بنسبة 10 في المئة على معظم الدول.
كذلك، أعلنت تدابير خاصة في قطاعات الصلب والألمنيوم والسيارات وقطع الغيار غير المصنّعة في الولايات المتحدة، وفرضت تعريفات جمركية جديدة تصل إلى 145 في المئة على الكثير من المنتجات الصينية.
وردّت بكين بفرض رسوم جمركية باهظة ومحدّدة الأهداف على السلع الأميركية.
وشهد الاقتصاد الأميركي نموا بنسبة 2,8 في المئة العام الماضي، وفقا لوزارة التجارة، بينما توقّع معظم المحلّلين أن يتباطأ قليلا هذه السنة.
ولكن منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض وفرض رسوم جمركية جديدة، خفّض العديد من المحلّلين توقعاتهم للنمو بشكل كبير.
وتؤثر الواردات بشكل سلبي على النمو، ومن شأنها أن تضعف التأثيرات الإيجابية للصادرات في حسابات الناتج المحلي الإجمالي.
وقالت سينكلير من جامعة جورج واشنطن، إنّ “هذه الزيادة الكبيرة في الواردات تأتي مباشرة من أشخاص يحاولون استباق الرسوم الجمركية. وهذا ردّ مباشر على سياسات هذا الرئيس”.
وقال كبير الاقتصاديين في رابطة مصرفيي الرهن العقاري مايك فراتانتوني في مذكرة للعملاء اطلعت عليها فرانس برس، إنّ تأثيرات الرسوم الجمركية على النمو والتضخم تشكل “معضلة” بالنسبة إلى بنك الاحتياطي الفدرالي، في إطار محاولته الحفاظ على استقرار الأسعار وأقصى حد من التوظيف المستدام.
وأضاف “نتوقع أن يبقي بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعه الأسبوعي المقبل، ونشير إلى أنّه سيستمر في الإبقاء على هذا المستوى حتى يتضح ما إذا كان الركود أو التضخّم هو الخطر الأكبر”.
الاستياء من الاقتصاد
أظهر استطلاع جديد للرأي لرويترز/إبسوس أن نسبة تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ظلت ثابتة هذا الأسبوع، لكن الاستياء يتزايد حول طريقة تعامله مع الاقتصاد ونهجه المتشدد تجاه الهجرة، مع القلق من حرب تجارية عالمية والدفع باتجاه زيادة عمليات الترحيل.
وأظهر الاستطلاع الذي أُجري يوم الأحد أن 42 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون أداء الرئيس الجمهوري في منصبه، دون تغيير عن استطلاع سابق أجرته رويترز إبسوس قبل أسبوع. وظلت نسبة الذين لا يؤيدون رئاسته عند 53 بالمئة.
وانخفضت نسبة المؤيدين لإدارة ترامب للاقتصاد نقطة مئوية واحدة إلى 36 بالمئة وهو أدنى مستوى في ولايته الحالية أو في فترة رئاسته بين عامي 2017 و2021، وارتفعت نسبة غير المؤيدين خمس نقاط لتصل إلى 56 بالمئة.
وتصاعدت المخاوف من حدوث ركود في الأسابيع القليلة الماضية مع خوض ترامب حربا تجارية عالمية ورفع الرسوم الجمركية إلى مستويات عالية جعلت خبراء الاقتصاد يحذرون من أن التجارة مع بعض الدول، لا سيما الصين، قد تتوقف تقريبا.
وما زال التضخم يمثل نقطة حساسة. وجاء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر تشرين بعد تسارع التضخم في عهد سلفه الديمقراطي جو بايدن. لكن وتيرة التضخم لم تتراجع تقريبا في عهد ترامب، ولا يؤيد 59 بالمئة من المشاركين في أحدث استطلاع للرأي أجرته رويترز إبسوس طريقة تعامله مع تكاليف المعيشة في أمريكا، مقارنة بنسبة 32 بالمئة ممن يؤيدون نهجه في هذا الشأن.
وشمل استطلاع رويترز إبسوس 1029 بالغا أمريكيا على امتداد الولايات المتحدة وبلغ هامش الخطأ نحو ثلاث نقاط مئوية.
وتؤدي التحوّلات العديدة في مواقف الرئيس دونالد ترامب إلى شعور العديد من الأميركيين بالإحباط، لا سيما أنه انتُخب بفضل تعهّده ضمان الازدهار الاقتصادي.
وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة ديوك جوزيف غريكو لوكالة فرانس برس “يستبعد أن تكون التقلّبات التجارية الأميركية التي شهدها الشهر الماضي نتيجة تخطيط من أي نوع كان.. كانت مجرّد (قرار) مرتجل تلو آخر”.
وفي غياب استراتيجية واضحة للبيت الأبيض، يسود القلق الأسواق العالمية التي ترتفع وتهبط مع صدور أي تصريح عن ترامب وكبار المسؤولين في إدارته بشأن التجارة أو السياسة النقدية.
وأثارت هذه التقلّبات قلق ملايين المستثمرين الأميركيين، وخصوصا أولئك الذين استثمروا مدخرات تقاعدهم في الأسهم.
وازدادت المخاوف عندما كثّف الرئيس انتقاداته لباول، واصفا إياه بـ”الفاشل” لرفضه خفض معدلات الفائدة.
وأدى الهجوم على استقلالية البنك المركزي إلى هبوط الأسواق، قبل أن يتراجع ترامب ويؤكد الثلاثاء أن لا نية لديه لإقالة باول.
مخاوف بشأن الاستهلاك
سيكون من المستحيل نظريا التكهّن بمسار المواجهة التجارية مع الصين وإن كان ترامب يؤكد أنه سيخفض بشكل كبير الرسوم الجمركية البالغة نسبتها 145 في المئة التي فرضها على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وبحسب استطلاع صدر مؤخرا عن مؤسسة “غالوب”، يعتقد 53 في المئة من الأميركيين أن وضعهم المالي الشخصي سيتدهور. ومنذ العام 2001، أشارت منظمة الاستطلاعات المعروفة إلى كيفية تعبير معظم الأشخاص الذين استطلعت آراءهم عن تفاؤلهم بأوضاعهم المالية.
ومن شأن ارتفاع مستوى القلق أن يترجم إلى تردد في الاستهلاك، ما يمكن أن يؤدي بدوره إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.
وبينما تعكس أبرز استطلاعات الرأي تزايد عدم الثقة في سياسة البيت الأبيض الاقتصادية، إلا أن غالبيتها تتفق على أن هذا التشاؤم لم يصل بعد إلى قاعدة الدعم الأساسية لترامب التي بقيت متمسكة بتمجيد الرئيس إلى حد كبير.
وفي أميركا المنقسمة بشدة اليوم، ما زال 70 في المئة من الناخبين الجمهوريين والمستقلين الذين يميلون للجمهوريين يؤيدون قرارات ترامب المرتبطة بالرسوم الجمركية، في حين يعارضها 90 في المئة من الديموقراطيين، بحسب مركز “بيو”.
وترددت أصداء تداعيات الحرب التجارية الأمريكية في مجتمع الأعمال يوم الثلاثاء إذ أعلنت عملاق خدمات الشحن والتوصيل (يو.بي.إس) عزمها إلغاء 20 ألف وظيفة لخفض التكاليف بينما سحبت جنرال موتورز توقعاتها للعام الجاري وأجلت مكالمة مع المستثمرين إلى يوم الخميس في انتظار تعديلات محتملة على السياسة التجارية.
وانضمت جنرال موتورز وكرافت هاينز وإلكترولوكس وشركات رائدة أخرى يوم الثلاثاء إلى قائمة تضم شركات من قطاعات متنوعة سحبت توقعاتها للعام الجاري أو خفضتها في تطورات تشير إلى أن السياسات التجارية الفوضوية تؤثر بشدة على الشركات وتصعب عملية التخطيط للمستقبل.
وأظهر تحليل أجرته رويترز أن نحو 40 شركة حول العالم سحبت أو خفضت توقعاتها المستقبلية خلال أول الأسبوعين من موسم نتائج أعمال الربع الأول.
وقال يانيك فيرلين، الرئيس التنفيذي لشركة إلكترولوكس، لرويترز "ثبت خطأ جميع التوقعات. سيدهشني من يدعي أن لديه رؤية واضحة لمسار الرسوم الجمركية".
وتسببت الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في أوائل أبريل نيسان في موجة بيع في الأسهم العالمية ودفعت المستثمرين إلى تقليل حيازاتهم من الدولار وسندات الخزانة، وهما من الملاذات الآمنة عادة. ودفع ذلك البيت الأبيض إلى التراجع عن بعض الرسوم أو تعليقها مؤقتا.
وقالت كارول تومي، الرئيسة التنفيذية لشركة (يو.بي.إس)، في مكالمة نتائج الأعمال "لم يواجه العالم مثل تلك التأثيرات المحتملة الهائلة على التجارة منذ أكثر من مئة عام".
وسحبت شركتا جنرال موتورز وفولفو توقعاتهما يوم الثلاثاء لتنضما إلى دلتا إيرلاينز الأمريكية ولوجيتك المصنعة لأجهزة الكمبيوتر ودياجيو العملاقة للمشروبات.
وأجلت جنرال موتورز مكالمة نتائج الأعمال التي كانت مقررة يوم الثلاثاء إلى الخميس بسبب التعديل المتوقع في السياسة التجارية.
وقال بول جاكوبسون، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في شركة جنرال موتورز، في اتصال صحفي بعد سحب شركة صناعة السيارات الأمريكية توقعاتها للعام الجاري "نرى أن التأثير المستقبلي للرسوم الجمركية قد يكون واسعا... ننصح بعدم الاعتماد على التقديرات السابقة، وسنحدثها عندما تتوفر لدينا المزيد من المعلومات حول الرسوم الجمركية".
وأعلنت شركة بورشه الألمانية لصناعة السيارات الرياضية أنها تكبدت خسائر 100 مليون يورو (114 مليون دولار) على الأقل خلال شهري أبريل نيسان ومايو أيار بسبب الرسوم الأمريكية.
وهوى سهم فولفو تسعة بالمئة بعد أن أعلنت الشركة أنها ستخفض نفقاتها بنحو 1.8 مليار دولار وستعيد هيكلة عملياتها في الولايات المتحدة عقب تراجع أرباح الربع الأول.
ومن المتوقع أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع أسعار السيارات في الولايات المتحدة مما سيقلل الطلب ويزيد الضغوط على القطاع الذي يعاني بالفعل من تباطؤ في التحول إلى المركبات الكهربائية.
وفي أوضح تحذير من بنك كبير عن كيفية تأثير السياسات الأمريكية على القطاع المصرفي، قال إتش.إس.بي.سي إن تداعيات الحرب التجارية العالمية قد تؤثر سلبا على الطلب على القروض وجودة الائتمان.
في إشارة إلى التوتر المحيط بالسياسة التجارية رد البيت الأبيض بغضب على تقرير صادر عن موقع بانشبول الإخباري ومقره واشنطن يفيد بأن أمازون ستذكر بالتفصيل التكاليف التي يتحملها المتسوقون بسبب الرسوم الجمركية.
ونفت شركة البيع بالتجزئة العملاقة ما ورد في التقرير لكنها قالت إن فريقها الذي يدير أمازون هول للسلع منخفضة التكلفة درس إدراج رسوم الاستيراد لبعض المنتجات.
وقال بيورن جولدن، الرئيس التنفيذي لأديداس، إن الشركة كان من الممكن أن ترفع توقعاتها لإيرادات وأرباح العام الجاري بعد نتائجها الفصلية القوية لولا الضبابية المرتبطة بالرسوم الجمركية.
وأضاف "نظرا للضبابية بشأن المفاوضات بين الولايات المتحدة والدول المصدرة، لا نعرف ما ستكون عليه الرسوم الجمركية في نهاية المطاف. لذلك لا يمكننا اتخاذ أي قرارات نهائية بشأن ما يتعين فعله".
وخفضت كرافت توقعاتها السنوية كما خفضت هيلتون توقعاتها لنمو الإيرادات العام الجاري وقلصت بورشه وإلكترولوكس توقعاتهما للعام بأكمله. وانضمت تلك الشركات إلى نستله ويونيليفر وتشيبوتلي، والتي عزت خفض التقديرات إلى ضعف ثقة المستهلكين.
الحرب التجارية قد تعصف بالوظائف
انخفضت فرص العمل في الولايات المتحدة بشدة في مارس آذار، لكن تراجع تسريح العمال يشير إلى أن سوق العمل لا تزال قوية على الرغم من سياسة الرسوم الجمركية المتغيرة باستمرار والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد.
أفاد مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل في تقريره "مسح فرص العمل ودوران العمالة" يوم الثلاثاء، بأن فرص العمل، وهي مقياس للطلب على العمالة، انخفضت 288 ألف وظيفة إلى 7.192 مليون بحلول اليوم الأخير من مارس آذار. وعدل المكتب بيانات فبراير شباط بالخفض إلى 7.480 مليون وظيفة شاغرة بدلا من 7.568 مليون المعلنة سابقا.
وتوقع اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم وجود 7.480 مليون وظيفة شاغرة. وارتفع معدل التوظيف 41 ألف وظيفة فقط إلى 5.411 مليون، مما يبرز إحجام الشركات عن زيادة أعداد موظفيها في ظل الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الواردات. وانخفضت حالات التسريح 222 ألف وظيفة إلى 1.558 مليون، مما يعزز سوق العمل.
يتوقع خبراء اقتصاد أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى ارتفاع الأسعار وتعطيل سلاسل التوريد، مع توقع تأثر سوق العمل في الأشهر المقبلة. كما يُتوقع أن يؤدي تجميد التوظيف والتسريح الجماعي للموظفين الاتحاديين في إطار حملة إدارة ترامب غير المسبوقة لتقليص حجم الحكومة بشدة إلى تقويض مرونة سوق العمل.
وأظهر استطلاع أجرته رويترز أن من المتوقع أن تعلن الحكومة يوم الجمعة أن الوظائف غير الزراعية زادت 130 ألفا في أبريل نيسان بعد أن ارتفعت 228 ألفا في مارس آذار. ومن المتوقع أن يظل معدل البطالة ثابتًا عند 4.2 بالمئة.
اضف تعليق