q

عندما يولد الطفل، يكون صفحة بيضاء كما يُقال، بإمكان الأب والأم أن يكتبا في هذه الصفحة ما يشاءان، ونوعية هذه الكتابة ومضامينها، وما تنطوي عليه من قيم معنوية فكرية، هي التي تجعل مه هذه الصفحة قوية مشعّة أو ضعيفة ومنطفئة، بمعنى أكثر دقة أن بناء شخصية الطفل يتعلق بالدرجة الاولى في المحيط العائلي الصغير الذي يولد فيه، فإذا استطاع هذا المحيط أن يزرع الثقة في نفس وعقل الطفل، تكون هذه هي الخطوة الاولى لصناعة انسان ناجح.

وغاية الأب والأم ينبغي أن تتركز على صناعة الطفل الناجح، حتى يكبر النجاح وينمو معه، وفي الواقع لا نأتي بجيدي عندما نقول أن الشرط الأول والمقوم الأساس لنجاح الطفل والانسان في جميع مراحل العمر، هي (الثقة بالنفس)، لكن هناك مشكلة لدى بعض الآباء وربما لدى الامهات، وهي محاولة فرض شخصية الاب على طفله، ومسخ شخصية الطفل الولد أو البنت، وهذه في الحقيقة خطوة خطيرة لتدمير شخصية الطفل وجعله تابعا للآخرين مدى الحياة.

أما كيف تزرع الثقة في نفس الطفل، فهناك أساليب كثيرة، يتقدمها التشجيع، حيث هناك دراسات كثيرة رافقتها التجارب العملية، أثبتت أن التشجيع من يضاعف قدرات الطفل ويسهم في اطلاق مواهبه، ويجعله مستعدا لمواكبة التطور السريع الذي يشهده عالم التكنولوجيا والعلوم الحديثة وسواها، وقد أكد علماء النفس والاجتماع، أن الردع غير المدروس والمبالغ به للطفل يعني تحجيما لقدراته، ومواهبه ومهاراته.

وهذا الأمر يعني ببساطة وضع حواجز امام نمو شخصية الطفل المستقلة، حيث تؤدي مثل هذه الاعمال المعيقة والمثبطة للعزيمة الى تراجع الابداع والاقدام لدى الاطفال، على العكس تماما من اسلوب التشجيع، حيث يكون المجتمع هو المستفيد الاول من هذا الاسلوب التربوي الذي يهدف الى دفع الطفل نحو إظهار مواهبه وطاقاته دونما تردد او خوف او خشية من الانتقاد، وهذه في الحقيقة مهمة الأب والأم بالدرجة الاولى.

فالعائلة التي تتكون من الأب والأم والأخ الأكبر أو الاخت الكبرى، تمثل الحاضنة الاولى للطفل وهي مسؤولة على نحو مباشر في تشكيل شخصيته، وجعلها منتجة متفاعلة او العكس، ونعني بها العائلة، اذ يتابع الطفل طريقة التعامل العائلي معه وهو يفهم المشاعر والحركات والكلمات التي يشعرها ويراها ويسمعها من الاب والام والآخرين، وعلى ضوء ذلك يمكن أن يكون مضطربا قلقا، او مطمئنا منسجما قادرا على التعامل مع محيطه بثقة عالية ومن دون أي تردد او تراجع أو شعور بالخجل السلبي وما شابه.

مرحلة الطفولة هي الأخطر

لكي نفهم مدى أهمية الطفولة في حياة الانسان، علينا أن نؤمن بأن هذه المرحلة تشبه الأسس التي تقوم عليها العمارات الشاهقة والقصور المنيفة والبيوت العملاقة، فإذا كان الأساس ضعيفا او غير سليم ومشوه، فإن ما يتبع ذلك من مراحل البناء حتى لو كان قمة في التصميم ومواد البناء، فهو معرّض للتهديم والسقوط في أية لحظة.

هكذا يرى العلماء المعنيون مرحلة الطفولة، فقد أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن مرحلة الطفولة المبكرة فى حياة الطفل تشكل الملامح الأساسية لشخصيته وترسم الخطوط العريضة لما سيكون عليه مستقبله، حيث يحاول الطفل فى هذه المرحلة أن يكتشف كل ما حوله ويتعرف على البيئة المحيطة به ويفحص كل شيء تقع عليه عيناه عن طريق قاموس مدركاته، علما أن الاضطرابات النفسية التى يتعرض لها الأطفال غالبا ما يكون مصدرها الأساسي الظروف والبيئة المحيطة به والتي لا تعبأ بميوله واستقلالية شخصيته وطبيعة آرائه الخاصة وأفكاره.

ولا يصح أن يشعر الطفل بالحرمان، أو النقص، أو عدم القدرة على إبداء الرأي المستقل، إن الأب يمكن أن يجني على ولده اذا جعله تابعا له في كل شيء، نعم ينبغي على الاب ان يربي ابنه ويراقب افعاله واقواله وسلوكه، ولكن ينبغي أن يتم ذلك بحذر، ومن دون أن يعرف الطفل بهذه الأمور، إنها مراقبة ايجابية غايتها حماية الابن من الوقوع في الزلل، وليس جعله تابعا لا شخصية له ولا رأي فيما يدور حوله من أمور.

فكما يؤكد العلماء وأصحاب الشأن والتخصص، أن الطفل الذى لا يجد البيئة التى تشبع له احتياجاته ويشعر بأنه غير مرغوب فيه، يصبح سيئ التوافق مضطربا نفسياً، أما الطفل الذى يجد الحب والحنان من والديه فيشعر بالسعادة والطمأنينة والرضا، لأن الطفل بطبيعته يستطيع أن يلمس هذا الحب فى بسمة سعيدة أو فى نظرة حب تشعره بدفء الحياة وجمالها، فضلا عن نوع التعامل وطبيعة مفردات الكلام، كل هذا يمكن أن يصنع طفلا مستقلا أو تابعا لغيره.

ومن الأساليب التربوية المهمة للأطفال، بالاضافة الى مساعدتهم على بناء الشخصية المستقلة، والثقة بالنفس، هناك قضية القدرة على التفكير والابداع من خلال رعاية الاطفال وتشجيعهم وعدم كبح تطلعاتهم واحلامهم، سوف تساعد على بناء شخصية متوازنة، وهي تشكل رصدا مهما للبناء المجتمعي السليم، لهذا مطلوب من المحيط العائلي اولا أن يوفر الامان والشعور بالسعادة والاستقرار للطفل، ثم مساعدته على إطلاق قدراته الكامنة والظاهرة معا وتنمية مهاراته، وتطوير مواهبه، على أن يكتشف الآباء والامهات هذه القدرات لدى اولادهم وبناتهم.

لا لأسلوب الكبح والتثبيط

من أسوأ ما يمكن أن يقوم به الأب، أو الأم، عندما يردعان طفلهما ويزجرانه، وبعضهم يضربانه بشدة لأسباب تافهة، وهذه الأمور تفعل فعلها المؤثر في تدمير شخصية الطفل، لذا ينبغي على العائلة والمحيط المدرسي ومحيط العمل، أن يتجنبوا اسلوب الكبح والردع، لانه يسهم بخلق شخصية منكفئة مستسلمة مقيّدة، لا يمكنها إطلاق قدراتها ولا مواهبها ولا إمكانياتها التي غالبا ما تبقى حبيسة في اعماق الطفل حتى مراحل متقدمة من عمره.

لذا غلينا أن نشجع اطفالنا، ذكورا وإناثا، ونبث روح الأمل والثقة فيهم لأن الطفل اذا لم يلق التشجيع ولا الاطراء ولا الامل من العائلة او المدرسة او محيط العمل، سوف تتشكل شخصيته في ضوء ثقافة الكبح، وهي ثقافة يمكن ملاحظتها في مجتمعنا العراقي، حيث يتم ردع الطفل باسلوب عفوي ولكنه يعيق الطفل عن إظهار مواهبه وقدراته، ويستمر هذا النمط من السلوك حتى مراحل متقدمة من عمر الانسان بسبب افتقاده لمشاعر الحب والتشجيع والاطمئنان في العائلة أو سواها، وكل هذه الامور عوامل حاسمة في بناء شخصية الطفل سلبا أو العكس من ذلك.

من هنا تكون المسؤولية كبيرة على الأب وعلى الأم ايضا، بخصوص بناء شخصية الطفل بطريقة سليمة، وزرع الاستقلالية فيه، وتطوير وتثبيت ثقته بنفسه، وبهذا سوف نحتاج دائما، كمجتمع يتطلع الى حياة افضل، أن تشجيع أطفالنا وشبابنا، ورعايتهم، وأن يكون التشجيع جزاءً من سلوكنا اليومي مع الآخرين، أما اذا احتاج الامر الى التصحيح، فيجب أن يتم ذلك بألفاظ هادئة ومتوازنة لا تحجّم من مواهب الطفل، ولا تجعله يتجنب الافصاح عن قدراته ومواهبه، فالشخصية الواثقة هي الشخصية المستقلة والمنضبطة في الوقت نفسه، ومثل هذه الشخصيات، يمكن بناءها وتطويرها عبر اسلوب الاهتمام والرعاية ومنح الثقة التامة لأولادنا بمواهبهم وقدراتهم.

اضف تعليق