تثير الأيام المتميزة لشهر رمضان شهية الكثير من الناس، بمن فيهم البعيد عن الثقافة والقراءة والتثقيف، فمثل هؤلاء الضائعين في زحمة الحياة وانشغالاتها، يجدون في هذا الشهر محطة للراحة الفكرية، فيعيشون نوعا من الهدوء وسلامة الروح، لذا تبرز لديهم الحاجة إلى دعم الجانب الآخر في وجودهم وكينونتهم ونقصد به الشقّ المعنوي...

تثير الأيام المتميزة لشهر رمضان شهية الكثير من الناس، بمن فيهم البعيد عن الثقافة والقراءة والتثقيف، فمثل هؤلاء الضائعين في زحمة الحياة وانشغالاتها، يجدون في هذا الشهر محطة للراحة الفكرية، فيعيشون نوعا من الهدوء وسلامة الروح، لذا تبرز لديهم الحاجة إلى دعم الجانب الآخر في وجودهم وكينونتهم ونقصد به الشقّ المعنوي.

هؤلاء الغارقون في ملاهي الدنيا، واللهاث وراء الأموال، والإصابة بالعمى الدائم تجاه تصحيح الأخطاء، هؤلاء المنشغلون دائما بمصالحهم التي لا تنتهي ولا تتوقف عند حدّ معين، فجأة يجدون في شهر رمضان محطة للاستراحة والتأمل والتفكير، والتركيز على الجوانب الأخرى غير المادية، بل الجوانب والمجالات ذات الطابع الروحي المعنوي.

في شهر رمضان هناك منظمات واتحادات ومؤسسات وبيوتات ثقافية تقدم برامج ثقافية فكرية وأدبية ممتازة، حيث يشهد على سبيل المثال اتحاد الأدباء والكتاب في العراق/ المقر العام، نشاطا أدبيا وثقافيا ملحوظا، في شهر رمضان، من هذه الأنشطة الجيدة، إقامة المهرجانات الشعرية التي تجمع العديد من الأصوات الواعدة ومنها شخصيات وتجارب شعرية متميزة، فيجتمع الجديد بالتجارب الراسخة وتتم الفائدة من خلال هذا التلاقي المهم.

استنساخ الفعاليات الثقافية

هذه التجارب تكون مفيدة جدا، بسبب النتائج الجيدة التي تحققها، وأهمها ما يحصل عليه الشعراء الشباب الجدد من دعم معنوي ونفسي وأدبي أيضا على طريق تطوير تجاربهم وتنوعيها وترسيخها، حيث يختلط الشاعر الشاب بشاعر مخضرم أو راسخ ويتشارك الشاعران وهما من جيلين وعمرين مختلفين في نقاشات مهمة وتبادل آراء مختلفة وتفاعل يطوّر رؤية الشباب على أيدي الكبار وتجاربهم التي استغرقت عقودا طويلة.

لهذا نرى مثل هذا النشاط الأدبي الثقافي الفكري يتضاعف في شهر رمضان وأماسيه، ويتم استنساخ هذه الفعاليات في اتحادات المحافظات أيضا حيث تُقام المهرجانات الشعرية كما فعل على سبيل المثال اتحاد الأدباء والكتاب في مدينة كربلاء، حيث أقام مهرجانيا شعريا متميزا في مناسبة استشهاد الإمام علي عليه السلام، وشارك فيه نخبة من الشعراء المتميزين.

ومن الجدير بالذكر فسح المجال للتجارب الشعرية الشابة أن تجرّب حضورها في مثل هذه المهرجانات والفعاليات التي تؤكد عمق الارتباط الأدبي بالمناسبات المهمة، وقد لاحظنا أيضا تفاعلا شبابيا كبيرا مع مثل هذه التجارب التي ينبغي تشجيعها ودعمها وتعميمها بحيث تكون متاحة لجميع الشباب وعموم الشعراء كي يؤكدوا حضورهم الأدبي الثقافي المتميز.

هناك ملاحظة في غاية الأهمية لابد من التنبّه لها من قبل المعنيين والفاعلين الإداريين للأنشطة الثقافية، تتعلق بأهمية الاستمرار في مثل هذه النشاطات والتجارب حتى بعد شهر رمضان، ونعني بذلك بالضبط التركيز على الحضور الشبابي لمثل هذه الفعاليات، والزج بهم في عمق هذه الأنشطة، وتعليمهم على أهمية المشاركة الإبداعية والتفاعل وإثبات الذات، والسعي الدؤوب لبناء الشخصية والتجربة الأدبية الفاعلة.

هناك من يتردد في خوض مثل هذه التجارب، ويحصرها بشهر رمضان فقط، بمعني يوجد عدد كبير من الشباب ينخرط في الأنشطة الثقافية ويحضر المهرجانات والندوات والحلقات النقاشية ويشارك فيها، لكنه يغيب وينقطع عنها بمجرد ان ينتهي شهر رمضان، وهذا يظهر بشكل واضح للعيان، حيث تقل كثيرا هذه الفعاليات الثقافية، ولم يعد هناك مجلسا ثقافيا في البيوت الثقافية التي قدمت سلسلة من النشاطات الجيدة خلال الأمسيات الرمضانية.

خطوات الاستثمار الثقافي 

لماذا تتوقف هذه التجارب الغنية بحضورها ونتائجها بمجرد انتهاء شهر رمضان؟، من المهم جدا أن تتطور هذه التجارب، وأن تتحقق لها الإدامة والتواصل والتفعيل، حتى لو غابت الأجواء الرمضانية عنها، لا نريد أن نخوض بالأسباب التي تجعل الشباب يبتعدون عن الثقافة والتعليم لأنهم في الحقيقة ينشغلون بأمور أخرى تأخذ ساعات طويلة منهم، فلا يجدون الوقت اللازم لتحصيل الثقافة وتطوير التجارب الفعالة للأدب والفكر والإبداع.

من هنا فنحن نذكّر ونتمنى أن يتم وضع المحفزات الصحيحة التي تديم هذه التجارب الثقافية الرمضانية، ومن المهم أن تقوم الجهات المعنية سواء كانت رسمية أو مدنية بالبحث الصحيح عن أسباب القطيعة بعد انتهاء شهر رمضان بين الشباب وبين حضور الفعاليات والندوات التي تصب في صالح تطوير الفكر والثقافة والأدب للشباب ولغيرهم.

خطوات للاستثمار الثقافي 

لذا فإن الاستثمار الثقافي لشهر رمضان يمكن أن يستمر، وأن يدوم ويمتد إلى الشهور الأخرى من العام، ولا يتوقف بمجرد انتهاء شهر رمضان، فالأشهر الأخرى لا تختلف كثيرا، ولكن هناك خطوات يجب أن يتم اتخاذها بشكل فعلي قوي ومنها:

- مواصلة الاتحادات والمنظمات الثقافية وضع الخطط والجداول للأنشطة الثقافية بطريقة ليست تقليدية كما يحدث في شهر رمضان.

- الابتكار في عمليات التشجيع على الحضور والتفاعل والمشاركة الجادة خصوصا للشباب.

- تقديم التحفيزات للشباب، ودفعهم بالطرق الطوعية لاثبات حضورهم وتفاعلهم مع مثل هذه المنظمات والفعاليات.

- تقليد بعض الأجواء الرمضانية كإقامة وجبات طعام، أو سواها اثناء هذه الفعاليات ليس من أجل تناول الطعام نفسه، وإنما لخلق أجواء لطيفة وعلاقات تعارف بين الجدد والقدماء إبداعا وتجاربا وسيرة ذاتية.

بهذه الطريقة يمكن تحقيق نسبة معينة من هذا الهدف المهم ونعني به الاستثمار الثقافي لتجارب الثقافة والفكر في شهر رمضان، فالناس وصغار السن منهم وربما في مقدمتهم، يندفعون بقوة وحماس للتفاعل والمشاركة والحضور، ومن ثم الحصول على النتائج الجيدة والمتميزة.  

اضف تعليق