واحدة من المشاكل الواضحة في هذه التجربة الديمقراطية هي الدعاية الانتخابية في الدورات السابقة وفي الدورة البرلمانية الحالية، حيث يشوب هذه الخطوة كثير من التفرقة والتمييز وهدر الأموال بلا داعٍ، ومع ذلك جميع الأنظمة والتجارب الديمقراطية في العالم لم تكن مكتملة في لحظة تأسيسها أو في بداياتها، وقد أخبرَنا التاريخ السياسي..
لا تزال تجربة الحكم في العراق تحبو وهي تسعى لإنضاج الديمقراطية كنظام سياسي يقود العراق بعد عقود عجاف من أنظمة الحكم الفردية، ولا يزال العراقيون يتحلون بالصبر من أجل عدم فقدان هذه الفرصة التي انتقلت بهم من أنظمة جائرة فردية إلى نظام سياسي عنوانه الديمقراطية لكن سلوكياته وطبيعة إدارته توشحت بالفساد والنواقص الإدارية وهدر الأموال وإيلاء المصلحة الشخصية اهتماما أكبر وأكثر من المصلحة العامة لعموم العراقيين ومع ذلك لا يزال الناس يأملون أن تتحسن فرصتهم هذه.
واحدة من المشاكل الواضحة في هذه التجربة الديمقراطية هي الدعاية الانتخابية في الدورات السابقة وفي الدورة البرلمانية الحالية، حيث يشوب هذه الخطوة كثير من التفرقة والتمييز وهدر الأموال بلا داعٍ، ومع ذلك جميع الأنظمة والتجارب الديمقراطية في العالم لم تكن مكتملة في لحظة تأسيسها أو في بداياتها، وقد أخبرَنا التاريخ السياسي، أن الأنظمة السياسية لم تكن نموذجية منذ اليوم الأول لوجودها، ولممارستها للسلطة التنفيذية أو التشريعية وحتى القضائية، بل جميع التجارب حتى العالمية منها وعلى مر التاريخ مرّت بمستويات رديئة، ورافقتها أخطاء جسيمة.
لهذا نرى العراقيين يصبرون على هذه الأخطاء أملا في تصحيحها والتخلص من حالات التزوير والتشويه والتلاعب التي رافقتها، بالإضافة إلى العيوب الكثيرة التي اقترنت بها أملا في القضاء على هذه الأمور السيئة مع مرور السنوات.
تحييد القبضة الحديدية
وهذا يدل على أي محاولة نحو الديمقراطية لا تولد مكتملة، بل من المحال أن تولد أية تجربة في العالم وهي على درجة عالية وتامة من الجودة، لأن سمة الاكتمال لا تتحقق إلا بعد خوض التجربة لزمن غير قصير، لكن لكل تجربة عمرها ومراحل نموها، حيث الولادة والنمو في مراحل متعاقبة، يرافقها النمو البطيء وتظهر عليها علامات النضوج شيئا فشيئا وصولا إلى درجة الاكتمال.
وبخصوص ما جرى في العراق من انتقال سياسي سريع وقوي، حيث إزاحة الدكتاتورية بالقوة، أدى ذلك إلى نوع مما يسمى بصدمة التغيير المفاجئ والانتقال من سياسة القبضة الحديدية إلى الحكم التعددي المنفتح على الآراء المختلفة، مما رافق ذلك عيوب كثيرة منها عيوب المرشحين ودعايتهم الانتخابية، فمن عيوب هذه الدعاية كما لاحظنا ذلك بالتجربة العراقية، حالات الإسراف الواضح وصرف مبالغ كبيرة قد لا تعود بالنفع على من يرشح لخوض الانتخابات البرلمانية، فمثلا القيام بعمل صور للمرشَّح كبيرة أو متوسطة أو حتى صغيرة، بأعداد كبيرة، وبأثمان عالية أيضا، حيث يعتقد المرشحون لخوض الانتخابات أن قضية الفوز تتعلق بكثرة الصور وكبر حجمها لكن الفوز يعتمد بطبيعة الحال على البرنامج الانتخابي الذي يصب في صالح الناس، ومدى ثقة الناخبين بشخصية المرشح نفسه ومعرفتهم لمسيرته وسمعته وأخلاقه والتزاماته.
إن المرشحين اليوم صنعوا خريطة بصرية مشوهة في مدن العراق، من خلال وضع صورهم في أماكن يراها الناس بشكل يومي، مما أثار لديهم حالة من الضجر والازعاج، لاسيما أن أداء البرلمانيين لم يكن بالمستوى المطلوب، ولم يلمس الناس أية فوائد حقيقية تصب بصالحهم في مجال التشريع، مع انشغال النواب بمصالحهم وعوائلهم أكثر بكثير من انشغالهم بما يحتاجه الناخب العراقي كي يعيش حياة حرة وكريمة
وهناك عيوب أخرى يمكن الإشارة إليها ومنها على سبيل المثال، غلق مدى الرؤية أمام سائقي السيارات، عندما يضع المرشحون صورا كبيرة جدا تغلق مدى الرؤية المطلوب للسياقة الآمنة، وهذا يتطلب التزام المرشح بالتعليمات التي وضعتها مفوضية الانتخابات، والجهات المعنية الأخرى، حيث يطمح العراقيون إلى الفوز المستحق للمرشح وليس عبر السلوكيات التي تشوّه واقعهم وتلحق بهم الضرر النفسي والمادي.
أهمية تصحيح الأخطاء السابقة
بالطبع لسنا كمواطنين عراقيين رافضين وإنما نحن مؤيدون للعملية الانتخابية، لكن بشرط أن يفوز المرشح بمقعد في البرلمان بطريقة مشروعة، وفي نفس الوقت يجب أن لا يتحقق هذا الفوز بالأساليب غير الصحيحة، وكان يجب على من يرشح للبرلمان بدل من أن يضع صورا كبيرة له، كان عليه أن يتقدم للناخبين ببرنامج عمل نيابي جيد خلال السنوات الأربع القادمة، كذلك مطلوب من جميع المرشحين أن يفهموا بأن العمل التشريعي الناجح والمفيد للناس هو الذي يضمن حاضر ومستقبل سياسي أفضل لكل شخص يريد أن يخوض في الميدان السياسي ويجعل من السياسة مهنة له.
من هنا يعتقد العراقيون بل يؤمنوا بأنهم يستحقون حياة أفضل، وأن الأخطاء التي تشوب تجربتهم الديمقراطية لابد أن يتم تصحيحها، وهذا في رأي الناس يحتاج إلى وقت، ولكن لا يصح أن يعلق البرلمانيون والسياسيون العراقيون أخطاءهم على شماعة الحاجة إلى الوقت لكي تنضج التجربة، فالتصحيح يجب أن يكون حقيقي ولا يستغرق وقتا طويلا، ويجب أن يفهم السياسيون بأن التسويف وأساليب المراوغة لا تنفعهم ولا تنفع العراقيين أيضا.
لذا يجب الانتباه إلى هذه النقطة، وعدم السماح بتكرار الأخطاء التي يتم ارتكابها مع كل دورة انتخابية جديدة، حيث لا يصح بل لا يجوز تكرار تلك الأخطاء، ولابد أن يلمس العراقيون في هذا الدور الانتخابية نظام حكم بشكل آخر وبأداء مختلف وجديد يجعل كل أهدافه وسياساته وقراراته تصب في صالح العراقيين وفي صالح العراق كدولة يجب أن تكون قوية وغنية فعلا بثرواتها الكبيرة والكثيرة.



اضف تعليق