كيف يمكن لشاب أن يتخلص من آفة التردد وهو يرى بعينه ما يقوم به كبار المسؤولين من تمييز بين الشباب، وتحايلهم على القوانين، وتفضيلهم للأبناء والأقارب، وتدميرهم لقيم العدالة التي من المفترض أن تكون هي المعيار والمكيال الوحيد لتوزيع الفرص بالتساوي على الشباب...

التردد حالة نفسية تربوية ترافق الإنسان الذي يتلقى تربية خاطئة بسبب العيش في بيئة اجتماعية متوترة، ولو أننا أجرينا مسحا ميدانيا علميا لمعرفة طبيعة البيئات الاجتماعية التي يعيش فيها شبابنا، لوجدنا أن نسبة التوتر الذي يهيمن على هذه البيئات كبيرة جدا، ولا نخطئ لو عزونا ظاهرة التردد التي يعيشها أبناؤنا إلى تراجع البيئة وضمورها وخلوّها من مستلزمات التربية الحصينة، وابتعادها عن المناهج التربوية المعاصرة.

لابد أنك لاحظت كيف يتصرف الشاب إذا ما تعرض لموقف يحتاج إلى نوع من الإقدام والمبادرة السريعة في اتخاذ قرار حاسم لمعالجة مشكلة أو موقف معين، فغالبا ما يبقى الشاب في حالة من التردد، ويعب عليه اتخاذ قرار المعالجة، ولهذا يفقد فرصة القيام بدوره كما يجب، فهو لا يبادر، ولا يتخذ القرار المناسب، لأن التربية التي تلقّاها جاءت من أسرة هي نفسها تقع تحت وطأة التردد والخوف والضعف الذي غالبا ما يكون بلا سبب حقيقي.

وحتى لو كانت هناك أسباب حقيقية تدعو الشاب إلى التردد، فإن الإنسان في هذا العمر (الحماسي)، ونقصد سنّ الشباب، عليه أن يتميز بالاندفاع الذي يصل أحيانا إلى حد التهور، ولكن نجد شبابنا يترددون أما أبسط المواقف، كأنهم خائفون من شيء مجهول، وهذا شيء تم تأشيره نفسيا، فالتردد والخوف غير المبرَّر غالبا م يكون منشأه تربية قاصرة تزرع في قلبه وشخصيته التردد بحيث لا يمكن تخليصه منها.

ونتيجة لوجود هذه المشكلة، فإن المجتمع سوف يعاني من شريحة شبابية مترددة، خائفة، ضعيفة لا يمكنها اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ففي بعض الأحيان يحتاج الإنسان إلى أن يجازف، أو يغامر، حتى يصل إلى النتائج التي تليق بكونه شابا، ونحن نعرف بأن اتساع شريحة الشباب يمثل ميزة للمجتمعات، وقلة الشباب في مجتمع أو دولة معينة يشكل عبئا عليها، لهذا فتحت العديد من الدول الأوربية أبواب حدودها للشباب لأنها تحتاجهم.

العراق بلد زاخر بمقومات المعاصَرة

أما في العراق فإن نسبة شريحة الشباب تكاد تمثل 60% من المجتمع ككل، وهي نسبة عالية جدا قياسا لما تعاني منه الدول الأخرى، ولكن هل استثمر العراق هذه الميزة الكبيرة، وهي ارتفاع نسبة شريحة الشباب قياسا إلى الفئات أو الشرائح الأخرى، أو قياسا لشرائح الشباب في الدول الأخرة المجاورة أو المماثلة للعراق؟ 

بالطبع يمكن أن نجيب بالنفي استنادا إلى الأدلة التي يفرزها لنا الواقع العراقي، فهذا البلد الزاخر بمقومات المعاصرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تجده يعيش التراجع في هذه المجالات، وبدلا من أن يستثمر شبابه على النحو الذي يجعل منه مجتمعا وبلدا متطورا، نجد أن الشباب فيه يتذمرون من غياب فرص العمل، ويشكون من انتشار عدم تكافؤ الفرص، ويتألمون من تعدد المكاييل وانتشار الواسطة والمحسوبية والحزبية المصلحية.

كيف يمكن لشاب أن يتخلص من آفة التردد وهو يرى بعينه ما يقوم به كبار المسؤولين من تمييز بين الشباب، وتحايلهم على القوانين، وتفضيلهم للأبناء والأقارب، وتدميرهم لقيم العدالة التي من المفترض أن تكون هي المعيار والمكيال الوحيد لتوزيع الفرص بالتساوي على الشباب، وهكذا سنعثر على المزيد من الأسباب التي جعلت من شبابنا مترددين.

ولكن كما يبدو هنالك سببان رئيسان يتصدران السباب الأخرى في زرع التردد بالطبقة الشبابية وهذا السببان هما:

أولا: التربية الخاطئة

حيث يعيش الشاب في عائلة غير متعلمة، وعاجزة عن تغذية الأطفال بالتربية النفسية والأخلاقية المعاصرة، فغالبا ما نجد هذه الأسر الضعيفة ثقافيا وتربويا، غير قادرة على تحقيق سقف التربية الناجحة، ولنها أسرة خاضعة للتردد، وللحسابات التي تقع تحت وطأة الأوهام، فإن هذه الأسرة من المحال عليها أن تربي الأطفال تربية الإنسان الواثق من نفسه.

ثانيا: التمييز الرسمي القاصر

فهناك خطوات وإجراءات حكومية تحرم الشباب من الفرص التي يستحقونها، فترتفع بمن هو قاصر، وتحطم من هو مؤهل، في هذه الحالة يُصاب الشباب بآفة التردد، ويعانون من حالة تشبه الشلل، والعجز، وعدم الإقدام حتى نحو القضايا السهلة، ولأن الشاب مصاب بالتردد، فإنه سوى ينظر إلى المواقف بعين تضخّم العواقب وتزيد المخاوف، ما ينعكس على حالة التردد التي تشل إرادة الشباب.

هل يمكن معالجة هذه الآفة التي تفتك بشبابنا اليوم؟

نعم هناك سبل ومعالجات كثيرة يمكنها أن تستل التردد من نفوس وقلوب وعقول الشباب، وتجعلهم أكثر ثقة بأنفسهم، في المقدمة منها ما يلي:

- صناعة العائلة المثقفة الواعية، القادرة على تربية أبنائها بشكل متوازن يعمّق فيهم الثقة بأنفسهم، وهكذا نحصل على شاب يتمتع بالجرأة العالية.

- وضع معايير ومكاييل المفاضلة بين الشباب بخصوص توزيع الفرص بشكل عادل، ولا يجوز عبور هذه المعايير أو تحجيمها.

- القيام بدورات تربوية في الجامعات والمدارس للمراحل الأخرى، تطور ثقة الشاب بنفسه، وتمنحه القدرة على وضع التردد خلف ظهره والتحلي بالإقدام والمجازفة المحسوبة.

- صناعة الشاب المثقف الواعي، فالثقافة والوعي يصنعان شابا ذا قدرة على مواجهة المصاعب، والتعامل الصحي مع حالة التردد.

- البند السابق يقع تحت مسؤولية التعليم أولا، والأسرة، والنخب الثقافية، وهناك دور مهم يقع على الشاب نفسه.

- في هذه الحالة نكون أمام قوة أخلاقية فكرية سلوكية ضاربة تحاصر التردد وتضرب هذه الآفة بقوة وتحد من مخاطرها بعد القضاء عليها أو التقليل منها.

بالنهاية، لابد من وضع هذه المشكلة تحت مجهر المعالجة الفورية، فلا يصح أبدا ترك الشباب يواجهون مشكلات نفسية معقدة من دون أن تُمَد لهم يد العون من الجهات والمنظمات ذات العلاقة، ولابد أن تتنبه النخب الثقافية والتمريضية لهذه الافة التي تتعلق بتضخّم التردد بين الأجيال الشبابية المعاصرة، وأن يتم وضع الحلول الناجعة حتى يمكن استثمار هذه الشريحة بما يدعم المجتمع العراقي والدولة العراقية.

اضف تعليق