متى يمكن أن يستفيق الساسة العراقيون من حالة إدمان الفرص وفقدانها؟، ومتى تحدث استفاقة وصحوة حقيقية تلغي معادلة (الفرص التي يقابلها الفقدان أو التضييع)، ثم لماذا لا يتوقع السياسي العراقي عدم تكرار الفرص حتى لو أدمنها؟ هذا يعني أن العراق كله (شعبا وأرضا وأحزابا وقادة سياسيين)، يقفون أمام خطر داهم لمجيء الفرص المتكرر...
الفرصة تقدِّم للإنسان ميزة معينة على أقرانه، بمعنى قد لا يحصل آخرون على مثل هذه الفرصة، لهذا تُسمى فرصة، وعليه أن يغتمها بشكل صحيح حتى يقطف ثمارها الإيجابية، هذا يعني أن من يحصل على فرصة لا تسنح للآخرين سوف يكون محظوظا، لأنه حصل على ما لا يحصل عليه الآخرون، ولكن هناك سؤال يفرض نفسه مفاده: متى تفقد الفرصة قيمتها؟
بالطبع هناك من لا يستثمر الفرصة التي سنحت له بطريقة فورية وجيدة، وفي هذه الحالة تفقد الفرصة بل الفرص كلها قيمتها، ولا تفيد الإنسان وإنما تتحول إلى حالة مضادة تضرّ بالإنسان الذي لم يستثمرها كما يجب، وبدلا من أن تكون الفرصة مفيدة وخادمة للشخص أو الجهة التي سنحت لها، تتحول إلى أداة تضرّ وتُضعف هذه الجهة أو ذلك الشخص الذي لم يغتنمها بالشكل الصحيح.
وقد يبقى الإنسان بانتظار الفرصة نفسها، أي أنه يصبّر ويعلّل نفسه بعد فقدانه للفرصة بأنها سوف تعود له مرة ثانية، وإذا جاءت له مرة أخرى فإنه سوف يفقدها أيضا لأنها تكررت، وفي هذه الحالة لم يفقد الأمل في عودة الفرصة مرة ثالثة له، ويفقدها أيضا بانتظار مجيء الفرصة الرابعة، هنا تتحول الفرص إلى حالة إدمان عند الشخص أو الجهة التي ربما تكون سياسية أو سلطوية أو اقتصادية أو سواها، وهكذا سوف يدمن الإنسان أو الجهة عودة الفرص.
تكرار الفرص في المشهد السياسي
في المشهد السياسي العراقي يمكن أن نعثر على شيء مقارب لما جاء في المقدمة أعلاه، فمنذ أكثر من عقدين على مجيء النظام السياسي البديل للدكتاتورية، والفرص تتوالى وتعود باستمرار، وفي نفس الوقت يكون فقدان هذه الفرص متواليا أيضا، وطالما تتكرر هذه الفرص التي تأتي للساسة في العراق، ويتم فقدانها باستمرار أيضا، فإن حالة إدمان الفرص حدثت بالفعل ولا زالت تحدث حتى الآن.
كذلك حالة هدر الفرص وتضييعها حاصلة بشكل مستمر أيضا، أي بمعنى حدثت حالة إدمان مزدوج، ويمكن أن نسميها معالة الإدمان والفقدان، طرفا هذه المعادلة هما (الفرص في مقابل الفقدان، فحدث الإدمان المزدوج لمجيء الفرص وفقدانها أيضا.
منذ أن تشكلت أول حكومة عراقية في العهد الديمقراطي، حدث أخطاء كبيرة، لأن التأسيس كان واضحا، فحدثت حالات الاختلال في الاقتصاد والإدارة والسياسة وفي معظم المجالات التي تعود إدارتها للحكومات المتعاقبة، وكان من المفترض أن يتعلم السياسيون العراقيون الإدارة الصحيحة للدولة منذ الدرس الأول الذي تمثَّل بـ (نظام الحكم الأول بعد التغيير).
ولكن الفرصة الأولى ضاعت كما هو معروف ومثبت في التاريخ القريب، وعندما سنحت الفرصة الثانية (الدورة الانتخابية البرلمانية الثانية ونظام الحكم الثاني في العراق) تكررت الفرصة للساسة العراقيين وكان عليهم اغتنامها بالشكل الصحيح ومعالجة أخطاء الفرصة الأولى التي أهدروها، لكنهم ضيَّعوا تلك الفرصة الثانية أيضا مثل سابقتها، وأخذت الأخطاء تنمو وتتغوَّل (انتشار ظاهر الفساد المالي والإداري، التخبّط الاقتصادي، الشحن الطائفي.... الخ)، وكان الأمل يحدوهم بالحصول على فرصة ثالثة لكي يتم تصحيح الانحراف السياسي والاقتصادي.
العراقيون يمقتون الانقلابات العسكرية
ومن حسن الحظ وبسبب تشبّث العراقيين بالتجربة السياسية التي أبعدت عنهم الانقلابات العسكرية جاءت الفرصة الرابعة، وكان لابد أن يستثمر السياسيون هذه الفرصة المتكررة بشكل مختلف، لأن الفرص لا تتكرر دائما، لكنهم وكما هو معروف أهدروا الفرصة الرابعة أيضا، وانشغلوا بمنافعهم الفردية والفئوية والحزبية وأضاعوا الفرصة الرابعة للتصحيح، حتى تحولت الفرص المتكررة إلى إدمان ليس على عودة الفرص فقط، وإنما حدث إدمان لارتكاب الأخطاء أيضا، فمن جهة راحوا يهدرون الفرص بشكل غريب، ومن جهة أخرى أدمنوا الأخطاء السياسية والاقتصادية التي اعتادوا عليها.
والآن نتساءل متى يمكن أن يستفيق الساسة العراقيون من حالة إدمان الفرص وفقدانها؟، ومتى تحدث استفاقة وصحوة حقيقية تلغي معادلة (الفرص التي يقابلها الفقدان أو التضييع)، ثم لماذا لا يتوقع السياسي العراقي عدم تكرار الفرص حتى لو أدمنها؟
هذا يعني أن العراق كله (شعبا وأرضا وأحزابا وقادة سياسيين)، يقفون أمام خطر داهم لمجيء الفرص المتكرر، وفقدانها بشكل متكرر أيضا، هذه المعادلة يجب أن يتم كسرها والتغلب عليها وإلغائها بشكل تام، لأنها تشكل خطرا كبيرا وحقيقيا على العراق كله وليس على المنظومة السياسية وحدها، أما كيف يمكن كسر هذه المعادلة، فهذا يتم من خلال اتخاذ قرار سياسي جمعي (جميع القوى السياسية في العراق)، على استثمار الفرص السانحة بشكل حقيقي، ومحاصرة أخطاءهم والقضاء عليها بقرارات قوية حاسمة تصدر منهم حصرا.



اضف تعليق