يسعى الجميع أن يكونوا من أهل الشأن الكبير، هذه طبيعة خُلقَت مع الإنسان، ولا يمكنه التخلص منها، وبقدر ما هي مهمة ومطلوبة، كونها تشكل حافزا للتفوق والتميز، إلا أنها من الممكن أن تكون سببا في تدمير الشخصية، لاسيما (الشخصية الصحفية) لكل من يحلم أو يخطط بأن يكون ذا قلم حصيف ومترع بالدقة والإبهار...

يسعى الجميع أن يكونوا من أهل الشأن الكبير، هذه طبيعة خُلقَت مع الإنسان، ولا يمكنه التخلص منها، وبقدر ما هي مهمة ومطلوبة، كونها تشكل حافزا للتفوق والتميز، إلا أنها من الممكن أن تكون سببا في تدمير الشخصية، لاسيما (الشخصية الصحفية) لكل من يحلم أو يخطط بأن يكون ذا قلم حصيف ومترع بالدقة والإبهار، فهل المطلوب من الصحفي أن لا يفكر بالصدارة، كي لا يقع في فخ الأنا؟

كلا بالطبع، بل عليه أن يسعى بشكل جاد وحقيقي نحو الصدارة، إلا أنه يجب أن يحترس من التحليق في عالم الحلم والوهم الذي يطير به عاليا، لكنه لا يصل به إلى ما يريد وما يخطط له، لذا فإن أول نقطة أو أول الشروط هو يجب أن يكون الصحفي واقعيا، ويترك عالم الحلم والوهم، ويستقصي الواقع كما هو بكل علاماته المنظورة ويبتعد عن كل ما هو غير واقعي.

سر التميز الصحفي

هذا يعني أن أول العثرات والعوائق التي تعيق الصحفي، هي حتمية تعامله مع الواقع من دون مجمّلات ولا مكمّلات، وأن يبحث عن سر التميز في قلب العمل الواقعي الفعلي، وأن يبحث بجدية عميقة عن التجارب المتفردة في الميدان الصحفي وتاريخه، ثم عليه أن يعرف كيف ولماذا تفرَّدت تلك التجارب في عالم الصحافة، وهناك صفات مهمة عند الصحفيين المتميزين عليه أن يعرفها ويفهمها ويستفيد منها وهي:

أولا: التفرد

أول وأهم نقطة على الصحفي أن يتقنها، هي عملية البحث عن سر الاختلاف الصحفي وبناء الهوية المهنية الخاصة، أي عليه أن يفكر كيف يكون صحفيا مختلفا عن الآخرين، له بصمته الخاصة وهويته المختلفة.

ثانيا: أن يدرس نماذج من الصحفيين المعروفين بتميزهم وجديتهم واختلافهم عن القطيع.

ثالثا: أعرف جيدا أقلام صحفية قرأت لها في بدايات رحلتي مع الكلمة والقراءة والكتابة في الصحافة والأدب، وتعرَّفتُ على أسباب تميزها وكانت كما يلي:

أ‌- يتمتع هؤلاء الصحفيون بثقافة موسوعية عالية، فهو يمتلك اطلاعا واسعا على العلوم والآداب والفنون، وله تجربة عملية غنية في مجالات الحياة المختلفة، كما أنه استطاع أن يطور أسلوبه الكتابي بحيث تمكن من خلق هوية كتابية خاصة به من خلال أسلوبه الساخر، أو اللاذع، أو الجاد، وبحسب مواهبه وقدراته.

ب‌- يمتلك هذا النوع من الصحفيين حس الفكاهة، ومقدرة كبيرة على فهم الناس، وله القدرة على كسبهم بسرعة هائلة، بحيث يمكنه الحصول على المعلومة المهمة بسرعة خارقة ومن دون معوّقات، وذلك من خلال تعامله وأسلوبه وكسبه لثقة الآخرين.

ت‌- يتمتع هؤلاء بإقامة شبكة من العلاقات الحقيقية الواسعة التي تفتح لهم آفاق الحصول على حوادث سرية ومعقدة من قلب المجتمع، وتعتبر علاقاتهم هذه مصادر مهمة للمقالات والتحقيقات والاستطلاعات والمواضيع الأخرى التي يعمل عليها بجدية وتفانٍ كبير.

ث‌- يمتلك الصحفي من هذا النوع كاريزما خاصة به، وله طريقته الحيوية في رصد ما يحدث في الواقع، فعليا، أو من خلال الاستماع لما يتحدث به الناس ويشغلهم بشكل كبير، فيلتقطه هذا الصحفي المثابر بطريقة بارعة ويصنع منه عملا صحفيا مؤثرا ومتميزا.

ثانيا: بناء العقلية المرنة

يسعى هذا النوع من الصحفيين أيضا إلى بناء عقله وميولهِ بطريقة علمية تعتمد الدقة والصبر والتأني في التعاطي مع اختياراته الصحفية، فيحاول أن يتحلى بالمرونة والعمق ولا ينحو باتجاه المواقف الصارمة إلا في حال كانت تستحق الحزم.

ثالثا: تجارب وأسماء راسخة

يعكف هؤلاء الصحفيون على مطالعة تجارب فذة لأسماء حفرت لها وجودا تاريخيا في عالم الصحافة العربية والعالمية، ومع أنهم لا يعلنون التأثر بهم بشكل صريح، إلا أن أساليب الكتابة لديهم تبيَّن بأنهم متأثرون بهذا الصحفي المتفرد أو ذاك.

الخلاصة من كل ما تقدم، لا يمكن للصحفي أن يترك الحبل على الغارب كما يُقال، بل عليه أن يمارس عملية البناء الصحفي المستمر لتجربته، ولا يتوقع أنه سوف يكون صحفيا مرموقا من الفراغ أو من الكتابات العاديّة، أو من البقاء في حالة مراوحة بذات المكان، كذلك مهم جدا أن يواصل تنمية موارده الثقافية والفكرية، ويطور أساليبه، ويفتح الآفاق الواسعة التي تجدد أفكاره.

كما عليه أن يستمر في البحث عن تجميع الثروة الفكرية واللغوية التي تساعده على أن يكون صاحب كاريزما مختلفة، وأن لا يكون جزءا من القطيع الذي لا يفكر إلا بطريقة جمعية آلية متكررة مملة تجتر نفسها حتى الموت، وأخيرا عليه أن يكسب القراء بأسلوبه الخاص (الساخر، الفكاهي، اللاذع، المتأني، الجاد، المغاير)، وأن يبقى اسمه يتردد بين القراء كصحفي لامع نتيجة لجديته وتجدّد الأفكار والمواقف والحالات التي يطرحها ويعالجها في كتاباته فيكون بذلك متفردا قولا وفعلا. 

اضف تعليق