معظم الشباب لا يمتلكون خبرة الحياة التي تضع بينهم وبين التلاعب والخداع حواجز شاهقة من الحكمة والتعقّل، كما أننا ربما لا نقدم لشبابنا ما يحتاجون له من دروس ومحاضرات وندوات وكتب تربوية، تنمّي في نفوسهم وعقولهم منظومة من القيم الصحيحة التي تحميهم من صدمة الاستهلاك القائم على الترويج المغري...
في كل مجتمع هناك قيَم أصيلة وأخرى وافدة، ويكمن الخطر في الوافدة أو الدخيلة، حيث يتعمّد الغرب وسياسة الشركات الكبرى على ترويج بضاعتهم ومنتجاتهم، في أساليب تنطوي على الكثير من المراوغة والخداع والإغراء الخبيث، الذي يقود أفراد المجتمع وخصوصا فئة الشباب إلى حالة من الدهشة إزاء تلك السلع، مما يجعلهم مندفعين بقوة تحت تأثير أشكال العرض الغريبة لهذه السلع، فينتشر حب كبير للاقتناء، وتسود موجة من الاستهلاك المفرط حتى تكون الربحية كبيرة.
ويتم إشاعة نوع من القيم تشجّع على الميوعة والانحلال، وتعدّ هذه السلوكيات نوعا من التطور، لكنها في الحقيقة تمثل ثقافة غريبة تريد أن تأخذ محل الثقافة الأم، وتهمّش القيم الأصيلة فتغدو منسية لا أحد يتذكرها، وقلة من أفراد المجتمع يتمسكون بها ويؤدون واجباتهم في ضوئها، وتبقى قيم منسية رغم أصالتها.
لهذا هنالك اليوم مجتمعات (ومن بينها مجتمعنا) تعاني من حالة الافتقار لمنظومة قيم سليمة وقوية تعينهم وتساعدهم على مواجهة عالمنا المعاصر، الذي ينقصه الاهتمام بالقيم والأخلاق والطاقة المعنوية، وفي نفس الوقت تشغله التوافه وصغائر الأمور، لاسيما في مجال الاستهلاك المفرط، والانشغال بالأشكال الغريبة للسلع المصنّعة في الغرب، والمهيّأة خصيصا لإشغال الشباب بما يسمى بالموديلات الحديثة أو بـ (المودة)، فيهفو الشباب على هذه السلع كأنهم في حالة عجز تام تجاه تلك السلع.
فنجد تفوقا وهيمنة للميول المادية عند الشباب، والسبب هو ذلك التدفق الهائل للقيم الدخيلة، في مقابل تراجع غريب للقيم الأصيلة، وهذا ما لا يقبله كل إنسان يمتلك عقلا رصينا وحكمة ومعرفة واعية، لكن شبابنا اليوم يواجهون بالفعل صدمة من نوع مختلف، لأنهم وقعوا اليوم تحت تأثير طرائق العرض المدروسة جيدا من قبل الشركات التي لا يهمها شيئا سوى الربح، فتعم إلى الخداع والتضليل والأكاذيب عبر الترويج بطريقة العرض المغري.
قلة المحاضرات والندوات التربوية
وكما هو معلوم، معظم الشباب لا يمتلكون خبرة الحياة التي تضع بينهم وبين التلاعب والخداع حواجز شاهقة من الحكمة والتعقّل، كما أننا ربما لا نقدم لشبابنا ما يحتاجون له من دروس ومحاضرات وندوات وكتب تربوية، تنمّي في نفوسهم وعقولهم منظومة من القيم الصحيحة التي تحميهم من صدمة الاستهلاك القائم على الترويج المغري عبر أساليب ديدنها الكذب والخداع، والمهم لديها أن تدمّر القيم الأصيلة، وتزج في محلها القيم البديلة الوافدة من الغرب.
يؤكد عدد من الشباب الملتزمين، أنهم لاحظوا إقبالا شديدا لأقرانهم على الأسواق، وخصوصا المولات الكبيرة، ولاحظوا أيضا حالة الدهشة التي تهيمن على هؤلاء الشباب تجاه العديد من السلع الاستهلاكية، ورغبتهم الكبيرة باقتنائها، على الرغم من أنهم ليسوا بحاجة ماسّة لها، وعندما وجهنا لهم السؤال التالي: لماذا تشتري هذه السلعة وأنت غير محتاج لها؟
كانت إجابتهم غير مقنعة، وبعضهم تهرَّب من الإجابة، فيما قال آخرون بأنهم يستحقون العيش برفاهية، والحقيقة هذه الإجابات لم تكن في محلها بالمطلق، فهؤلاء الشباب يعتقدون بأن شراء هذه السلعة أو تلك يملأ لهم فراغ الرغبات التي تجتاح نفوسهم وعقولهم، وهم يظنون بأن الحصول على هذه السلع يجعلهم أكثر سعادة، ولم يخطر في بالهم أنهم ضحية تخطيط جهنمي لشركات وقوى وثقافات تسعى لتدمير عقولهم وقيمهم.
ويمكن توصيف هذه العملية بأنها نوع من غسيل الدماغ، أي محو القديم وترسيخ الجديد بدلا منه، فيتم محو القيم الأصيلة وفي نفس الوقت تتم تعبئة عقولهم بالقيم الدخيلة، وتكون وسيلتهم في ذلك إشغال الشباب بالمظاهر الشكلية المادية، وعرضها وفق أساليب جاذبة، هدفها خلخلة منظومة القيم التي أخذها الشاب من بيئته الاجتماعية ومن ثقافته الدينية والأسرية والمدرسية.
خطوات مهمة لتحصين المجتمع
وحينئذ يتم مسح القيم التي حصل عليها الشاب في مراحل النشوء الأولى، فمثلا يتم ضرب التربية الدينية التي أخذها الشاب من والدية عندما كان طفلا، أو أخذها من معلمه في مرحلة الدراسة الابتدائية، وهكذا شيئا فشيئا، يتحقق هدف أصحاب الخطط المسبقة لتدمير منظومة القيم الأصيلة عند الشباب، لهذا عندما لا يفتح هؤلاء الشباب عقولهم ويستخدمون ذكاءهم، فإنهم يقعون تحت تأثير القيم الخبيثة الوافدة.
أما المطلوب من شبابنا، ومن الجهات المعنية بتأمينهم من هجومات القيم الخبيثة، فهو ما يلي:
- تحصين الشباب بالوعي والأفكار والثقافة والدين.
- تدريب الشباب على الصبر والتحمل.
- عدم خضوع الشباب لصدمة القيم الدخيلة الكاذبة.
- توعية الشباب بأساليب العرض، وإغراءات السلع من خلال العرض الصادم.
- تقديم التحذيرات الصحيحة حول الاستهلاك المفرط.
- تقديم البدائل المناسبة للشباب، وحمايتهم من الشعور بأنهم محرومون.
بالطبع يتطلب النجاح في هذا المسعى، تهيئة جيد للمستلزمات المطلوبة، والتي تمنح الشباب رؤية واضحة عما يجري اليوم في عالم اليوم من تخطيط مسبق لتشويه القيم الاصيلة للشعوب، ودفعهم نحو العالم الاستهلاكي بقوة، وهذه القوى الدولية والشركات الربحية تعلم علم اليقين بأن الشباب والشعوب المحصنة بالقيم الأصيلة غير قابلة للخداع.
لهذا تبقى منظومة القيم الأصيلة في كامل حضورها، وتأثيرها، وتفشل معها جميع المحاولات التي تريد محو هذه المنظومة المتأصلة في نفوس الناس ومن بينهم وأهمهم شريحة الشباب التي تشكل القيمة الحضورية الفاعلة للمجتمع بأجمعه، لذا فإن حماية عقول الشباب من القيم الدخيلة، هي حماية للمجتمع كله، وهذا هو الهدف الأسمى والأهم.
اضف تعليق