في حين ينظر الإيرانيون إلى ترمب كطرف معاد، يرى بعضهم في رغبته في تحقيق "انتصارات" دبلوماسية ــ وعزوفه عن شن حروب جديدة ــ فرصة للحصول على مهلة دون تقديم تنازلات كبرى. برغم أن إيران لا تسيطر بشكل مباشر على الحوثيين، فقد أوردت التقارير أنها ضغطت عليهم لحملهم على...
بقلم: إيان بريمر
نيويورك ــ اجتمع المفاوضون من الولايات المتحدة وإيران للتو في سلطنة عُمان في جولتهم الرابعة من المحادثات النووية. لا يزال الجانبان متباعدين بشأن المسائل الأساسية، وتوقعاتهما متباينة، والوقت ينفد سريعا. ولكن لأول مرة منذ سنوات، يتوفر سبب للتفاؤل. ما يميز هذه اللحظة ليس التقارب المفاجئ في المواقف بل الاعتراف المشترك بأن الدبلوماسية أفضل من المواجهة.
تصر إيران على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط، ويخلص أحدث تقييم من جانب المخابرات الأميركية إلى أنها لا تعمل حاليا على بناء سلاح نووي. ومع ذلك، توسعت أنشطة التخصيب الإيرانية بدرجة كبيرة منذ أن قرر دونالد ترمب في عام 2018 سحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. اليوم، أصبحت إيران على أعتاب التحول إلى دولة نووية، حيث تملك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لإنتاج ستة أسلحة نووية (إذا جرى تخصيبه بنسبة 90%)، والقدرة على "الاندفاع إلى صنع القنبلة" في حوالي ستة أشهر (وإن كان تحويل جهاز نووي إلى سلاح قد يستغرق ما بين عام إلى عامين).
في قسم كبير من الغرب، هذا الوضع غير مقبول. فبدون إحراز تقدم دبلوماسي بحلول نهاية يونيو/حزيران، ستضطر الولايات المتحدة إلى إطلاق شرارة "العودة" إلى فرض العقوبات من جانب الأمم المتحدة. لكن هذا من شأنه أن يدمر ما تبقى من المسار الدبلوماسي، ويدفع إيران إلى الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ويزيد من خطر نشوب صراع عسكري.
يريد ترمب اتفاقا شاملا يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة في الحد من التخصيب، وتقييد تطوير الصواريخ، وتعديل سلوك إيران الإقليمي. لكن هذا ضرب من الخيال. فإيران لن توافق على التراجع الكامل عن برنامجها النووي، ناهيك عن تفكيك تحالفاتها الإقليمية ــ وخاصة ليس في الأسابيع القليلة المقبلة. وهي لن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم أو قدراتها الصاروخية الباليستية التي تعتبر أساسية لموقفها الرادع.
ولكن حتى في هذه البيئة الـمُـقَـيَّـدة، لا يزال الطريق الدبلوماسي مفتوحا. فكل من الطرفين لديه من الحوافز ما يدفعه إلى قبول اتفاق محدود بدرجة أكبر لتجنب المواجهة العسكرية. الواقع أن ترمب، على الرغم من كل نيران الغضب التي تستعر داخله، لا يميل إلى بدء حروب جديدة. وينبئنا بهذا قراره الأخير القاضي بإقالة مستشار الأمن القومي مايكل والتز، وهو من صقور إيران. وكذا كان إعلانه في السادس من مايو/أيار عن وقف إطلاق النار مع المتمردين الحوثيين في اليمن.
يفضّل ترمب النتائج المحرزة عن طريق التفاوض، وكذا يفعل حلفاؤه الخليجيون، وهو يعتقد أن الزمن الحاضر أفضل من أي وقت مضى للحصول على مثل هذه النتائج، بعد أن أُضـعِـفَـت إيران إلى حد كبير. ومع تعثر الجهود التي تبذلها إدارته للوساطة في التوصل إلى وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، يقدم له الملف الإيراني الفرصة الأفضل ــ وربما الوحيدة ــ لتحقيق نجاح دبلوماسي كبير قبل نهاية العام.
برغم أن إيران رفضت في البداية الانخراط الرسمي، إلا أن المتشددين لديها وافقوا في نهاية المطاف على إجراء محادثات غير مباشرة عبر سلطنة عمان، ويشير هذا إلى الاستعداد إلى الدخول في مفاوضات مباشرة إذا جرى إحراز تقدم هناك. يعكس هذا التحول إدراك النظام الإيراني حقيقة مفادها أن استمرار العزلة الاقتصادية والدبلوماسية ينطوي على تكاليف متزايدة. ويرى المسؤولون الإيرانيون في تخفيف العقوبات ضرورة أساسية لعكس مسار انهيار الاقتصاد البطيء واحتواء المخاطر التي يتعرض لها النظام من الاضطرابات الاجتماعية.
في حين ينظر الإيرانيون إلى ترمب كطرف معاد، يرى بعضهم في رغبته في تحقيق "انتصارات" دبلوماسية ــ وعزوفه عن شن حروب جديدة ــ فرصة للحصول على مهلة دون تقديم تنازلات كبرى. برغم أن إيران لا تسيطر بشكل مباشر على الحوثيين، فقد أوردت التقارير أنها ضغطت عليهم لحملهم على الموافقة على وقف إطلاق النار، الأمر الذي عالج مصدر قلق رئيسي في الولايات المتحدة ــ دعم إيران لوكلاء إقليميين ــ وساعد في تحسين أجواء المحادثات النووية.
تتمثل عقبة كأداء في قدرة التخصيب في إيران. فقد رفضت إيران اقتراح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الذي يقضي باعتمادها على اليورانيوم المستورد لإدارة برنامجها النووي المدني، بدلا من تخصيبه محليا. ترى الجمهورية الإسلامية في التخصيب حقا سياديا غير قابل للتفاوض. بيد أنها تظل منفتحة على اتفاق أكثر محدودية من شأنه أن يضع حدا أقصى للتخصيب، ويضمن التحقق من قِـبَـل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويوفر ضمانات جديرة بالثقة بأنها لا تبني سلاحا نوويا.
كما أظهرت تصريحات أخيرة صادرة عن البيت الأبيض قدرا أعظم من المرونة. ففي الرابع من مايو/أيار، قال ترمب إن هدفه الرئيسي هو منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وليس القضاء على قدرتها النووية المدنية. وفي السابع من مايو/أيار، كرر نائب الرئيس جيه. دي. فانس أن إيران "يمكنها أن تمتلك طاقة نووية مدنية"، ولكن ليس برنامج تخصيب اليورانيوم الذي يجعلها قريبة من القدرة على امتلاك أسلحة نووية. هذا التمييز ــ بين الاستخدام المدني في ظل قيود صارمة وإمكانية التسلح ــ من الممكن أن يسمح باتفاق ضيق يهدف إلى الإبقاء على الدبلوماسية حية بعد الصيف.
هذه ليست النتيجة المفضلة في أميركا بطبيعة الحال. ذلك أن ترمب معروف بنفاد صبره، وسوف يكون متشككا في أي صفقة تبدو مصممة لـخِـداعه. لكن التوصل عن طريق التفاوض إلى اتفاق شامل بين طرفين يرتاب كل منهما في الآخر بشدة في غضون شهرين ونصف الشهر أمر غير وارد. وبعد أن هَدّد ترمب بالفعل بقصف إيران إذا فشلت المحادثات، فإن التوصل إلى اتفاق أكثر تواضعا هو بديل المواجهة العسكرية الوحيد القابل للتطبيق. ما يدعو إلى التفاؤل أن ترمب لطالما أظهر الاستعداد للابتعاد عن المواقف المتطرفة عندما يتسنى له ادعاء تحقيق نصر سياسي.
إذا أُحرز تقدم، فسوف تؤجل الولايات المتحدة إعادة فرض العقوبات، إما بشكل غير رسمي، من خلال الضغط على حلفائها الأوروبيين، أو من خلال السعي إلى استصدار قرار جديد من مجلس الأمن الدولي لتمديد الموعد النهائي. ومن الممكن أن يدعم حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، وحتى روسيا والصين، مثل هذه الخطوة إذا جرى تأطيرها كوسيلة لتجنب الأزمة. ومن شأن هذا النهج أن يحافظ على خيار العودة إلى العقوبات، مع الإبقاء على المسار الدبلوماسي مفتوحا وإيقاف التصعيد الفوري.
سيبقى الخيار العسكري مطروحا على الطاولة. فقد وسّعت الولايات المتحدة من انتشارها في المنطقة، كما أن قاذفات الشبح من طراز B-2 القادرة على حمل ذخائر مصممة لاختراق أهداف محصنة ــ مثل منشآت التخصيب الإيرانية في فوردو ونطنز ــ حاضرة وعلى أتم استعداد. وتُستخدم عمليات النشر هذه كوسيلة ضغط تفاوضية وكتحضير لضربات جوية محتملة في حال فشل المحادثات.
لا شيء قد يضمن النجاح. فقد ترفض إيران الشروط الأميركية أو تبالغ في شروطها، فتتلكأ في التفاوض على أمل انتزاع مزيد من التنازلات. وقد يقرر ترمب أن التنازلات غير كافية فيحول المسار نحو العودة إلى العقوبات، أو ما هو أسوأ. وإذا انهارت المفاوضات وهاجمت الولايات المتحدة أو إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية، فسوف تنتقم إيران بضرب الأهداف العسكرية الأميركية في المنطقة وتتحرك باتجاه تحويل برنامجها النووي إلى سلاح.
هذه كلها سيناريوهات واقعية. ولكن على الرغم من هذه المخاطر، فإن الجولة الحالية من الدبلوماسية تمثل الفرصة الأكثر جدية، منذ انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة قبل سبع سنوات، لخفض التصعيد النووي.
اضف تعليق