عندما بدأنا مشوارنا الأدبي والصحفي في السبعينيات، كانت المجلات الفصلية الأدبية الثقافية لا تتجاوز أصابع اليد، أما الراسخة منها فكانت قليلة أيضا ومتفردة، ومنها مجلة الآداب البيروتية، ومجلة الأقلام العراقية، وهنالك مجلات أخرى تُعنى بالأدب وسواه، مثل مجلة العربي الكويتية، اما المجلات المعنية بالفنون فهي كثيرة في ذلك الوقت...
عندما بدأنا مشوارنا الأدبي والصحفي في السبعينيات، كانت المجلات الفصلية الأدبية الثقافية لا تتجاوز أصابع اليد، أما الراسخة منها فكانت قليلة أيضا ومتفردة، ومنها مجلة الآداب البيروتية، ومجلة الأقلام العراقية، وهنالك مجلات أخرى تُعنى بالأدب وسواه، مثل مجلة العربي الكويتية، اما المجلات المعنية بالفنون فهي كثيرة في ذلك الوقت.
في هذه المرحلة، ومنذ أكثر من عشر سنوات وبأعداد فصلية متواصلة بلغت العدد (38) واصلت مجلة الرقيم الفصلية التي تعنى بالثقافة والفنون والآداب صدورها، من دون توقّف، وأكدت وجودها ومكانتها بين هذا النوع من المجلات التي تهتم بالأدب أولا، واليوم صدرها منها عدد جديد تسلسله (38) حفل بالعديد من الدراسات الفكرية والأدبية، وتضمن العديد من النصوص لكتاب لهم حضورهم الأدبي في المشهدين العراقي والعربي.
وقبل أن نلقي الضوء على المتن الذي حفلت به صفحات هذا العدد الجديد، لابد أن نشد من أزر كادر هذه المجلة، وندعمهم بالكلمة والراي السديد، ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا أن تقديم الدعم بالكلمة قبل غيرها وبالرأي قبل غيره، يضخ الدماء الجديد في شرايين وعروق هذا الإصدار الذي واضب على الصدور رغم الصعوبات، ليضع لوجوده واسمه (الرقيم) مكانا بين الإصدارات المحترمة.
هذا العدد بدأ بكلمة العدد لرئيس التحرير الأستاذ الروائي عباس علي، حمل عنوان (تمثيل السرد ما بعد التغيير: تجسيد الموضوع.. وانزياح الشكل)، ومما جاء فيها: اخذت الكتابة تدخل عالم ما وراء تلك الابواب بمختلف فنون الكتابة وبغزارة غير مالوفة في مشهدنا السردي العراقي الذي اعتدنا على اساليبه الفنية المتباينة في التعبير عن الواقعية والفنتازية والغرائبية والعجائبية والسحرية والتجريبية وهذا لا يعني ان كتابات ما بعد التغيير قد تركت هذه الاساليب الفنية او تجاوزتها بل انها كانت تستعين بها وتجسدها احيانا عند قراءة الواقع واستلهام تلك الوقائع نصيّا).
في حقل الدراسات الفكرية والادبية يقدم لنا الأستاذ الدكتور الناقد المعروف فاضل عبود التميمي من العراق، دراسته الرواية والإرهاب: محنة الصحفي (حامد الإبراهيم) مثالا.
تخوض هذه الدراسة في تفكيك وباء الارهاب الذي ضرب الكثير من الدول العربية ومنها سوريا التي وجدنا تشريحا جيدا لظاهرة الارهاب في رواية الهُوتة للكاتبة نجاح ابراهيم وهي تقدم لنا مثالا واقعيا عما يتعرض له الصحفي حامد الابراهيم من قمع ومراقبة وملاحقة واساليب غير مبررة مع صحفي حر حاول ان يكون مهنيا وبعيدا عن الانصياع لضوابط رئيس التحرير المصاب بعقدة التضخم الذاتي وممارسة الضغوط غير المشروعة على مرؤوسيه ومنهم بطل رواية الهوتة، وقد نجحت هذه الدراسة العميقة في استقصاء عوامل واسباب ونتائج هذه الظاهرة وركزت على سياسة الارهاب التي عصفت بسوريا وقدمت الصحفي حامد الابراهيم ومحنته كنموذج روائي جيد تصدى لظاهرة الارهاب.
الدكتور المصطفى سلام من المغرب قدم دراسة تحت عنوان (من بناء النص إلى خياله: قراءة في رواية خط الزناتي) للروائي شعيب حليفي حيث يقوم فيها: ساهم الروائي المغربي شعيب حليفي بمدونة سردية مهمة في الخزانة المغربية حيث مارس كتابة الرواية منذ 1992 حتى الان اي ما يناهز الثلاثة عقود من الإبداع والكتابة والتأليف والملاحظ ان نصوصه تميزت بالمغايرة اذ ياتي النص الجديد مغايرا او مخالفا للقديم يجرب في اللاحق ما لم يتطرق له السابق وان كانت جل نصوصه تتمحور حول منطقة الشاوية/ سطات، وهذا ما أكدته الدراسات النقدية التي اشتغلت على أعماله السردية والثقافة بشكل عام.
هذه الدراسة تؤكد ان المسار الروائي المغربي يمتاز بالتجديد والتحديث المستمر والابتكار وقد يكون للعامل الجغرافي ومجاورة المغرب لاسبانيا وفرنسا واوربا بشكل عام تأثير للرواية والاساليب الغربية على كتابها بشكل عام.
الدكتور الاديب المعروف باقر محمد جعفر الكرباسي يقدم دراسة قيمة حملت عنوان فن السخرية في الادب العربي... الشاعر أحمد مطر مثالا. مما جاء فيها: في تراثنا العربي نجد العديد من الصور الساخرة مع انها لم تبرز في شكل ادبي قائم بذاته اذ كانت مرتبطة بالفنون الاخرى وخاصة الشعر حسب الدكتور كفاح درويش وبوسعنا ان نلاحظ الصلة العميقة بين فن السخرية وفن الهجاء ونعتقد ان فن الهجاء الذي ابدع فيه شعرنا العربي القديم يجسد ذروة فنية من ذرى السخرية الأدبية الذكية، وتبحر هذه الدراسة الجميلة في العديد من الامثلة لتؤكد ذلك التفرد الواضح لهذا النوع الادبي الابداعي الساخر.
في الدراسات النقدية عن الشعر يقدم الدكتور احمد بلاطي من المغرب دراسة بعنوان الألم العاري (قراءة في ديوان اسارير الوجع العشيق لإبراهيم الحجري. كم هو مثير ومباغت هذا العنوان المائز الالم العاري، ومن المفارقات التي تثير الاستغراب ان هذا الديوان هو الوحيد لشاعره ومع ذلك يتناوله الناقد البلاطي بكثير من الاهتمام فيقو يبدو ان الشاعر بعد هذا الديوان نفر من الشعر فلم يشارك لا في امسيات شعرية كما لم ينشر اية قصائد اخرى منفردة بينما تتابعت دراساته النقدية ورواياته وقد فاز عنها بعدة جوائز في الرواية وفي النقد الادبي.
في حق الدراسات الثقافية نقرأ للدكتور مصطفى العادل من المغرب دراسته التي حملت عنوان ثقافة اللسانيات ولسانيات الثقافة اغتراب المرجعيات واشكالات التوطين، يقول فيها: ليست اللغة او اللسان بتعبير ادق اداة للتواصل فحسب، أو موضوعا جاهزا يعتكف اللسانيون في مختبراتهم لتحليل بنيته التركيبية والصرفية والصوتية والدلالية وغيرها، بل هو مرآة تعكس فيها ثقافات الشعوب وقيمها ومفاهيمها وتقاليدها وهو ما يدعو بالضرورة الى اعادة الاعتبار لعلاقة الثقافة باللسان واللسانيات وبخاصة في ثقافتنا العربية الحديثة، وتثير هذه الدراسة أسئلة مهمة نذكرها هنا على ان يجد القارئ الاجوبة في المتن، هذه الاسئلة هي: ماذا يقصد العالم اللساني حينما يعتمد مصطلح الثقافة في بحثه؟ وما حدود الثقافة في التصورات اللسانية؟ وهل يمكن ممارسة الفعل اللساني خارج إطار الثقافة؟ أو بمعنى آخر هل تؤثر الثقافة في التفكير اللساني؟ وهل للتفكير اللساني اثر في بناء الثقافة؟
في حقل المتابعات تقدم لنا الكاتبة الاستاذة فاطمة الناوي من المغرب متابعة بعنوان المدارس السيميائية المعاصرة ومما جاء فيها: أوجز امبرتو ايكو أصناف العلامة البورسية على اساس نوعية العلاقة المفترضة بين الموضوع والمرجع الى ما يلي:
اولا الايقونة. ثانيا الإشارة. ثالثا الرمز. اما الفيلسوف ارنست كاسير في فلسفة الاشكال الرمزية على ان الانسان ليس جوهرا خالصا وانما هو كائن رمزي قادر على ابداع اشكال رمزية تعبر عن التجربة الانسانية الكونية.
ثم نطالع دراسة عن المجموعة القصصية (مشرط تحت اللسان) لمحمود العبسي كتبتها الاستاذة نسرين المكي من تونس وجاءت الدراسة تحت عنوان (الكتابة عن الذات.. كتابة عن الاخرين) وقد بدأت بالمقولة التالية لـ موريس بلانشو: (أن تكتب ذاتك يعني ان تتوقف عن الوجود لكي تستسلم لضيف آخر قارئ لا مهمة له ولا حياة ال انعدام حياتك).
ثم نطالع دراسة الاستاذ الناقد علوان السلمان من العراق التي حملت عنوان الخطاب الشعري المفتوح وتجليات الذات المنتجة، يقول فيها ان النص يهدف الى تحقيق الذات في تكوين موضوعي متدفق بانسياب عضوي عبر وعي شعري يكشف عن الانحياز للحياة من خلال الية التوصيل والشعور بالأثر واستنهاض المعنى باعتماد اسلوب السرد الشعري والتركيز على الفكرة المختزلة.
بعد ذلك نقرا دراسة للاستاذ محمد الورداشي من المغرب في ديوان قيظ الهجير للطاهرة حجازي، يقول فيها ان اول عتبة يتوقف عندها القارئ والدارس لعمل ادبي هي العنوان وذلك لما يحتله من ولوج لعالم العمل الادبي لن العنوان يشكل وحدة دلالية تكثف في غالب الاحيان كل دلالات العمل الجزئية.
ثم نطالع ما كتبه الاستاذ صباح هرمز حول الأنساق المضمرة رواية جبار جمال غريب حيث يقول ثمة حدثان من الاهمية في هذه الرواية ويعدان عصارة متنها الحكائي ويسعى المؤلف عن كشف زيف ودجل الارهابيين من خلال لجوئهم الى خداع الناس البسطاء والسذج، حيث تدور الأحداث حول الأساليب المخادعة التي يسعى من خلالها أصحاب الأفكار المناوئة للخير والجمال والحياة لتبرير أفعالهم الشريرة.
وكتبت الاستاذة ريما آل كلزي دراسة بعنوان سيميائية التحول في افاق النزوح نحو الممكن لميثم الخزرجي تقول فيها اذا كان الادب هوية الحضارات فإن (القص وقبل كل شيء حسب روبرت شولز هو سلوك محاكاتي او تمثيلي توصل من خلاله الكائنات البشرية ضروبا معينة من الرسائل)، وتؤكد بان النزوح يشير الى الحركة من مكان اخر بدافع الاضطرار للبحث عن حياة افضل وتقول عن اسلوب الكاتب بانه استخدم اسلوبا تميز بالعمق والبساطة معا يتناسب مع فهم الطفل ثم تنتهي الكاتبة الى دعوة القارئ كل قارئ ان ينزح بدوره نحو الافق البعيد للممكنات تاركا بصمته على طريق الحياة
ثم يكتب الاستاذ اسامة غانم دراسة جملت عنوان النص المتجانس في السرد المتشظي تناول فيها رواية غريزة الطير لعبد الزهرة زكي حيث يقول تميزت غريزة الطير كونها نصا مفتوحا يعمل على تشكيل معان كثيرة منبثقة من الوقائع التاريخية السياسة الاجتماعية واحداثها المتشابكة بحيث يستطيع القارئ ان يبدا القراءة من اية صفحة يشاؤها ثم ينتهي الى القول بأن هذه الرواية تظهر لنا بانها كتبت بجهد كبير جدا وبدقة محسوبة والتاني في الكتابة ظاهر للعيان.
ثم نطالع نصا سرديا للكاتب شوقي كريم حسن تحت عنوان قحط صاحب الموجة وهي مسرودة مسرحية كما اسماها كاتبها.
وكتب الاستاذ احمد المؤذن كاتب من البحرين قصة بعنوان ذات صباح تميزت باسلوبه المعروف بالبساطة والوضوح واكتناز المشاعر الانسانية العميقة كشأنه في كتبه الروائية والقصصية الكثيرة.
وفي حق الفنون نطالع دراسة متميزة للدكتورة فاطمة الزهراء الأمراني من المغرب، حملت عنوان الإيدولوجيا في الفلم الوثائقي تقول فيها تحاول هذه الدراسة المختصرة ان توضح خصوصيات الانتاج الوثائقي من طرف التلفزيون والسينما حيث اتجه صناع الافلام بشراكة مع القائمين على برمجة الافلام الوثائقية ضمن برامج الاسبوع وصار التلفاز يعرض الافلام الوثائقية الى جانب السينما. لتنهي الى القول بان الفلم الوثائقي لا يخلو من حمولات ايديولوجية.
وبهذا نكون أمام عدد جديد من مجلة الرقيم العدد 38 حافل بالمواضيع المختلفة التي سعت إلى تغطية ما جادت به أقلام المبدعين نقادا وكتابا من العراق والمغرب والبحرين ودول أخرى.
اضف تعليق