ضرورة نشر ثقافة التفكير بصوت عال، وعدم الرضوخ للخوف من العواقب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل الأجيال الشبابية وغيرها، لأن الصمت المطلق يعني الرضوخ لكل الإجراءات القسرية التي تطال حرية التعبير، والخسارة هنا سوف تكون جسيمة جدا، لذا المطلوب تظافر الجهود لوضع البرامج المستدامة لمكافحة سياسات تكميم الأفواه...
الضريبة لفظة اقتصادية، تعني وضع مبلغا من المال تضعه الحكومة والجهات الضريبية المعنية على السلع وفي المعاملات التجارية والعقارية وسواها، تدرّ للدولة أرباحا كبيرة في بعض الأحيان، لدرجة أن نسبة الضرائب تشكل مبلغا كبيرا من قيمة ميزانية الدولة السنوية.
وتعدّد استخدام هذه الضريبة إلى المجاز في اللغة، فصارت تُدرج في عبارات ليست اقتصادية، مثل (ضريبة الحب، ضريبة الحزن، ضريبة الوفاء، ضريبة الكراهية)، وما إلى ذلك من استخدامات لغوية كثيرة لمفردة الضريبة، وهذا يعني أنها ليست مقصورة على المواضيع والبحوث الاقتصادية، بل يمكن أن تدخل في تعابير السرد والشعر والوصف وسواه.
أما التفكير بصوت عالٍ، فهو يشمل الكثير من المعاني، وأولها أنك لا تخفي ما تفكر به عن الآخرين، لذا فأنت تبادر دائما إلى إشراك الناس فيما تفكر فيه، ولكن حتما هناك صفات للإنسان الذي تشركه معك في أفكارك وطريقة تفكيرك، فلابد أن يكون قريبا منك، صديقا لك، متقاربا معك في القناعات والرؤى والأفكار، فتطرح عليه ما تفكر به، وتستشيره في ذلك.
حماية الحقوق المكفولة للناس
ربما تطلب منه إجابات شافية وافية عن أسئلة تشغل تفكيرك وعقلك، ولا تتركها في الخفاء، وإنما تعلنها لمن تحب أن يشاركك الإجابة عن التساؤلات الفكرية والفلسفية التي تشغل بالك، وحتى لو كنت عارفا بها، فقد تكون مترددا في ذلك، ولا يستقر لك مستقر، وفي هذه الحالة لا ترتاح ولا تطمئن إلا عندما تفكر بصوت عال وتُشرك معك من تثق به وتجعله يفكر معك.
هل هناك ضريبة على التفكير بصوت عال؟، يفسر الكثير من المهتمين والمعنيين التفكير بصوت عال، بأنه نوع من أنواع الرأي الذي يتم طرحه لمعالجة قضية معينة، أو لتصحيح خطأ معين، ومعظم الآراء الحساسة تتعلق بحرية الرأي، والأخير يشكل مضايقات وأحيانا تصل إلى درجة المساس بالجهات السياسية، السلطة، الحكومة، الدول، وأشخاصها مثل رئيس الدولة، رئيس وزراء، وزير وهكذا.
إذن توجد ضريبة على التفكير بصوت عال، خصوصا إذا تعلق الأمر بحرية الرأي، وبدأت سهام التفكير تنطلق من قوس العقل، لتضرب الجهات المعنية، ومن ثم تطرح أخطاءها على العلن، هنا يتحول التفكير بصوت عال إلى رأي معارض، يرفض الأخطاء التي ترتكبها الحكومة أو السلطات بأنواعها.
التفكير بصوت عال يصبح رأيا معلنا، وقد يتحول بحسب أهمية وحساسيته إلى موضوع رأي عام، لاسيما إذا كان يتعلق بحياة الناس وحقوقهم المكفولة، فكل شيء يمس حرية الرأي سوف يتحول إلى رأي عام، وسوف يصبح التفكير بصوت عال عامًّا وشاملا، حيث تشترك المنظمات الحقوقية، والمؤسسات الإعلامية المستقلة، والشخصيات المعروفة في المجتمع، ونقصد بها المدنية ذات التاريخ العريق.
إطلاق حملات مستدامة للتفكير الحر
لهذا ستكون هناك ضريبة قاسية على التفكير بصوت عال، قد تطول شخص الذي يفكر نفسه، أو تطول المنظمة المستقلة وتنال من درجة استقلاليتها، وتبدأ عمليات الملاحقة والمضايقات السلطوية، ولكن في المقابل سوف تتعرض هذه السلطات لاسيما الحكومية منها إلى ضغوط داخلية وخارجية من منظمات ومؤسسات وجهات مستقلة، وبالتالي ينالها نوع من الشبهات التي تفند من الادعاءات التي تطلقها حول حرية الرأي وكفالة الصوت المعارض.
نخلص بالنتيجة إلى أن التفكير بصوت عال ظاهرة جيدة جدا، تحفز الجميع على الإدلاء بآرائهم من دون تردد أو تخوف من العواقب، فحين يتم المساس بحرية الرأي، يجب أن يكون هناك عمل مقابل يواجه هذا السلوك، خاصة إذا كان سلطويا حكوميا يسعى لتكميم الأفواه وترك الفاسدين يصولون ويجولون بلا حسيب ولا رقيب.
أو قد تتخذ إجراءات صورية شكلية لذر الرماد في العيون، فيفلت السراق والفاسدون من العقاب، هنا لابد للتفكير بصوت عال أن ينهض بدوره، حتى لو كانت الضريبة شديدة، لأن نتائج الصمت سوف تضاعف من خسائر الحقوق الشعبية والوطنية، لهذا يجب أن تتضاعف الجهود، ويتم التنسيق الجمعي المشترك، لإطلاق عمليات التفكير بصوت عال.
وهنا لابد أن نذكر في الختام بأهمية نشر ثقافة التفكير بصوت عال، وعدم الرضوخ للخوف من العواقب، خصوصا عندما يتعلق الأمر بحاضر ومستقبل الأجيال الشبابية وغيرها، لأن الصمت المطلق يعني الرضوخ لكل الإجراءات القسرية التي تطال حرية التعبير، والخسارة هنا سوف تكون جسيمة جدا، لذا المطلوب تظافر الجهود لوضع البرامج المستدامة لمكافحة سياسات تكميم الأفواه عبر إطلاق حملات مستمرة للتفكير بصوت عال حتى لو كانت الضريبة عالية.
اضف تعليق