منظومة مكونة من تسعة بتات كمية استُخدِمت لمحاكاة حالة تُعرَف بالثقب الدودي الهولوغرافي، تُعَد أحد المفاهيم التي تظهر في محاولات التوفيق بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة، في سعينا إلى فهم كيفية التوفيق بين أشهر نظريتين في الفيزياء الحديثة، وهما ميكانيكا الكم والنسبية العامة، نسترشد بالمبدأ الهولوجرافي...
بقلم: آدم آر براون وليونارد ساسكايند
منظومة مكونة من تسعة بتات كمية استُخدِمت لمحاكاة حالة تُعرَف بالثقب الدودي الهولوغرافي، تُعَد أحد المفاهيم التي تظهر في محاولات التوفيق بين ميكانيكا الكم ونظرية النسبية العامة، في سعينا إلى فهم كيفية التوفيق بين أشهر نظريتين في الفيزياء الحديثة، وهما ميكانيكا الكم والنسبية العامة، نسترشد بالمبدأ الهولوجرافي.
ويفترض هذا المبدأ أنَّ النظريات التي يدخل فيها كلًا من مبادئ ميكانيكا الكم وقوى الجاذبية يُمكن أن تعطي نتائج مكافئة تمامًا للنظريات الأخرى التي تتضمن مبادئ ميكانيكا الكم لكن دون الأخذ باعتبارات قوى الجاذبية.
ويُوصف المفهوم الذي يطرحه هذا المبدأ بأنه "ثنائي الأبعاد"، إذ يتسم بموجبه النوع الأول من النظريات بأبعاد أقل من نظيره الذي تدخل فيه اعتبارات قوى الجاذبية؛ على غرار الكيفية التي تنتج بها صورة ثلاثية الأبعاد عن هولوجرام لسطح ثنائي الأبعاد. وفي بحث نُشر مؤخرًا بدورية Nature، يفيد الباحث دانييل جافرِس وفريقه البحثي1 باستخدام حاسوب كمي لاستحداث حالة تحاكي هولوجرامًا يجسد كيانًا ثنائي الأبعاد يُعرف بالثقب الدودي، ثم يطورون هذه التجربة لمحاكاة نقل رسالة عبر هذا الثقب الدودي.
ويعود مفهوم الثقب الدودي إلى عام 1935، عندما درس ألبرت آينشتاين في تعاوُن بحثي مع العالم ناثان روزن الثقوب السوداء في سياق نظرية النسبية العامة التي وضعها آينشتاين2. وبموجب هذا المفهوم، كل ثقب أسود يتسم بداخل يستحيل لأي شيء الهروب منه، وخارج يظل الهروب منها ممكنًا. ويفصل بين المنطقتين سطحٌ يُسمى أفق الحدث.
غير أنَّ آينشتاين وروزِن لاحظا أنه في المخطط الرياضي التمثيلي لأي ثقب أسود ليس هناك منطقة خارجية واحدة، بل في الواقع، اثنتين، وهما متصلتان عبر نوع من الثقوب الدودية صار معروفًا باسم «جسر آينشتاين-روزن».
غير أنه ليس جسرًا عاديًّا. فمن ناحية، يستحيل في صورة الثقب الأسود التي درسها آينشتاين وروزن (والمختلفة عن تلك التي تناولها جافرِس وفريقه البحثي) الانتقال خلال الثقب الدودي من إحدى المنطقتين الخارجيتين إلى الأخرى؛ بمعنى أنَّ الثقب الدودي لا يُمكن السفر عبره. من ناحية أخرى، إذا قفز شخصٌ ما من إحدى المنطقتين الخارجيتين إلى داخل الثقب الأسود، يُمكن أن يلتقي شخصًا آخر قفز داخل الثقب من المنطقة الخارجية الأخرى، لكن وقت التقائهما سيكون قصيرًا، لأنَّهما بقفزهما إلى داخل الثقب قد حكما على نفسيهما بالموت الحتمي. بعبارة أخرى، لا يمكن عبور الجسر، لكن يُمكن لشخصين دخلاه من طرفين متقابلين أن يلتقيا وقتًا قصيرًا في منتصفه.
في العام نفسه، كتب آينشتاين وروزِن ورقة بحثية أخرى، بالتعاون مع بوريس بودولسكي هذه المرة3. وتناولت تلك الورقة التي وضعها الثلاثة دراسةً عن ميكانيكا الكم (دون الأخذ باعتبارات الجاذبية)، وقفت على ظاهرة صارت معروفة باسم التشابك الكمي، وصفها آينشتاين بأنها "تأثير غامض يتمثل عن بُعد".
ويُميِّز التشابك الكمي الأنظمة الكمية التي تتيح للجسيمات المتشابكة كميًا بأن تترابط عبر نمط غريب غير كلاسيكي من تفاعلات الارتباط، حتى عندما تفصل بينها مسافات طويلة للغاية. ويُعَد هذا النمط من الترابط بصمة مميزة لميكانيكا الكم، لأنه لا يُمكن أن يتكرر في أي ترابط كلاسيكي لا يتضمن اتصالًا أسرع من الضوء بين الجسمين.
غير أنه لا يُمكن استخدام التشابك الكمي في حد ذاته لنقل رسائل بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. من ثم، مع أنَّ ظاهرة التشابك الكمي قد تبدو غامضة بالفعل، بتنا الآن نفهم أنَّها ليست في الحقيقة تأثيرًا يتمثل عن بُعد.
آنذاك، عد العلماء هاتين الفكرتين، أي الثقوب الدودية والتشابك الكمي، منفصلتين تمامًا، لكن منذ ذلك الحين، تزايدت أهمية دراسة العلاقة بينهما لبناء مفهومنا عن الجاذبية الكمية4. ووفقًا لهذا المفهوم، المنطقتان الخارجيتان من الثقب الأسود تتصلان معًا عبر تشابك كمي قوي. ومدى استحالة انتقال الرسائل من إحدى المنطقتين الخارجيتين إلى الأخرى لها يمكن دراستها باعتبار هذا الانتقال يحدث في "هولوجرام ثنائي الأبعاد"، لعدم إمكان حدوث تشابك كمي لنقل الرسائل بسرعة تفوق سرعة الضوء.
في وقت لاحق، تعمَّق بعض الباحثين في استكشاف العلاقة المحتملة بين الثقوب الدودية وظاهرة التشابك الكمي، بتجربة نظرية درست الاحتمالات الممكنة إذا أمكن إحداث تفاعل بين المنطقتين الخارجيتين5،6.
وتبين منها أن تفاعل كهذا قد يخدم في نقل رسالة من إحدى المنطقتين الخارجيتين إلى الأخرى، وأن الانتقال به يأخذ بدقة شكل الانتقال في هولوجرام ثنائي الأبعاد. وفي هذا التفسير القائم على منظومة جاذبية ثنائية الأبعاد، يتمثل سبب مرور الرسالة من إحدى المنطقتين الخارجيتين إلى الأخرى في أنَّ التفاعل يجعل الثقب الدودي ينفتح ويصبح قابلًا للسفر عبره لوقت قصير. أي أنَّ الرسالة تمر ببساطة عبر الثقب الدودي. ولأنَّ الثقب الدودي لا يُمكن أن ينفتح إلَّا بتفاعل المنطقتين الخارجيتين، لا يسمح هذا بانتقال أسرع من الضوء عبر الثقب الدودي، فالمنطقتين الخارجيتين لا يمكن حثهما على التفاعل معًا إلَّا إذا وُجِدت طريقة لإحداث اتصال بينهما، تستغرق وقتًا أقل من وقت اجتياز الثقب 5-7.
وقد طرح فريق بحثي صورة معدلة من هذه التجربة النظرية لاحقًا، ونجح في تنفيذها بالفعل باستخدام حاسوب كمي9،8. وتُستهل أولى خطوات التجربة بإنشاء حالة معينة من التشابك الكمي بين نصفي حاسوب كمي، اختيرا ليمثلا معًا منظومة هولوجرام ثنائي الأبعاد بين المنطقتين الخارجيتين المتصلتين عبر ثقب دودي ناشئ.
بعد ذلك، يدخل الفريق البحثي الرسالة على أحد الجانبين، وينتظر ريثما تتفكك وتتبدد، لينشئ سريعًا ترابطًا كميًا بين الجانبين، وتظهر الرسالة غير مفككة على الجانب الآخر. وهكذا، فإنَّ هذا الانتقال يناظر انتقال عبر ثقب دودي. وقد أفاد جافرِس وفريقه البحثي بإجراء هذه المحاكاة على منظومة كمية صغيرة مكون من تسعة بتات كمية.
ينبغي التشديد على أنَّ "الجاذبية" التي تتعرض لها الرسالة التي تعبر الثقب الدودي، في هذه المحاكاة، هي الجاذبية الناشئة في توصيف هولوغرافي لهذه المنظومة. ومن ثم، هي منفصلة تمامًا عن قوى الجاذبية التي تُثبِّت الحاسوب الكمي بكوكب الأرض. وهذا يعني، على سبيل المثال، أنَّ الحاسوب الكمي غير مُعرَّض لخطر ابتلاعه داخل الثقب الأسود. كذلك ينبغي أن نلفت إلى إمكانية التنبؤ بتطور وضع الحاسوب الكمي في سياق كهذا، بالاكتفاء باستخدام القواعد العادية لميكانيكا الكم دون الأخذ باعتبارات قوى الجاذبية، ودون الاحتكام إلى منظومة هولوجرافية ثنائية الأبعاد.
فما يطرحه التوصيف القائم على منظومة هولوجرافية ثنائية الأبعاد تأخذ اعتبارات الجاذبية في الحسبان ليس سوى تفسيرٍ مُختزل لظاهرة معقدة. إذ في التوصيف الذي لا يضع قوى الجاذبية في الاعتبار، يُعَد ظهور الرسالة غير مفككة على الجانب الآخر تنبؤًا لا يُمكن أن يُخطئ بمعايير ميكانيكا الكم، لكنه يتسم ببعض الغموض. فلا تكمن المفاجأة في أن الرسالة قد عبرت بصورة ما إلى الجانب الآخر من الثقب، بل في أنها وصلت على أتم وجه. وهذا واضح على نحو لا لبس فيه، في التوصيف الذي يقيم اعتبارًا لقوى الجاذبية: فالرسالة وصلت غير مفككة وعلى أتم وجه إلى الجانب الآخر لأنها اجتازت ثقبًا دوديًا. وإذا تبين نجاح بروتوكول تجريبي كهذا، فإنه يبرهن على استخدام حاسوب كميّ لاستعراض ظاهرةٍ يوحي أبسط تفسيراتها بنشأة ثقب دودي.
وتُعد المنظومات الهولوغرافية ثنائية الأبعاد الأعلى استبانة بين المنظومات التي تنطوي على الكثير من درجات الحرية، لكن حتى أحدث الحواسيب الكمية تتسم بمعدلات خطأ مرتفعة إلى حد أنها لا تستطيع أن تجري محاكاة إلا لسلوك عدد بسيط من البتات الكمية. ونظرًا إلى أنَّ المنظومة الكمية التي ابتكرها جافرس وفريقه البحثي تتكون إجمالًا من تسعة بتات كمية، فهي تُعد صغيرة للغاية إلى حد أن الثقب الدودي الهولوغرافي بها يظهر باستبانة منخفضة. وفوق ذلك، بسبب سهولة محاكاة سلوك تسعة بتات كمية على حاسوب كلاسيكي، لا تقدم لنا نتائج هذه التجربة ما لا يُمكن اكتشافه باستخدام الحوسبة الكلاسيكية، كما لا نخلص منها إلى أي مكتشفات جديدة عن الجاذبية الكمية. غير أنَّ تجربة جافرِس وفريقه البحثي تعد إثباتًا تجريبيًا لمبدأ نظري، يمهد الطريق لمزيد من التطوير في هذه المساحة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ تقنيات الحواسيب الكمية تتقدم بوتيرة سريعة، وأنَّ بعض المختبرات الأخرى تحاول بالفعل البرهنة على ثقوب دودية هولوغرافية قابلة للسفر عبرها على منصات تختلف عن تلك التي استخدمها واضعو الدراسة10. وقد شهد العقد الماضي زخمًا في النظريات التي تجمع بين دراسة آليات الثقوب السوداء والحوسبة الكمية، لتؤسس لحوار مبشر إلى حد كبير فيما يتعلق بعمليات المحاكاة للتحقق من صحة النظريات في كلا المجالين.
ولنكون شاهدين على ذلك، يكفي أن نتأمل التجربة النظرية الأصلية التي أجريت قبل خمس سنوات6. فمع أنَّ واضعي الدراسة التي أُجريت مؤخرًا أمكنهم ابتكار بروتوكول يضع في الاعتبار ميكانيكا الكم وحدها، لم يخلصوا إلى بروتوكول هذه الدراسة إلَّا بعد استلهام الثقوب السوداء. ولعل المستقبل يشهد ابتكار منظومات كمية بالغة التعقيد إلى حد أن تحليل مخرجاتها قد يتعذر بالوسائل التقليدية، وتستخدم في الوقت نفسه منظومات هولوجرافية ثنائية الأبعاد كأداةٍ فعَّالة للتحليل والاستكشاف.
اضف تعليق