ما يحدث في الزيارة الأربعينية يكشف عن طاقة مجتمعية كامنة، تبرز في لحظة استثنائية لتعيد تعريف العمل الابتكاري والإبداع الشعبي، هذه المبادرات لا تسهم فقط في إدارة حدث ديني ضخم، بل تقدم نموذجا عمليا لكيفية تفعيل الموارد البشرية البسيطة وتحويلها إلى قوة إنتاجية مؤثرة، وهو ما يمكن أن يلهم مشاريع تنموية على مدار العام...
الزيارة الاربعينية من أكثر التجمعات البشرية في العالم، وهي بلا منازع أضخم فعالية دينية اجتماعية على مستوى المعمورة، ومع هذا الدفق الهائل للملايين من البشر من مختلف اصقاع العالم، تبرز العديد من المبادرات الفردية التي تتحول فيما الى سياق عمل او نظام يتبع في السنوات اللاحقة.
في كل موسم من مواسم الزيارة الاربعينية تظهر لنا الكثير من المبادرات الفردية غير الرسمية، وعادة ما تكون من افراد بسطاء، لكنها تسهم في إنجاح هذا الحدث وتوفير بيئة إنسانية خاصة، ولا نريد استعراض هذه المبادرات لضيق المساحة، لكن نكتفي بذكر فكرة او مبادرة ترقيم أعمدة الانارة الممتدة على طول طريق النجف كربلاء.
منذ انبثاقها لم تكن هذه الفكرة البسيطة بهذه الأهمية ولم يعلم أصحابها انها مع تقادم الوقت تقدم هذه الخدمة الجليلة، فقد أسهم هذا الترقيم في ارشاد الزائرين التائهين، وتحول الى علامات توضيحية، لا يمكن لأي فرد ان يتخلف عن مجموعة او قافلة يسير معها.
ولم تتوقف الابتكارات الفردية عند هذا الحد، وعلى مدار السنوات الماضية، أبدع أصحاب المواكب والهيآة الحسينية في إيجاد نوع او لون جديد من الخدمة، كتوفير شواحن لشحن هواتف الزائرين، او توفير خطوط لاتصال الزائرين بذويهم واهاليهم داخل وخارج البلد او المدينة المقدسة.
لقد ارتبطت العديد من المبادرات الفردية او الجماعية بالزيارة الاربعينية، ففي السابق لم تكن حملات التنظيف بهذا النطاق الواسع، لكن ومع تزايد الاعداد وبلوغها عتبة الملايين، وجدت الحاجة لمثل هذه المبادرات التي خففت الكثير عن كاهل الجهات المعنية بتنظيف المدينة، وفسحت المجال لفرق تطوعية في مجالات أخرى لشق نفس الطريق الخدمي.
اذ ظهرت في هذا السياق فرق او مجموعات وظيفتها ارشاد الزائرين، او المشاركة في الجوانب الأمنية وغيرها من النشاطات والفعاليات الاجتماعية، التي أسهمت الزيارة الاربعينية في بلورتها وظهورها الى الأوساط الاجتماعية.
وربما اللافت للنظر ان الكثير من الابتكارات او المبادرات تتحول فيما بعد الى أسلوب حياة ليس في الزيارات او المناسبات الدينية فحسب، بل تتكرر في أي تجمع او نشاط بشري يحدث في المدينة المقدسة، وعليه يمكن النظر الى الزيارة الاربعينية ليس مجرد مناسبة ذات بعد ديني، بل عامل من عوامل تنظيم الحياة الاجتماعية وكشف الطاقات الكامنة.
بعض المبادرات يصاحبها بعض الهنات هنا وهناك، وهنا، ومن منطلق الحفاظ على المبدأ العام لهذه المبادرات وهو تحسين الخدمة العامة، نحتاج في أحيان قليلة جدا الى تحسين او تطوير هذه المبادرات لتكون أكثر عملية او خدمية للملايين الوافدة الى المدينة المقدسة.
الغرض الأساس من إطلاق الكثير من الحملات التي انطلقت في الأعوام الماضية، هو المحافظة على راحة الانسان مع عدم التأثير على انسيابية حركة الزائرين، فمثلا حملات التنظيف وفرز النفايات وفرزها باستخدام أكياس قابلة للتحلل، في محاولة للحد من التأثير البيئي لهذا الحدث الضخم.
مثل هذه الجهود تعكس وعيا جماهيريا متزايدا لدى الكثير من الفئات الاجتماعية، وتؤكد أيضا حرص الافراد على النظافة البيئية رغم الضغط الهائل الذي تحدثه المناسبة المليونية على البنية التحتية.
ما يحدث في الزيارة الأربعينية يكشف عن طاقة مجتمعية كامنة، تبرز في لحظة استثنائية لتعيد تعريف العمل الابتكاري والإبداع الشعبي، هذه المبادرات لا تسهم فقط في إدارة حدث ديني ضخم، بل تقدم نموذجا عمليا لكيفية تفعيل الموارد البشرية البسيطة وتحويلها إلى قوة إنتاجية مؤثرة، وهو ما يمكن أن يلهم مشاريع تنموية على مدار العام.
اضف تعليق