التغذية مسألة معقدة، ولا أعتقد أننا بالضرورة سنجد وصفة واحدة تصلح للجميع، ولكن الأدوات الجديدة في طور التنمية يمكنها حقًا تغيير نظرتنا إلى الموضوع، ويبقى السؤال الكبير هو: إذا ما توافرت للعلماء كل القطع التي يحتاجون إليها، فهل سيتمكنون من وضعها معًا؛ لعمل صورة واضحة ومتماسكة ؟...
بعد عقود من الدراسة، ما زال الإجماع غائبًا بين الباحثين حول ما إذا كانت المكمِّلات الغذائية مفيدة صحيًّا بالفعل، أم لا.
في عام 1911، اكتَشف عالِم الكيمياء الحيوية البولندي كازيمير فانك سبَب مرض عصبي كان لا يزال غامضًا آنذاك، عُرِفَ باسم "بري بري"، حيث كان شائعًا في المناطق التي كان المصدر الأساسي للسعرات الحرارية للبشر فيها هو الأرز المقشور، أو «المُبَيَّض». قام فانك بإطعام مجموعة من الحمام المريض بمادةٍ كان قد عزلها من قشور الأرز، وخلال 12 ساعة، كان الحمام قد تعافى. وبناءً على ذلك.. أشار1 فانك إلى أن بعض الأمراض ـ بما في ذلك بري بري، والإسقربوط ـ قد نشأ بسبب نقص في المغذيات، مثل تلك التي وجدها في قشور الأرز، واعتبر هذه المواد الكيميائية «فيتامينات ضرورية».
على الرغم من أن الكثيرين تَبَنُّوا فكرة أن الفيتامينات يمكنها منْع أو علاج أمراض معينة، إلا أن المنظومة الطبية قد ثارت ضده: فقد قام زملاء فانك في معهد ليستر للطب الوقائي في لندن بالتشكيك في نظريته، وحاولوا منعه من استخدام مصطلح فيتامين في أبحاثه. وأشارت افتتاحية عام 1917 في دورية «جورنال أوف ذي أمريكان ميديكال أسوسييشَن» إلى أنه رغم أن مصطلح "داء عَوَزِيّ" قد أصبح شائعًا، إلا أن مفهومه هو «شرح غامض تم قبوله بسهولة من قبل غير المُمَحِّصِين».
لا أحد يشكِّك اليوم في أن فيتامين بي1 يمكنه منع مرض البري بري، أو أن فيتامين سي يمنع مرض الإسقربوط، ولكن الرأي العلمي حول استخدام الفيتامينات من قِبَل الملايين من البشر الذين يبدون ظاهريًّا بصحة جيدة أكثر انقسامًا من ذي قبل.
نشرت دوريّة «آنالز أوف إنترنال ميديسن» في افتتاحيتها العام الماضي نقطة مهمة في صلب الموضوع، وفيها أن الباحثين في جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، ميريلاند، وغيرها من المعاهد، قد صرحوا عن يقينٍ بأنّ الشعب الأمريكي يجب أن «يتوقف عن إهدار المال» على الفيتامينات المُكمِّلة. وعلّلوا ذلك بأن الأبحاث لم تثبت فوائدها، الأمر الذي يرجع جزئيًّا إلى أن معظم البشر في الدول الصناعية يتمتعون بتغذية جيدة. وفي غضون أَشْهُر، نشأ هجوم مضاد، في مقدمته أسماء لامعة في علوم التغذية والكيمياء الحيوية، من بينها بروس إيمز في مستشفى أطفال معهد بحوث أوكلاند في كاليفورنيا، ووالتر ويليت من جامعة هارفارد في كمبريدج، ماساتشوستس، قالوا إن نقص الفيتامينات ـ في الواقع ـ منتشر في الولايات المتحدة، وإن المكملات الغذائية يمكن أن تساعد على سد الفجوات الغذائية.
يرى اختِصاصيّ الوبائيَّات في جامعة هارفارد، مئير ستامبفر، الافتتاحية التي هاجمت الفيتامينات بأنها «هراء»، ويقول: «لقد شعرت بالأسى لنشر مثل هذه الدراسة ضعيفة المستوى في دورية بارزة، وتسبُّبها في الالتباس».
هذا الجدل يثير تساؤلات مهمة حول جودة وأهمية أكثر من قرن من الدراسات. فكما يقول بول كوتس، مدير مكتب المكملات الغذائية في المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة (NIH) في بيثيسدا ميريلاند: «سيكون هناك دائمًا وجهان لهذا الجدال، والسبب الرئيس في ذلك هو أننا لا نعرف الإجابات.. فليس لدينا أدلة بطريقة، أو بأخرى».
ترى أَدِلّة مجمَّعة ومستقاة من التجارب الإكلينيكية المُحكَمة ومزدوجة التعمية، والمقارنة بعلاج وهمي، أن المكملات الغذائية بالكاد تؤثر تأثيرًا مثبتًا على صحة البشر في البلدان المتقدمة، لكن الكثيرين يقولون إن النتائج تعكس أوجه قصور في البحوث، بما في ذلك ضعف تصميم التجارب، والخلط غير المناسب لأنواع مختلفة من البيانات، وسوء الفهم حول الكم الكافي من المغذيات، فتقول سوزان ماين، رئيس إدارة الوَبائِيَّات المزمنة في كلية الصحة العامة بجامعة ييل في نيو هيفن، كونيتيكت، وعضو مجلس الغذاء والتغذية التابع لمعهد الطب، الذي يضع إرشادات التغذية الأمريكية، كتوصيات الكميات الغذائية المتناولة من الفيتامينات والمعادن: «كانت الأدوات التي نملكها في الماضي بدائية جدًّا، وكأننا كنا ننظر عبر نافذة متسخة، ذات ستائر مغلقة».
على الرغم من أن بعض العلماء يقولون إنه يمكن للباحثين استخلاص معلومات مهمة من بيانات التغذية المتاحة حاليًا، إلا أن البعض الآخر، مثل روبرت هيني، اخْتِصاصِيّ الغُدَدِ الصَّمّاء في جامعة كريتون في أوماها، نبراسكا، يقول إن معظم الدراسات الموجودة تحوي عيوبًا جسيمة، وإن المخطط بأكمله يحتاج إلى إصلاح منهجي.
يقول كوني ويفر، رئيس قسم علوم التغذية في جامعة بوردو في ويست لافاييت بإنديانا، وعضو مجلس الغذاء والتغذية: «إن تجارب التغذية لدينا لا تقدِّم إجابات للأسئلة الصحيحة، وبالتالي فإنها غير مناسبة. إن ما نستخدمه الآن من علم رديء للغاية».
الضربة القاضية
يُقَدَّر سوق الفيتامينات والمكملات الغذائية بحوالي 68 مليار دولار أمريكي عالميًّا. والمستحضرات مُتَعَدِّدة الفِيتامينات هي الأكثر شعبية حتى الآن، ومعظم الأشخاص لا يتناولونها لعلاج أمراض العَوَز المشخَّصة، ولكن لتحسين أو الحفاظ على «الصحة العامة»، وهو الأمر الذي ذكره تقرير مكتب المكملات الغذائية في العام الماضي. العَوَز الإكلينيكي، مثل الإسقربوط، نادر الحدوث في الدول الصناعية، ولكن بعض الأبحاث تشير إلى أن الكثير من البشر يعانون على الأقل من نقص طفيف في بعض العناصر الغذائية. ففي عام 2011، ذكر تحليل للبيانات من مسح الصحة الوطنية وفحص التغذية التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (NHANES) أن أكثر من ربع سكان الولايات المتحدة لا يحصلون على ما يكفي من الفيتامينات إيه، أو سي، أو دي، أو إي، أو الكالسيوم أو المغنسيوم، وأن %97 لا يحصلون على ما يكفي من البوتاسيوم. وهو الأمر الذي حدا بواضعي إرشادات التغذية للأمريكيين ـ التي صدرت في عام 2010 ـ بالتحذير من أن الكميات التي يتناولها عامة الناس من البوتاسيوم والألياف الغذائية والكالسيوم وفيتامين دي «منخفضة بما يشكل خطرًا على الصحة العامة». يناقش العلماء مدى أهمية هذا العوز دون الإكلينيكي، الذي يبدو منتشرًا. ينكر بيت ميلر، اختِصاصِيّ الوبائيَّات في جونز هوبكنز، وجود هذه الأهمية، ويجادل قائلًا إنه حتى مع مستويات المغذيات الموصى بها من قبل الحكومة، فإن «عتبة ما يُعرف بالعَوَز هي على الأرجح غير صحيحة».
ومن المعروف أن المسوح المستخدَمة لتحديد نوع الطعام الذي يتناوله الناس وكمِّيته، لا يمكن الاعتماد عليها. ففي عام 2013، وجدت دراسة7 «بلوس وان» أن بيانات كمية الطاقة المتناولة من 39 عامًا من دراسات NHANES كانت «غير منطقية فسيولوجيًّا» بالنسبة إلى أغلبية المشاركين، بسبب ضعف منهجية جمع التقارير.
تقول ماين إنه بالنسبة إلى بعض المغذيات، مِن شبه المؤكَّد أن بعض الناس «لا يحصلون بالفعل على ما يكفيهم»، وبالإضافة إلى ذلك.. فإن البحوث تشير إلى أن الأفراد الذين يتناولون كميات أقل من المتوسط، ولكن مستويات المغذيات لديهم طبيعية إكلينيكيًّا، يمكنهم الاستفادة من المكملات الغذائية. وقد قام باحثون في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد بتجنيد 672 من أخصائِيِّي الصحة من ذوي التاريخ المرضي لأورام القولون والمستقيم الحميدة −وهو عامل خطر لسرطان القولون والمستقيم− لمعرفة ما إذا كان حمض الفوليك قد ساعد على الحَدّ من الورم، أم لا، حيث تناوَل نصف المشاركين ملّيجرامًا واحدًا من حمض الفوليك يوميًّا لمدة تتراوح بين 3 و 6.5 سنوات، وتناوَل النصف الآخر علاجًا وهميًّا (دواءً خاليًا من المواد الفعالة). لم يكن للمكملات الغذائية أي تأثير عندما تم فحص الجميع، ولكن الذين تلقوا أقل كمية من حمض الفوليك في بداية الدراسة، كانوا أقل عُرضة لخطر تكرار الإصابة.
ومن ناحية أخرى.. تشير دراسات كبيرة عديدة إلى أن فرط تناول المغذيات يمكن أن يكون خطيرًا. فقد تم تخصيص دراسة «ألفا−توكوفيرول بيتا−كاروتين» للوقاية من السرطان؛ لمعرفة مدى استفادة المدخنين من بعض المكملات الغذائية، وقد تبين أن الذين تناولوا 20 مليجرامًا من بيتا كاروتين (أسلاف فيتامين إيه) يوميًّا ـ أي 3 أضعاف الكمية اليومية المُوصَى بتناولها في الولايات المتحدة من فيتامين إيه ـ لمدة 5−8 سنوات كانوا، في الواقع، أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة بـ%18 من أولئك الذين تناولوا علاجًا وهميًّا9. والتفسير المحتمَل هو أن نواتج تكسر بيتا كاروتين بجرعات عالية يسبِّب تكاثر الخلايا.
توضح هذه النتائج واحدة من عديد من التعقيدات في أيض المغذِّيات. فعلماء التغذية يدركون الآن طبيعة منحنيات الخطر: المغذيات لها آثار مفيدة في الجرعات المنخفضة، وآثار سامة في الجرعات العالية، كما أن حجم الاستجابة يختلف أيضًا وفقًا للمكان الذي يقع فيه الأفراد على المنحنى بدايةً، وهو موضع خط الأساس لهم، غير أن هذا الأمر يتم تجاهله في كثير من الأحيان. فعلى سبيل المثال.. فغالبية الدراسات المشمولة في المراجعة المنهجية10 لعام 2009، التي تمت بتكليف من الحكومة الأمريكية؛ لتوضيح المبادئ الإرشادية لتناوُل فيتامين دي، لم تتضمن معلومات عن حالة خط الأساس، وبالتالي فإن المراجعة ربما تكون قد جمعت الأفراد الذين اختلفت استجاباتهم؛ وبالتالي فإنها قد خلصت إلى أن نتائج التجارب على فيتامين دي ـ بما لا يثير الدهشة ـ كانت «غير متناسقة»، (انظر: Nature 475, 23–25; 2011)، ويُعلِّق هيني قائلًا: «هذه هي المسائل البديهية الخاصة بالتصميم، التي تحتاج إلى أن تُوضع في الحسبان عند وضع دراسة، غير أن هذا لم يحدث».
التأثيرات الخَفِيّة
إنّ تناوُل المغذيات في مجموعات المقارنة مهمٌّ أيضًا، ولكن هذا الأمر غالبًا ما يتم تجاهله. فقد اختبر الباحثون آثار جرعات يومية من 1,000 ملج من الكالسيوم ـ جنبًا إلى جنب مع فيتامين دي ـ على مخاطر كسور العظام11 لدى النساء، كجزء من مبادرة صحة المرأة للمعاهد الوطنية للصحة (WHI). ورغم أن بيانات NHANES في ذلك الوقت أشارت إلى أن متوسط كمية الكالسيوم المتناولة للنساء بعد سن اليأس كانت حوالي 600 ملج يوميًّا، فقد توصّل الباحثون بعد الدراسة العشوائية إلى أن النساء في مجموعة المقارنة كُنَّ يتناولن في الواقع أكثر من 1,000 ملج في اليوم.
لم تُظْهِر الدراسة أي فروق ذات دلالة إحصائية في خطر التعرض للكسور بين مجموعات التدخل ومجموعات المقارنة، ولكن «تصميم الدراسة كان من النوع الذي لا يُمكِّن أن يظهر أي شيء»، كما يقول هيني. ورغم ذلك.. فإن المراجعات المنهجية لا تزال تستعمل نتائج مبادرة صحة المرأة باعتبارها نتائج «سلبية».
تُسلِّط الدراسة الضوء على اثنين من العوامل المضلِّلة المحتملة الأخرى. الأول، هو أن المشاركين في الدراسة أكثر وعيًا بالصحة من غيرهم. ورغم أن المشاركين في تجربة WHI في المتوسط يستهلكون مستويات عالية نسبيًّا من الكالسيوم، فإن ما يقرب من %75 من النساء في الولايات المتحدة، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 31 و50 لا يحصلن على 1,000 ملج من الكالسيوم يوميًّا من الغذاء، كما هو مُوصَى. والعامل الثاني هو أن الامتثال العلاجي للتعليمات غالبًا ما يكون منخفضًا، فحوالي %59 فقط من المشاركين لا يزالون يتناولون %80 على الأقل من الحبوب بحلول نهاية الدراسة، وبالتالي فأولئك الذين لا يلتزمون بتناول العلاجات الموصوفة قد يختلفون عن أولئك الذين يلتزمون بشكل كبير، الأمر الذي يؤدي إلى انحراف النتائج.
والتباين الوراثي هو عامل آخر مهم، إذ يقول ستيفن زايسل مدير جامعة معهد بحوث التغذية في كارولينا الشمالية بتشابل هيل، إن «كل شخص لديه حوالي 50,000 اختلاف في الجينات»، وأي عدد منها يمكن أن يكون مهمًّا في عملية الأيض، إلا أن «عددًا قليلًا جدًّا من علماء الوراثة يجمعون معلومات عن النظام الغذائي، وعددًا قليلًا جدًّا من علماء التغذية يجمعون معلومات وراثية». وكشفت أعمال زايسل ـ على سبيل المثال ـ أن %44 من النساء لديهن متغيرات جينية تزيد بشكل ملحوظ من احتياجاتهن الغذائية من الكولين. لا عجب إذَن من أن نتائج الدراسة كانت غير متناسقة، وأن التقارير لا تحمل نتائج ذات مغزى (انظر: «قصور البيانات»). وبالإضافة إلى ذلك.. فإن آثار التداخل الغذائي ربما تكون خفية.. ففي حين أن دراسات العقاقير تقارن تأثير متعاطي العقار مع غير متعاطيه، فإن دراسات التغذية تقارن الجرعات العالية بالمنخفضة منها، لأن الجميع يأكل ويستهلك بعض المغذيات. وبالتالي، يصعب اكتشاف الفروق الدقيقة التي لها فترات كمون طويلة. وهذه القيود والاعتبارات تتراكم «بطريقة تجعل الدراسة مكدسة، وتَحُول دون إظهار أي نتائج ذات فائدة»، حسبما يقول اِخْتِصَاصِيُّ الكيمياء الحيويَّة بالز فراي، مدير معهد لينُس بولينج في جامعة ولاية أوريجون في كورفالس.
قُصُور البيانات
لكل ادِّعاء حول الفيتامينات، وَجَدَت الدراسات بعض الأدلّة السلبية عنه، ولكنْ معظم النتائج السلبية بها بعض المتغيّرات المضلِّلة.
«تناوُل مكمِّلات الكولين يعزِّز نمو مخ الجنين»
النتيجة السلبية: دراسة15 تامّة العشوائية مزدوجة التعمية شملت 140 امرأة حاملًا لم تجد أي تعزيز لوظائف الدماغ لدى الرُّضَّع.
العامل المضلِّل: %44 من النساء لديهن متغيرات جينيّة تزيد احتياجهن إلى الكولين الغذائي بشكل كبير16.
«تناوُل مكمِّلات الكالسيوم وفيتامين دي يقلِّل من خطر كسور العظام»
النتيجة السلبية: دراسة11 مبادرة صحة المرأة للكالسيوم وفيتامين دي لم تجد أي تأثير لتناوُل المكمِّلات على خطر الإصابة بكسور الوِرْك.
العامل المضلِّل: قَدَّر الباحثون أن مجموعة المقارنة تستهلك أقل من 600 ملج من الكالسيوم يوميًّا، بينما كان التناول الفعلي أكثر من 1,000 ملج.
«β−كاروتين يقلل من خطر الورم الغُدِّي للقولون والمستقيم، الذي يمهِّد لسرطان القولون والمستقيم»
النتيجة السلبية: لم تجد الدراسة الإكلينيكية17 لعام 1994، التي قسّمت 864 مريضًا على مجموعات علاج مختلفة شملت مكمِّلات بيتا كاروتين، أيَّ دليل على وجود فائدة، وبعض الأدلة على حدوث ضرر.
العامل المضلِّل: من بين غير المدخنين وغير المتعاطين للخمور، كان هناك انخفاض ملحوظ في خطر الإصابة بالوَرَم الغُدِّي، لكنْ كانت هناك زيادة في الخطر لدى المدخنين ومتعاطي الخمور18.
«تناوُل مكمِّلات مضادات الأكسدة يقلِّل من أخطار السرطان والوفاة»
النتيجة السلبية: التحليل19 التجميعي لـ21 من الدراسات الإكلينيكية، التي تغطي عيِّنة مجمَّعة تبلغ حوالي 91,000 شخص و8,800 حالة وفاة، لم تجد أَدِلَّة على وجود تأثير على معدَّل الوفيات.
العامل المضلِّل: لم يقم التحليل بتقسيم النتائج حسب الجنس، فقد يكون الرجال أكثر استفادة من المواد المضادَّة للأكسدة من النساء20.
رؤية أوضح
كيف يمكن إذًا للعلماء تصميم الدراسات للوصول إلى حقائق عن المغذيات؟ في بحث نُشر في دورية «نيوتريشن ريفيوز» في يناير الماضي، اقترح هيني مبادئ إرشادية، إذ يقول إن العلماء، أولًا وقبل كل شيء، يحتاجون إلى النظر في منحنى استجابة تغير الجرعة، فمن المهم للغاية قياس الحالة الغذائية الأساسية للمشاركين في الدراسة، وتتبُّع التغيرات مع مرور الوقت. ويقترح هيني أيضًا أن يستخدم الباحثون مشاركين ممن تكون لهم مدخلات أساسية مماثلة، الأمر الذي قد يحدّ من عدد الأشخاص الذين قد تنطبق عليهم النتائج، ولكن سيجعل البيانات أكثر وضوحًا.
إنّ قياس حالة المغذيات يمثل تحديًا إضافيًّا. فلننظر للكالسيوم مثلًا: فالجسم ينظم بعناية مستوياته في الدم، ويحافظ عليها ثابتة عن طريق سحبه من العظام عند انخفاض الكميات المتناولة. يقول هيني إنه من الممكن قياس مقدار ما يتم استهلاكه من خلال النظر إلى المؤشرات الحيوية الأخرى، مثل هرمون الغدة الدرقية، الذي ينشِّط سحب الكالسيوم من العظام، ولكن مثل هذه التجارب يمكن أن تكون مُكلفة.
يجب على الباحثين أيضًا التوصُّل إلى طرق دقيقة لقياس الكميات المتناولة من المغذيات أثناء الدراسة، وهذا يتطلب تقديرات أفضل للمغذيات في الأطعمة. يقول فراي إنّ قاعدة بيانات المغذيات الوطنية للتوصيات القياسية التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية، التي تُعَد مصدرًا موثوقًا في البلاد لبيانات مكونات الأغذية، تبالغ في كميات فيتامين إيه في الأطعمة، لأن الوحدات القياسية المستخدَمة لا تأخذ في الحسبان التوافر الحيوي للمغذيات. كما أنها تتجاهل بعض المصادر الأخرى من الفيتامينات في الغذاء. فهي، مثلًا، لا تُقيِّم مستويات 25−هيدروكسي كولي كالسيفيرول، وهو شكل من أشكال فيتامين دي الموجود في المنتجات الحيوانية.
والخبر السار.. هو أن العلماء قد وضعوا تقنيات لتحسين قياسات كل من حالة المغذيات، والكميات المتناولة. فقد قامت ماين وزملاؤها ـ على سبيل المثال ـ بإيجاد طريقة للتحليل الطيفي عن طريق الجلد؛ لتقييم مستويات أشباه الكاروتينات، وتقول عنها: «يمكنك أن تفعل ذلك بدون تكلفة، فالجهاز يقوم بفحص جلد الأشخاص لمدة 30 ثانية؛ ليعطيك قراءات عن حالة المغذيات». أيضًا، يقوم الباحثون في جامعة بوردو ببرمجة تطبيق لهاتف ذكي يستطيع متابعة الطعام المُتناوَل، حيث يلتقط المستخدمون صورة لطبق الطعام، ويقوم التطبيق بتقدير وتسجيل المكونات الغذائية. وقد ثبت أن هذه التقديرات كانت أكثر دقة من التقارير الذاتية.
يحتاج الباحثون أيضًا للقيام بعمل أفضل من حيث وضع العوامل المضلِّلة في الاعتبار وحسابها. كذلك ينبغي تصميم المراجعات، للرد على أسئلة محددة حول جرعات محددة للمغذيات في مجتمعات معينة، حسبما يقول هيني. في الأساس، ينبغي عليهم أن يدرجوا فقط تلك الدراسات «المنطوية على مجموعة بيانات واحدة». وقد رعى مكتب المكملات الغذائية سلسلة من التقارير الفنية للتحقيق في التحديات المرتبطة بالمراجعات القائمة على الأدلة في مجال التغذية؛ وقد تم نشر ستة منها.
إذَن، فلنعُد إلى السؤال الأساسي. هل المكملات الغذائية عديمة الفائدة؟ الحالة الراهنة للبحوث لا تقدِّم سوى نصف جواب ملتبس: «ربما نعم» لبعض الأفراد، والمغذيات، والجرعات، و«ربما لا» لآخرين. يقول ماين: «التغذية مسألة معقدة، ولا أعتقد أننا بالضرورة سنجد وصفة واحدة تصلح للجميع»، ولكن الأدوات الجديدة في طور التنمية «يمكنها حقًا تغيير نظرتنا إلى الموضوع». ويبقى السؤال الكبير هو: إذا ما توافرت للعلماء كل القطع التي يحتاجون إليها، فهل سيتمكنون من وضعها معًا؛ لعمل صورة واضحة ومتماسكة ؟ .
اضف تعليق