q

بعد اكثر من ثلاثة عقود من الازمات والحروب، لا تزال الاراضي الافغانية الاخطر في العالم مع تهديدات المحتلة لدخول تنظيم داعش الارهابي واستمرار القتال مع حركة طالبان، فضلا عن وجود الغام وذخائر وقنابل غير منفجرة من كل العيارات كما ان قوات حلف الاطلسي غادرت بدورها البلاد تاركة خلفها اعدادا كبيرة من العبوات القاتلة.

كل هذه التطورات الامنية تضع هذا البلد الاسيوي المضطرب سياسيا وامنيا في مستنقع العنف والفوضى المستدامة، وما يعزز انهيار هذا البلد تزايد الاضطرابات السياسية في مرحلة حساسة مع انتهاء المهمة القتالية لقوات الحلف الاطلسي في 31 كانون الاول/ ديسمبر الماضي بعد وجود استمر 13 عاما، وفي وقت تستغل حركة طالبان الامر لتكثيف عملياتها، كما تسببت الحرب الأهلية والحرب التي قادتها الولايات المتحدة في تدمير المؤسسة العسكرية في افغانستان وخاصة القوات الجوية الافغانية التي لا تملك سوى قدرا بسيطا من القوة الجوية لحلف شمال الأطلسي، الى جانب النزيف المستمر لاكثر 350 ألف فرد في الشرطة والجيش وقوات الأمن الأخرى يحاربون المتشددين في أنحاء متفرقة من أفغانستان ويسقط من بينهم قتلى بمعدل نحو مئة أسبوعيا في أعنف قتال منذ بدء الصراع قبل 13 عاما.

والى جانب الانتكاسات الامنية والسياسية تشهد افغنسان خطر تقليل المساعدات الغربية، إذ يرى الكثير من المراقبين أن استخدام قطاعات من الطرق الجديدة هناك أمر محفوف بالمخاطر فيما يتعلق بالمساعي الغربية، فمثلا لا يزال التوربين الذي يستخدم لتوليد احتياجاتها من الكهرباء مجرد أجزاء بينما تحولت 16 طائرة شحن تسلمتها القوات الجوية إلى خردة دون ان تحلق تقريبا، ومنذ الإطاحة بحركة طالبان من حكم أفغانستان عام 2001 ظلت المساعدات الدولية الداعم الأساسي للاقتصاد الأفغاني.

ويرى المانحون خاصة الولايات المتحدة نتائج كثيرة لمليارات الدولارات التي ضخوها في الدولة التي مزقتها الحروب، لكن رغم كل هذا النجاح للمدن التي تنهض من وسط الانقاض وإقبال الصبية والفتيات على المدارس فإن هناك نماذج كثيرة لسوء انفاق المساعدات إذ لا يوجد اهتمام يذكر بأن تظل المشاريع قائمة على الأمد البعيد فور توقف ضخ الاموال.

لذا يرى الكثير من المحللين أن الفوضى العارمة والقتال المستعر وزيادة حدة التوتر والصراع بين الاطراف المتخاصمة الحكومية وغير الحكومية، فضلا عن خطر انقطاع المساعدة الغربية، جميعها هذه الامور تهز اركان الدولة على الاصعدة كافة، وقد زاد هذه الامور من تأزم الأوضاع الامنية ورفع حالة الاحتقان السياسي، لتقدم صورة سياسية امنية لانعدام الثقة بين المكونات السياسية ولتشكل أساس الأزمة في افغانستان 2015.

وعليه في ظل تصاعد الاضطرابات الامنية واستمرار الصراعات السياسية والإنسانية يبقى الاستقرار في أفغانستان غاية بعيدة المنال.

افغانستان قد تصبح ملاذا لداعش

في سياق متصل حذر مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" من ان افغانستان قد تتحول مرة جديدة الى ملاذ للمتطرفين الاسلاميين وبينهم تنظيم "الدولة الاسلامية" مع انسحاب القوات الغربية من البلاد، وقال روبرت غرنييه المدير السابق لمكتب "سي آي ايه" في اسلام اباد والذي صدر له مؤخرا كتاب مذكرات ان البلاد قد تصبح ملجأ لجهاديي تنظيم الدولة الاسلامية الذين يحاربون في سوريا والعراق. بحسب فرانس برس.

ونشر مذكراته التي تحمل عنوان "88 يوما حتى قندهار" والتي يروي فيها تجربته الصعبة سعيا للاطاحة بنظام طالبان عام 2001 بعد اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر، وقال غرنييه في حفل نظم في معهد "نيو اميركا" للابحاث "ان الخطر المستقبلي بقيام ملاذ آمن في افغانستان قد يكون اكبر مما كان عليه قبل اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر".

واعتبر ان حركة طالبان الافغانية لن تكون مستعدة لصد حلفائها من طالبان الباكستانية او متطرفين اخرين مثل تنظيم "الدولة الاسلامية" في حال طلبوا تامين ملاذ لهم في افغانستان، واوضح "هناك مجموعات في داخل باكستان هدفها مهاجمة النظام في اسلام اباد، وهي لن تزول"، وبحسب غرنييه فان حركة طالبان تميل الى رؤية الاشياء بشكل مبسط وتتخذ قراراتها عبر السؤال "هل الامر يتوافق مع الاسلام ام لا؟"، وقال "لن يصدوا اشخاصا متحالفين معهم عقائديا عبر الحدود"، واضاف "لا اعتقد ايضا انهم سيرفضون ارهابيين دوليين في حال عادوا مجددا بأعداد كبيرة الى المنطقة".

ويروي المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية كيف ان طائرة اميركية فوتت استهداف زعيم حركة طالبان الملا عمر "بفارق 30 دقيقة" في العام 2001 وكيف ان الرئيس الافغاني السابق حميد كرزاي كاد ان يقتل عن طريق الخطأ في غارات اميركية، كما يتحدث في كتابه عن محاولة اخيرة للتفاوض على صفقة مع المسؤول الثاني في حركة طالبان في الايام التي تلت اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر للانشقاق عن الملا عمر، لكن المحاولة فشلت، واكد انه كان مشككا في نجاح محاولات رعاية محادثات سلام مع طالبان فيما لا يزال المتمردون يعتقدون ان بإمكانها الاطاحة بالحكومة والعودة لتولي السلطة في كابول. كما اعتبر ان الحركة غير مؤهلة لحكم سياسي او للمشاركة في الحياة البرلمانية.

واكد غرنييه الذي شغل مناصب اخرى ايضا في سي آي ايه قبل ان يترك الوكالة عام 2006، ان كتابه يروي كيف ربحت الولايات المتحدة بسرعة ما اسماه "اول حرب اميركية افغانية" عام 2001 وكيف "خسرت او بالتأكيد لم تربح الحرب الاميركية الافغانية الثانية"، ولكنه حذر في نهاية الكتاب من ان "اخطاء الماضي قد تتكرر حين يمكن ان نضطر مرة جديدة لخوض حرب اميركية-افغانية ثالثة"، واعرب عن خشيته من الا تنجح الولايات المتحدة ودول غربية اخرى في مساعدة كابول ماليا بعد رحيل جنود هذه الدول، ويقدم الكتاب صورة قاتمة عن نتيجة اكثر من عقد من الحرب ضد متمردي حركة طالبان، وقال "بعد انفاق مليارات الدولارات وخسارة ارواح، لم يتحقق الكثير ومعظم ذلك لن يستمر لما بعد رحيلنا" عن البلاد.

اضطراب المؤسسة العسكرية

على الصعيد نفسه قالت اللجنة الدولية للصليب الاحمر انها انتشلت أكثر من مثلي رفات المقاتلين من ميادين المعارك الافغانية في عام 2014 عن العام السابق مع اشتداد حدة القتال، ونقلت اللجنة الدولية للصليب الاحمر رفات 1372 مقاتلا لقوا حتفهم خلال العام الماضي مقارنة مع 620 في العام السابق.

وتنقل اللجنة وهي طرف محايد في الحرب القتلى والجرحى بصفة اساسية لقوات الامن الافغانية والمتشددين الذين يحاربونهم. وتستخدم القوات الاجنبية التي تقودها الولايات المتحدة - التي أنهت رسميا مهمتها القتالية في أفغانستان في نهاية عام 2014 - أجهزة الاخلاء والاجهزة الصحية التابعة لها في القيام بهذه المهمة. بحسب رويترز.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان عدد المقاتلين الجرحى زاد بأكثر من الثلث في العام الماضي وأرجعت الزيادة الى اشتداد العنف في المناطق النائية في أفغانستان الامر الذي حد من تلقي المدنيين الرعاية الصحية، وقال رئيس لجنة الصليب الاحمر في أفغانستان جان نيكولاس مارتي "مازال القتال الشديد والشرس الذي يتضمن انتهاكات خطيرة لقوانين الحرب مستمرا ويلقي بآثاره التي يتعين التنديد بها على السكان الافغان"، وقال في بيان "بالنسبة لضحايا الصراع فان الوضع ربما يتفاقم أكثر مع تراجع تمويل المساعدات الانسانية في البلاد".

في الوقت نفسه تعاني القوات المسلحة الأفغانية من عجز في الطائرات الجاهزة للقتال لدرجة أنها بدأت أواخر العام الماضي في تزويد طائرات نقل روسية الصنع طراز ام.آي 17 بمدافع آلية وصواريخ وأطلقت عليها اسم "الجرارات الطائرة" لتعزيز قوتها الجوية.

وتسعى القوات الجوية الأفغانية الوليدة جاهدة لتوفير الدعم الأساسي على الأقل في ظل تأخر وصول طائرات جديدة قادرة على قتال مسلحي حركة طالبان لأكثر من عامين وفي ظل تقديم المهام الجوية التابعة لحلف شمال الأطلسي الحد الأدنى من الدعم للقوات على الأرض حاليا.

وتقول القوات إنها بدون دعم جوي ستكافح لهزيمة العدو خاصة مع انتهاء مهمة عشرات الآلاف من القوات الأجنبية الداعمة لها، ويقوم حلف شمال الأطلسي بتدريب وتقديم المشورة لنحو 390 طيارا أفغانيا معظمهم لا يتمتع بخبرة قتالية تكتيكية كما وعد بتقديم عدد محدود من الطائرات وطائرات الهليكوبتر لتعزيز القوات الجوية الأفغانية التي لا تملك سوى نحو 140 طائرة معظمها طائرات نقل. بحسب رويترز.

وكإجراء مؤقت بدأ الأفغان في تزويد بعض طائرات ام.آي 17 التي يملكونها وعددها 86 طائرة بمدافع آلية عيار 23 ملليمترا وصواريخ عيار 57 ملليمترا لدعم خمس طائرات هليكوبتر هجومية أكبر من طراز ام.آي 35 هي كل الطائرات القتالية التي تملكها قواتهم الجوية، وقال الكولونيل عبد الشافي نوري قائد مجموعة الصيانة التابعة للقوات الجوية في إشارة لأسطول الطائرات المقاتلة الذي جرى تعزيزه وينبغي أن يضم نحو 30 طائرة "هذا ليس كافيا لدعم كل المهام".

بعد عقود من المساعدات الغربية لأفغانستان..هل تستمر المهمة؟

الى ذلك أشارت الوكالة الأمريكية للمعونة الدولية لرويترز إلى محمد نصير وهو مزارع في السبعينات من العمر كمثال على نجاحها في أفغانستان، ويكسب نصير أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط الأجر الوطني الذي يبلغ نحو 650 دولارا في العام وذلك بفضل الأموال الأمريكية التي غطت معظم تكلفة التعريشات الخرسانية التي ينمو عليها محصوله من العنب قرب كابول.

لكن برنامج الوكالة الأمريكية مهدد بعدم الاستمرار فور انتهاء عمل الوكالة هذا الشهر وذلك حسب قول أحد المتعاقدين معها. وكانت الوكالة تأمل ان تستمر المباني -ذات التكلفة العالية والتي شيدت كي تبقى- بالموارد المحلية إلا انه لم يتم بعد التأقلم على التقنيات الجديدة، وقال امان الله ساهاك المنسق الإقليمي لبرنامج التسوق الزراعي والبستنة التجارية "لا اعتقد انه سيكون من الممكن لهم (المزارعون) الاعتماد على أنفسهم".

وجرى انفاق أكثر من 100 مليار دولار على المساعدات في أفغانستان معظمها من الولايات المتحدة، والتهمت تكلفة إعادة بناء قوات الأمن نحو ثلثي التمويل الأمريكي ولم يتبق سوى عشرات المليارات من الدولارات للمشروعات المدنية. وتقول المنظمة الأمريكية لمراقبة إعادة البناء إن هذه الأموال لم تنفق في الأغلب بشكل جيد.

وقال المفتش العام المختص بإعادة إعمار أفغانستان "الأدلة تشير بقوة إلى أن أفغانستان تفتقر القدرة- المالية والتقنية والإدارية وغيرها- للحفاظ على ودعم وتنفيذ الكثير مما تم بنائه أو تأسس خلال اكثر من عقد من المساعدات الدولية".

وأدى الخطر الذي يمثله المتشددون إلى اعاقة التقدم. وبالنسبة لحالة نصير فإن التوجه من العاصمة إلى مزرعته وهي مسافة تقطعها السيارة في ساعة تعتبر رحلة محفوفة بالمخاطر بالنسبة للموظفين الأجانب العاملين لدى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وأصبحت المشكلة أكثر الحاحا مع انسحاب القوات الأجنبية من البلاد في نهاية العام وتراجع التمويل للبرامج وسط انهاك المانحين وكفاح الحكومة للتخلص من صورتها كواحدة من أكثر الحكومات فسادا في العالم.

وتركزت الجهود الرامية إلى وقف المساعدات عن البلاد على مشروعين بمليارات الدولارات لاستخلاص النحاس وخام الحديد. ولكن امام المشروعين سنوات قبل بدء الانتاج التجاري مما يقلل من فرص الحكومة لإعادة هيكلة الاقتصاد.

كانت أفغانستان تهدف إلى جمع نحو 30 في المئة من ميزانيتها لعام 2014 من الداخل لكنها بعيدة عن هدفها واضطرت إلى طلب إنقاذ مالي طارئ من المانحين في سبتمبر أيلول لدفع الرواتب، ومنيت جهود المساعدة لأفغانستان وهي واحدة من أكبر جهود المساعدة في التاريخ بإخفاقات مكلفة، وأنفقت قرابة 500 مليون دولار على 20 طائرة نقل لسلاح الجو الأفغاني لكن معظمها دمر هذا العام وتم بيعه كخردة لأن القوات المسلحة لم تتمكن من استخدامها وإصلاحها، ولا تزال امدادات الكهرباء في إقليم قندهار بجنوب أفغانستان -وهو نقطة ساخنة لجهود مكافحة التمرد- محدودة للغاية وتعتمد على المساعدات إذ لم يتم بعد تركيب توربين ثالث في سد كاجاكي لزيادة الانتاج. وفي 2008 نقل مئات الجنود حلف شمال الأطلسي أجزاء التوربين إلى السد عبر أراض خطيرة تسيطر عليها حركة طالبان لكن لم يتم تجميع الأجزاء بعد، وتقول الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إن الحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس أشرف عبد الغني الذي تولى المنصب في سبتمبر أيلول يمكنها تحقيق التقدم مع رحيل القوات الأجنبية بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب.

اضف تعليق