وهذه الأساليب الاعلامية تمثل مظهرا من مظاهر الظلم في هذا العالم، وشاهدا على عدم العدل فيه، وهي تهدد بانفجار الكثير من الصراعات، وزيادة حدة الكراهية في معظم أصقاع المعمورة، بل إنها تعطي المشروعية لهذه الكراهية، وتبرر عملية الاعتداء على ضحايا الصورة النمطية السلبية، وتجعل العدوان عليهم شيئاً مبرراً ومفهوماً...
تجسد أحداث القرن الواحد والعشرين، وما افرزته من ازمات وصراعات على المستويات كافة، واقعا لعالم شديد الفوضى كثير الحروب سواء اكانت حروبا نفسية او عسكرية أو ناعمة نتيجة اهداف الهيمنة وبراغماتية المصالح بين دول عالم الشمال او ما تسمى البلدان المتقدمة ودول عالم الجنوب او ما تسمى البلدان المتخلفة وهذا ما خلق نزاعات وصراعات مختلفة وفي الميادين كافة محليا واقليما ودوليا.
ان حصول حالة الصراع بين الدول ادت الى لجوء هذه الدول الى التعامل مع بعضها البعض بأساليب ووسائل عديدة ومتنوعة من اجل الوصول الى تحقيق الاهداف التي تصبو اليها في الايذاء والتحطيم المعنوي "النفسي"، عبر استخدام اساليب الحرب النفسية أهمها، الدعاية، الارهاب، الشائعة، التسميم السياسي وغسيل الدماغ، التي تذكي وترسخ ظاهرة الصراع الازلية والمتأصلة في النفس البشرية منذ بدء الخليقة.
إن الحرب النفسية التي توجهها الدول الكبرى نحو دول العالم النامي وخصوصية التعامل مع الدول العربية والاسلامية، ومع شبه الانفراد الامريكي بالقرار منذ تسعينيات القرن الماضي وحتى الوقت الراهن، تؤشر للمراقبين اساليب الحرب النفسية والتعامل النفسي بوضوح، بدءً من الضغط السياسي والاقتصادي ضمن الاطر الدبلوماسية وتحت غطاء وموافقة المنظمات الدولية كالأمم المتحدة لتمرير وشرعنة سلوكياتها وممارساتها ازاء الدول، وصولا الى التهديد العسكري مع الاستعانة الكبيرة "بوسائل الاعلام" واعتماد البحوث النفسية والاقمار الصناعية في بث مضامين ترسخ اساليب الحرب النفسية والتأثير في الرأي العام الدولي لتحقيق اهدافها.
وفي ضوء التقدم الكبير الذي تشهده الساحة الاعلامية العالمية وخاصة المؤسسات الكبرى على غرار cnn، bbc، فرانس برس، رويترز وغيرها، وقدرتها على صناعة الرأي العام، تم توظيف اساليب الحرب النفسية في وسائل الاعلام، ولعل اهم هذه الاساليب الموظفة في الاعلام هو "الدعاية" وللمتخصصين تعاريف معاصرة متعددة عن الدعاية أبرزها تعريف دكتور حامد ربيع أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية: يرى بأن "الدعاية هي صورة من صورة الاتصال الذي يختلف عن الاتصال العادي بنقله الحقيقة الاخبارية، فهي تخلق جواً مشحوناً من العواطف والانفعالات، فاذا بنوع من الضباب يسيطر على المنطق الذاتي دون وعي من جانبه يخفي الرؤية الحقيقية ويقود الى نتائج غير صحيحة"، وللدعاية بمختلف اساليبها وظيفة اعلامية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة تهدف الى ترسيخ سلوكيات معينة او تغييرها وفق تخطيط دقيق ومؤثر ومقنع، لذا عمدت وسائل الاعلام العالمية الى استخدام الدعاية بطرق متنوعة لترويج وترسيخ اجندتها وتحقيق اهدافها.
كذلك للدعاية اساليب كثيرة ومتنوعة يلجأ اليها القائم بالاتصال عبر وسائل الاعلام والاتصال بشكل عام، من أجل تحقيق اهدافه في التأثير بالجمهور وتغيير آرائه ومواقفه وسلوكياته، ووفق ما يتناسب مع طبيعة الجهور وعاداته ومشكلاته وآرائه ومعتقداته، ولعل من اساليب الدعاية الاكثر استخداما في وسائل الاعلام حاليا، هو "اسلوب القولبة والتنميط" إذ تلجأ وسائل الاعلام الى تقديم وجهات نظر اصحابها الخاصة في كل شيء مثل حرص وسائل الاعلام الغريبة على تقديم صورة المسلم بصورة رجل متخلف، نهم، مزواج، قاسي الملامح غريب السلوكيات، وفي السنوات الاخيرة، استخدمت وسائل الاعلام الغريبة اسلوب القولبة والتنميط لإظهار المسلم ارهابيا مدمرا لكل حضارة وتطور ومنغلقا على نفسه ولا يجيد التعايش مع الاخر.
أو في صورة المرأة المتشحة بالسواد وتجلس في مقعد السيارة الخلفي، وبتكرار الصورة، يغدو الاسلام مرتبطاً في ذهن الغربي بكل الصفات السلبية التي تستنبطها تلك الصورة الذهنية المستخدمة عبر الاعلام بدعاية مقولبة، دون البحث في حقيقة ما جاءت به الشريعة الاسلامية من مبادئ سامية تراعي حقوق الانسان، وتعمل على تشييد دولة مدنية تسودها المساواة والعدالة والرفاه.
ان القولبة والصورة النمطية وفقاً للدراسات الدعائية والإعلامية تعني ما يأتي (1):
1. إن مفهوم الصورة النمطية (Stereotype) مفهوم مستعار من عالم الطباعة، ويعني الصفيحة التي تستخدم لإنتاج نسخ مطابقة للأصل.
2. تم استخدام هذا المصطلح ليصف ميل الإنسان إلى اختزال المعلومات والمدركات، ووضع الناس والأفكار والأحداث في قوالب عامة جامدة، بحيث يمثل رأياً مبسطاً، أو موقفاً عاطفياً، أو حكماً متعجلاً غير مدروس، يتسم بالجمود وعدم التغير.
3. تصنيع الصورة النمطية (Stereotype) هي عملية إعلامية متعمدة مخطط لها، لاختزال وتبسيط مخل للصورة العامة لشخص، أو جماعة، أو فئة اجتماعية، أو شعب، بحيث تختزل في مجموعة قليلة من السمات، تستدعي ردود أفعال معينة من الجمهور.
4. إن القولبة وتصنيع الصورة النمطية السلبية تحدث نتيجة تشويه متعمد للحقائق، والتعميم المفرط، وبعضها غير مستند إطلاقا إلى الواقع، وهي من أخطر ما تقوم به وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري، ومن أشد أشكال الظلم الذي يتعرض له البشر في هذا العصر.
5. تزداد تعقيدات مشكلة القولبة والتنميط وخطورتها لأنه لا مجال للأفراد لاختبار سمات أية صورة نمطية أو التحقّق منها من خلال الخبرة الشخصية، لأن وسائل الإعلام أصبحت هي المصدر الرئيس لكل أفكارنا وتصوراتنا، عن الدول والشعوب والثقافات والديانات.. الخ.
إن توجيه وسائل الإعلام للمعلومات هي إحدى أهم الطرق المؤثرة على تكوين الصور لدى أمة عن أمة أخرى، اذ إن عملية اختيار المعلومات المتناثرة من بحر المعلومات لتكوين الصور عن أمة لدى أمة أخرى هي عملية مهمة لسببن:
أولاً: لان هذه المعلومات المتناثرة يختارها القائمون على الصحف حسب أهوائهم السياسية، الأمر الذي يزيد من التغيير على الصورة المشوهة أصلاً.
ثانياً: تدعي هذه الصحف إنها تلعب دوراً تثقيفياً بين الجمهور.
وبهذا تعد وسائل الإعلام من أهم المصادر الرئيسية للمعلومات عن الدول الأجنبية والأحداث العالمية، فهي تنقل لجمهورها أخباراً ثم تخلق صوراً لديهم عن دول العالم من خلال عرض وجهات النظر والصور والعناوين، والتي من شأنها ان تؤدي الى خلق وتدعيم صور ذهنية ليس فقط عن الدول التي تصدر منها ولكن لكثافة الدول أيضاً، مما يجعلها تؤدي دوراً مهماً في حياة الدول والتعبير عن دورها في الأنظمة السياسية ومكانتها في صراع الحضارات ومواقفها من القضايا والمشكلات على الساحة الدولية.
اذ تؤدي وسائل الإعلام دوراً رئيسياً في خلق الصور الذهنية في أذهان الجماهير، فهي النافذة التي تطل من خلالها الجماهير على العالم وعلى الأحداث المحلية والدولية، لأنها الامتداد الطبيعي لأبصارنا وأسماعنا على حد قول مارشال ماكلوهان. كذلك تقوم وسائل الإعلام الجماهيرية بتضخيم هذه الصور بدرجة كبيرة وبطبعها بقوة في الأذهان إلى درجة أن القارئ أو المستمع أو المشاهد يشعر في أحيان كثيرة انه التقى فعلاً بالشخصيات التي تتناولها وسائل الإعلام على الرغم من انه لم يقابلها قط (2).
وعليه تكمن خطورة القولبة والتنميط الاعلامي في ترسيخ الصورة النمطية السلبية التي تقوم وسائل الإعلام بتصنيعها ورسمها لبعض الشعوب والثقافات والأعراق، وبعض الجماعات ذات الأصول الجغرافية والقومية واللونية، وكذلك في بعض الاتجاهات السياسية والفكرية، وهذه الأساليب الاعلامية تمثل مظهرا من مظاهر الظلم في هذا العالم، وشاهدا على عدم العدل فيه، وهي تهدد بانفجار الكثير من الصراعات، وزيادة حدة الكراهية في معظم أصقاع المعمورة، بل إنها تعطي المشروعية لهذه الكراهية، وتبرر عملية الاعتداء على ضحايا الصورة النمطية السلبية، وتجعل العدوان عليهم شيئاً مبرراً ومفهوماً؟!
اضف تعليق