المنظر مهيب وهو في ذات الوقت مدعاة للتساؤل كما في كل عام: ما الطاقة التي يمتلكها هؤلاء السائرون إلى كربلاء؟ وما سر توهج هذه القضية عامًا بعد عام حتى وصلت إلى العالمية بل تخطتها؟ وعمّاذا يبحث الأنصار في زيارة الأربعين؟...

في زيارة الأربعين من صفر في كل عام تتجدد مشاهد السير إلى كربلاء الحسين (عليه السلام). فالملايين ممن يواصلون المسير إلى كربلاء أيامًا وليالٍ طوال، لا يعرفون لليأس معنى ولا للتعب عنوان. أطفال ونساء وشيوخ وأناس معاقون يملأون الطرق المؤدية إلى الجنة، وكأنهم ينتظرون الجائزة عند خط النهاية.

المنظر مهيب وهو في ذات الوقت مدعاة للتساؤل كما في كل عام: ما الطاقة التي يمتلكها هؤلاء السائرون إلى كربلاء؟ وما سر توهج هذه القضية عامًا بعد عام حتى وصلت إلى العالمية بل تخطتها؟ وعمّاذا يبحث الأنصار في زيارة الأربعين؟

المتتبع بعين منصفة لزيارة الأربعين على وجه التحديد يلاحظ وفي كل سنة جهودًا استثنائية يبذلها الشيعة الموالون للحسين وأهل بيته الأطياب سلام الله عليهم أجمعين. هنا جموع غفيرة سائرة رغم تقلبات الطقس وحجم الأذى الذي يسببه ذلك، وهناك مواكب وهيئات وخدم في منازلهم يتهيئون للزيارة ويعدون لها وكأنها المناسبة التي لم تتكرر، ولسان حالهم يقول: "هنيئًا لمن كُتب له الخدمة في الأعوام القادمة". فلا وصف لما يحصل لأننا سنضعفه أو أننا لم نُوفِهِ حقه حين نريد وصفه على طريقتنا البشرية القاصرة.

المُذهل في الأمر أن حجم السخاء الذي يولد من رحم هذه المناسبة العظيمة قل نظيره في كل أيام السنة، سخاء على مستوى الأموال والممتلكات، سخاء على مستوى المجهود البدني الذي يُقدم عبر الموالين. وكل ذلك يُنمُّ وبالدليل على أن روحًا أخرى تتلبس بأجسادهم في هذه الأيام غير تلك الروح العادية التي تسيرهم. فرغم كل ما يُكتب ويُقال للتبيان، يبقى تفسير الأمر مبهمًا أو أنه منقوص التفسير والبيان.

ما الذي يبحث عنه الشيعة في الأربعين؟ في الأربعين يبحث الشيعة عمّا هو أثمن من المردودات المادية البسيطة، مهما كثرت أو قلت تبقى ذات قيمة صفرية. ومن أهم ما يبحث عنه الشيعة في زيارة الأربعين هو:

أول ما يبحث عنه الشيعة في زيارة أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء هو الدروس والعبر من ثورة الإمام الحسين.

حيث يبحث الجميع ممن يشارك في إحياء الشعيرة، وعلى كافة صنوفهم، عن فهم أعمق لأسباب ثورة الإمام الحسين، والدروس المستفادة منها في مواجهة الظلم والفساد، والتمسك بالحق. وهو ما يجعلهم باحثين عن المعنى الروحي لها، وبالتالي يطوعون تلك الخبرات ويستثمرونها في مواقفهم الحياتية المعاصرة. فليس منطقيًا المرور على قضية عاشوراء برمتها على أنها قضية تاريخية، بل هي قضية روحية ووجدانية قائمة حتى ساعتنا التي نحن فيها.

كما يبحث الشيعة في زيارة الأربعين عن المشاركة في التجمع البشري الأكبر على مستوى العالم. إذ تعتبر زيارة الأربعين أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، مما يجعلها فرصة للتفاعل مع الآخرين وتبادل الخبرات والتجارب أو تبادل الثقافات بين البلدان، وهي فرصة إنسانية كبيرة للتقارب النفسي بين أجناس البشر وصنوفهم، مما يقوض دائرة العنصرية والتطرف وينبذ التمييز والتعالي والكبر.

ثم إن الشيعة في زيارة الأربعين يبحثون عن التعبير عن الولاء للإمام الحسين (عليه السلام) على اعتباره أحد أساسات ودعائم هذا الخير الذي يعيشونه في زمن الظلمات وابتعاد الإنسان عن الحق. فيمثل المشي في زيارة الأربعين تعبيرًا عن الحب والولاء للإمام الحسين، والتأكيد على استمرار نهضته. أما الخادمون، فإنهم يبحثون عن ذات الغاية لكنهم بطريقة مختلفة عبر تقديم الخدمات للزائرين.

أخيرًا، يبحث الشيعة في زيارة الأربعين في كل عام عن التقرب إلى الله عبر التواصل الروحي مع الإمام الحسين (عليه السلام). حيث تمثل الزيارة فرصة عظيمة للتأمل والتفكر في قيم ومبادئ الإمام الحسين (عليه السلام)، والسعي للاقتراب من الله من خلال التمسك بتعاليمه وأخلاقه. وهنا في نهاية ما كتبنا، أجبنا عن سؤالنا المحوري والذي هو: عن ماذا يبحث الشيعة في زيارة الأربعين؟

اضف تعليق