q
كـيـف تتحقق الــوحــدة الوطنية؟ والحقيقة التاريخية والآنية تقول يتم تحقيقها بتوجه النخب الثقافية والمجتمعية إلى التجرد من الماضي الكريه والقيام بصيغ التنسيق الميداني، لخلق أجواء التعايش السلمي والأخوي بين أبناء الوطن الواحد، وبهذا الإطار أي إطار التنوع القومي والديني والطائفي والثقافي الاثني، وذلك لأن ضعف الوعي للذات الوطنية...

مع ادراك حقيقة المجتمع العراقي بأنه مجتمع شرق أوسطي فريد في تكوينه البنيوي، فهو مجتمع متعدد القوميات والأعــراق والأديــان والمــذاهــب والنحل ويحمل بـين طياته أرثـا حضاريا وثقافات عديدة تمتد لآلاف السنين ما قبل التاريخ، أي أن الحضارة العراقية تعد من الحضارات الأصلية، وهي مرجع حضارات العالم، وداخل هذا المجتمع وطوال هذا الزمن تناغم التآلف والتكامل الوطني والإنساني بين افراده، بحيث صار مستوعبا هذا التباين في رسـم مسارات أخلاقية ذات نفع عـام.

هذا الامر يجعلنا امام حقيقة تاريخية، اذا حاولنا جادين وضـع الحلول للتخفيف من الصراع السياسي وأثـاره المدمرة للبنية الاجتماعية، والحقيقة تقول: إن الـذات العراقية تاريخيا مأزومة بالصراعات المستديمة، ولا سيما في عصرها الحديث، حتى غدت مركز التقاطع الستراتيجي، الذي تمحورت حولها الصراعات السياسية والاقـتـصـاديـة، والإقليمية منها والدولية لماذا؟، لان الإنسان العراقي كان وما زال مستهدفا من قبل الطامعين في خيراته، سواء كانت المادية أو المعنوية.

لذا حاول هؤلاء الأعداء في تربص داخلي أو خارجي، إقليمي أو دولي من اجل إضعاف النفسية العراقية، وجعلها مشلولة الإرادة الوطنية، ومحاولة فك البنية الاجتماعية، وحينما نقول في المعالجات، فإن أولـى هذه المعالجات الآن ونحن امتلكنا مفردات الإرادة الوطنية بعد سقوط صنم الدكتاتورية، وظهور دستور متفق عليه، والثالث تنامي الوعي الوطني الشبابي، هي الاهتمام النخبوي والمجتمعي بأهمية النهوض النوعي لتي ذكرناها سلفا، كي نصل لواقع مثالي تسوده عوامل التعاون والوئام والوحدة، وعندما ندرك الأسباب والمعالجات، نكون قد جعلنا أمامنا صـورة الدولة المتماسكة وخلق المجتمع الموحد، اما المعالجة الثانية فتتمثل في الدستور والحكومة الوطنية المنتخبة وفق هذا الدستور، فلا بد أن تكون تحت ظل هذه الظروف غير الطبيعية في تكاتف مع الشعب، كي تكون سدا منيعا لكل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وأن تكون ولاءات الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة في الساحة محصورة بالدالة الوطنية، بحيث يكون الضابط لها هي التشريعات وأنظمة الدولة، وفق الدستور الــذي اقــر بـالـعـراق المتنوع ألفسيفسائي..

إذن الــتــســاؤل هــو كـيـف تتحقق الــوحــدة الوطنية؟ والحقيقة التاريخية والآنية تقول يتم تحقيقها بتوجه النخب الثقافية والمجتمعية إلى التجرد من الماضي الكريه والقيام بصيغ التنسيق الميداني، لخلق أجواء التعايش السلمي والأخوي بين أبناء الوطن الواحد، وبهذا الإطار أي إطار التنوع القومي والديني والطائفي والثقافي الاثني، وذلك لأن ضعف الوعي للذات الوطنية وبروز حالات الظلم الاجتماعي المتبادل وتفشي أنماط الطبقية وانعدام الشفافية وقلة الوعي بالصالح العام، يقود لا محالة إلى الصراعات المؤدية لتمزيق الوحدة الوطنية والمجتمعية.

ومن خلال قـراءة الساحة السياسية في ظل التغيير الديمقراطي الحادث في البلاد، يتبين لنا نوعان من الصراعات هما: صراع إيجابي خلقته أنظمة الحكم الديمقراطية بدالة التنافس الانتخابي، والثاني صراع سلبي وهو صراع قاتل لا محالة، وحالما نعمد إلى زيادة كفة الصراع الايجابي، لا بد لنا من الاعتماد على هي: الأول القيام ببناء دولة مدنية دستورية ديمقراطية عادلة، تضمن استحقاقات المواطنة في حقلي الحقوق والواجبات، والمسند الثاني وهـو القيام ببرامج التنمية بمعناها الإنساني والمادي، ويشمل الأخلاقي والمجتمعي والسياسي والاقـتـصـادي والثقافي والعلمي والصحي، وحينما تكون هـذه التنمية، فهي كفيلة بقبر الصراعات المتأتية من بؤر التخلف والأمـيـة والجهل والفقر والمــرض والحاجة، وهـذه تسمى صراعات تحتية لا تستقيم مع مشروع الوحدة والسيادة والاستقرار، وبالتالي لا بـد مـن الـشـروع لإرســاء ثقافة مجتمعية، يسودها التسامح والـسـلام وإرســـاء ثقافة الحوار.

إذن الصراع الايجابي لا بد أن يتخذ الورقة الانتخابية سلاحا له بدلا من البندقية، والكلمة اللائقة والفكرة الهادفة والحوار بدلا من اللعن والتآمر والإقصاء، ومن جملة هذا ستتجذر اللحمة الاجتماعية وتتخلق الرؤى السياسية باتجاه المواطنة وإشاعة الاطمئنان بين الناس، والتي يتكفلها القانون المفعل من دستور الدولة.

ومن هذا نكون قد حاولنا إعادة بناء المواطن العراقي وتأهيله، باتجاه المواطنة الصالحة المفعمة بالحيوية والنشاط وحب الــوطــن والإخــــلاص فــي الـعـمـل، وبالتالي فالخلاصة في بناء الدولة الديمقراطية المدنية، هي أن تقوم على ركيزتين: الأولى الدستور مركز توالد القوانين، والثانية وضع المواطن والمواطنة كركيزة مهمة في بناء النظام الديمقراطي، وبهذا تـزداد متانة الوعي بضرورة بناء دولة ديـمـقـراطـيـة، ينعم تحت ظلالها الجميع بالعدالة والمساواة واجتثاث عوامل الفساد، وغيرها من أمـراض المرحلة السابقة، وهذا بــدوره يسهم فـي تخفيف حــدة الصراعات السلبية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق