حينما نتحدث عن التحول الجديد في سوريا، لا بد من تحديد هوية الشعب السوري الوطنية، كون هذه الهوية تشكلت عبر مئات السنين، وساهمت في هذه الصيرورة كل مكونات الشعب بتنوعه العرقي واللغوي والديني، وباعتبار هذه الهوية دالة تلم أطياف الشعب، تحت خيمتها، فلا مناص منها...

حينما نتحدث عن التحول الجديد في سوريا، لا بد من تحديد هوية الشعب السوري الوطنية، كون هذه الهوية تشكلت عبر مئات السنين، وساهمت في هذه الصيرورة كل مكونات الشعب بتنوعه العرقي واللغوي والديني، وباعتبار هذه الهوية دالة تلم أطياف الشعب، تحت خيمتها، فلا مناص منها، وفي حقيقة سوريا التاريخية، ان نظام الأسد لم يسهم في ترسيخ هذه الهوية.

ومن هنا فإن جميع المكونات السياسية والاجتماعية السورية أمام اختبار تاريخي، وكي تنجح في تقديم مصلحة بلدها وشعبها ومستقبلها وتدفع باتجاه نجاح هذه المحطة التاريخية الفاصلة في التغيير، عليها التخلص من المصالح الضيقة، والاتجاه بترسيخ الهوية الوطنية قولا من خلال الدستور المزمع تقديمه، وعمليا من خلال التخلي عن المصالح الضيقة الحزبية، أو الفئوية، أو القومية، أو الطائفية، أو المناطقية، كما حدث في أكثر من دولة عربية.

ولا ننسى أن هذا الشعور الوطني السوري صار ثانوياً، لسببين: الأول بسبب ممارسات نظام الأسد، والثاني بسبب الانتماءات الجغرافية والدينية والعرقية من جهة أخرى، مما عمّق الحاجة إلى هويات ثانوية ما تحت وطنية، فصارت العشائر على الحدود مع العراق والأردن، على سبيل المثال، تولي العشيرة أهمية أكبر، وصار الأكراد والدروز والشركس، يبحثون عن ولاءات إقليمية تجعلهم يشعرون بالانتماء في ظل ضعف الهوية الوطنية الجامعة. 

وفي السياق نفسه، صار المسيحيون يشعرون بأن دولاً بعينها، قد تؤمن لهم الحماية، وكذلك ظن السنة بدول الخليج وغيرهم، فعلى الذين يتصدون الآن لحمل عملية التغيير، أن يكون همهم المشترك الأوحد، هو بناء دولة مدنية تعددية تضمن الحريات للجميع، وترعى حقوق جميع المواطنين بوصفها دولة مواطنة، توفر لكل أبنائها الأمن والرعاية والفرص المتساوية، والتي تشكل نقيضًا للاستبداد والحكم العسكري والشمولي، وهي قضية مشتركة في الفكر الإسلامي والوطني والعلماني.

وغير هذا المبدأ المهم سيشكل مدخلًا للكثير من القوى الداخلية والخارجية، لتعطيل التجربة، وقد تقود إلى تمزيق سوريا والحيلولة دون تعافيها وانتقالها لمرحلة جديدة، فنجاح السيد أحمد الشرع وفريقه في التعامل مع هذه القضية، أمر حاسم في عبور سوريا الآمن، نحو المستقبل، وحينما يتحقق هذا في سوريا، سوف تقدم لكل وطني غيور في الدول المجاورة تجربة ناجحة، تفتح لهم باب الأمل من جديد، وهو ما يضاعف من المسؤولية الملقاة على عاتق المسؤولين في سوريا. 

ونحن ندرك أن لسوريا مكانة خاصة في فكر ووجدان كل عربي، سواء كان علمانيًا، أو قوميًا، أو إسلاميًا، فلتتلاقى كل الآراء الحرة أن الهوية الغالبة الجاذبة لكل الهويات الفرعية، هي الهوية الوطنية، مع الاعتراف بكل الهويات الفرعية باعتبار وجودها عافية للنظام الجديد، ومن خلال الهوية الوطنية بإمكان التجربة الجديدة كبح جماح التطرف، والمصارحة في تطوير هذه التجربة الخاصة بالتدافع والتنافس والنقد الإيجابي، فالثورة قامت أصلا لمنح الناس حريتهم كاملة، والحرية هي القيمة العليا، التي تحرك الناس من أجلها، وهي المبرر الذي منح الثورة شرعيّتها. 

وعليه فإن إعطاء الجماهير حرية المفاضلة بين البرامج والأحزاب والجماعات، هو حق وواجب، وبتجربة بناء الهوية الوطنية، أنها سوف تعصم الجميع من الوقوع في فخّ ادّعاء التفرد والاستثنائية، ومن هنا يجب الاستفادة من تجارب الربيع العربي، ومحاولات التغيير خلال العقد الماضي، وإبداء الجدية في العمل مع الجميع، والاستفادة من كل الطاقات، وعدم الإقصاء، كما اسلفنا، وتحصين الداخل بمكوناته المختلفة من التدخلات الخارجية، والاصطفافات الإقليمية، والحقيقة هناك أمراض أخرى منها التفرد والتفرق والانتهازية، والأحكام المسبقة، والفجور في الخصومة السياسية، والاستعجال في قطف الثمار المتوقعة، أو المتوهمة، كل ذلك بموازاة قلة الخبرة والتجربة السياسية، التي عانى منها الجميع، في ظل الدولة الشمولية لعقود طويلة، يجب التخلص منها، ليكون الاتجاه لبناء الدولة المدنية، ذات الهوية الوطنية. 

كما نحاول إدراك النفاق الغربي في تعامله مع أي تغيير يحدث في دول العالم الثالث، ولا شك أن الغرب يتدخل من خلال ملفات المرأة، والأقليات، وحرية التعبير وغيرها، وهي قضايا في غاية الأهمية والحساسية، وعلينا في العالم العربي والإسلامي، أن ننتج فلسفتنا ومفاهيمنا وقيمنا وآلياتنا الخاصة في التعامل معها، والتي تعبر عن قيمنا ومفاهيمنا القادرة على إنتاج مقاربات حضارية مع هذه القضايا وغيرها.

اضف تعليق