إسلاميات - اهل البيت

الامام الرضا (ع) وصفات القائد الرباني

الإِمَامُ عَلِيُّ الرِّضَا (ع) وَمَشرُوعُ قِيَادَةِ الأُمَّة الإِسلَامِيَّة (2)

القائد الرباني هو المعصوم المطهَّر من الذنوب. هو الذي لا عيب فيه فهو مثال للصفاء والنقاء بل هو أطهر من ماء السماء. هو العالم بالعلم اللدنِّي ومخصوص بالعلم من الله تعالى فلا يتعلَّم من أحد بل هو يعلِّم الناس العلوم. هو الذي يتمتع بأعلى ويتصف بأحلى صفات الفضل والأخلاق...

وُلد الإمام الرِّضا (ع) في المدينة المنورة في 11 ذي القعدة 148 هـ (1 يناير/ كانون2 - 766م)

مقدمة إمامية

القيادة هي رأس الأمة ويطلق عليها في أدبيات الدين الإسلامي الحنيف: الإمامة، أو الولاية، وهي كما قال أعلامنا الكرام: "هي تقدم شخص على الناس على نحو يتبعونه ويقتدون به"، أو هي بتعريف أكبر "زعامة ورئاسة إلهية عامة على جميع الناس، وهي أصل من أصول الدِّين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وهي لطف من ألطاف الله تعالى، إذ لا بدَّ أن يكون لكل عصر إماماً وهادياً للناس، يخلف النبي (صلى الله عليه وآله) في وظائفه ومسئولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم ودنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم"، فالقيادة ليست هي الخلافة والسلطة الزمنية بل هذه تمثل جانباً تنفيذياً فقط إن كان الإمامة حاكمة والإمام مبسوط اليد ومطاع في الأمة ولديه كل السلطات التي تمكنه من الحكم بالعدل وتنفيذ الأحكام أيضاً.

وهنا مكمن الاشتباه والاختلاف في الأمة الإسلامية التي انقسمت وتفككت وتشتت وتشرذمت نتيجة هذا الخلط بين المفاهيم حيث أنهم حرَّفوا الكلم عن مواضعه، وأولوا الآيات والروايات بما يخدم أصحاب السلطة القرشية رغم أنهم يعلمون علم اليقين أنهم يخالفون قول الله ورسوله ولكن يحتجون بأحاديث اخترعوها أو حرفوها عن لسان رسول الله (ص) كقولهم: (اسْمَعُوا وأَطِيعُوا وإنِ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ)، (البخاري: ح693)

والعجيب أنهم يروون قول الحاكم الأول من سلاطين قريش: (أن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني مغضباً فاحذروني، لا أقع في أشعاركم وأبشاركم)، أو (ألا وإن لي شيطاناً يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني، لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم)، (الطبقات الكبرى: ج3 ص212)، أو (أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، وعليٌّ فيكم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني)، فهل يمكن أن يكون مثل هذا الرجل قدوة وأسوة للناس ومؤتمناً على أديانهم وأموالهم وأعراضهم وهذا حاله حيث أنه يعترف أنه يكون في بعض الأحيان مطية للشيطان فيقع في الأبشار بالجلد وربما في الأشعار أي بالقتل، فهل نبرر له ذلك بما كانوا يبررون به للسلطة القرشية بأنه مؤدِّب، وهل المؤدب يقتل مَنْ يؤدِّبه يا عقلاء الدنيا؟

الإمام القائد حقيقة

وهنا من الطبيعي أن نسأل: فمَنْ هو القائد الحقيقي، والإمام الذي يقود الأمة الإسلامية ولا يقع في أبشارها وأشعارها، أو تسقط الحوامل أجنتها رؤيته من شدَّته وغلظته المعروفة المعهودة التي طالما عانى منها رسول الله (ص) في حياته الشريف؟

ومَنْ هو الإمام القائد الذي يُنعش البلاد بعدله، والبلاد بقسطه، وينعم الجميع في دولته ورعايته؟

ومَنْ هو القائد الذي يحبه شعبه حدَّ القداسة، ويطيعونه بكل حماسة، ولا يخافون جوره لأنه عدل مع أقرب الناس إليه كأخيه وولده ونفسه التي بين جنبيه؟

ومَنْ هو القائد الذي تكون طاعته هي طاعة الله ورسوله لأن أمره لا يكون عن الهوى والشيطان الذي يعتريه؟

هذه الأسئلة وكثير غيرها مما يخطر على بال العاقل المنصف ولا يجد لها جواباً لأنه لا ولن يجد لها مثالاً بعد رسول الله (ص) إلا في وصيه وأهل بيته الأطهار الأبرار الذين هم الثقل الأصغر وعد القرآن الحكيم الثقل الأكبر فقط فأي منهم يدَّعي غير ذلك فإنه يكذب ويدَّعي ما ليس فيه ولا له من حكام المسلمين لأنهم غرقوا في الذنوب والآثام في الجاهلية الأولى حيث عبدوا الأصنام والأوثان، وبعد توليهما السلطة والحكم خاضوا في الحرام بكل أنواعه وأشكاله لأنهم يجهلون الأحكان ولا يعرفون حدود الحلال والحرام.

الإمام والقائد الرَّباني 

الإمام الرباني والقائد الرحماني هو الذي بيَّنه أهل البيت الأطهار في أحاديثهم وأقوالهم لا سيما الإمام الثامن من أئمة المسلمين علي بن موسى الرضا (ع) في حديثه مع عبد العزيز بن مسلم حيث يقول له فيه بعد بيان الإمامة وموضعها في الدنيا والدين الحنيف: (بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَتَوْفِيرُ الْفَيْ‌ءِ وَالصَّدَقَاتِ وَإِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ)، هذه منظومة العبادات في الشريعة الإسلامية المطهرة فهل يعرفها الناس أو تقام بحدودها وتفاصيلها إلا من قبل العالم بها، بل وأصول العقائد الحقَّة لا تقام وتعرف إلا بالإمام الحق كما قال الإمام الرضا (ع) لعلماء وأهل مرو حين مرَّ بهم وحدَّثهم بحديث السلسلة الذهبية، أو سلسلة الذهب، حيث قال: (سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ اَلْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي اَلْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَقُولُ: سَمِعْتُ اَلنَّبِيَّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) يَقُولُ: سَمِعْتُ اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي)، قَالَ: فَلَمَّا مَرَّتِ اَلرَّاحِلَةُ نَادَانَا: (بِشُرُوطِهَا وَأَنَا مِنْ شُرُوطِهَا). (عيون الأخبار: ج۲ ص۱۳۵)

والإمام الحق هو الذي يعرف الأحكام بتفاصيلها، ويدعو إلى الله بدعوة رسول الله (ص) تماماً برأفة ورحمة ومحبَّة وإحسان لا بفظاظة وغلظة وعدوان، ولذا يقول الإمام الرضا (ع): (الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ وَيُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ وَيُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ‌ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ)، والداعي إلى الله يجب أن يتخلَّق بأخلاق الله لا أن يتخلَّق بأخلاق الشيطان أو يكون له شيطاناً يركبه ويعتليه، أو يكون داعياً إلى جاهلية أو عصبية أو شخصية أو قبلية وعشائرية، وإلا فكيف يكون حجة لله بالغة؟

وأما حقيقة الإمام فهو عصي على الأفهام لأن: (الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ، الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِيرُ، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى‌، وَأَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَالْقِفَارِ وَلُجَجِ الْبِحَارِ)، فحقيقة الإمام أنه كالشمس الساطعة في أفق سماء الدنيا كلها فهو النور والضياء وإليه يعود الخير والبركة والنماء ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها، وهو الهادي للبشر في كل مكان وبدونه يضلون ضلالاً بعيداً ولا يهتدون سبيلاً سواء كانوا في البرِّ أو البحر.

و(الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى)، فهو كالماء بالنسبة للأرض، بل لولاه لما قطرت السماء، ولا اهتدى أحد لربه، ولا نجى منهم أحد من الهلكة، لأنه كالماء العذب للأرض العطشى فهو سبب وأصل حياتها وأحيائها.

و(الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ‌ الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ، وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ)، فهو كالنار لطالبها ومحتاجها، وهو الديلي في الظلمات الحالكات، ولذا فمَنْ يفارقه هالك لا محالة. 

و(الْإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ‌، وَالشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ)، فهو كالغيوم المحمَّلة بالرحمة وهو غيث وغياث أهل الأرض، وهو نوره كضوء الشمس يعطي الدفأ والضياء اللازم لحياة الأحياء، وهو كالسماء التي تحمي الأرض من النيازك والأرض المنبسطة التي يسهل العيش فيها وعليها لا سيما إذا كان فيها أنواع العيون والغدران وتُشكِّل الرياض الجميلة.

دور القائد في المجتمع 

والقائد يجب أن يلاحظ مصلحة الناس الذين يقودهم، وهو في الدين ذلك الرمز الذي يربي الناس ويعلمهم ويؤدِّبهم لكيلا يجهلوا، لأن الدِّين -كل دين ودعوة سماوية- له صبغة اجتماعية ويلاحظ المصلحة العليا للمجتمع قبل أن يلاحظ المصلحة الشخصية للأفراد كائناً مَتْ كانوا، ولذا قال الإمام الرضا (ع) مبيِّناً دور ومكانة القائد في المجتمع فقال: (الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ)، فهو رفيق لطيف وخفيف على الناس، وهو كالوالد الرؤوف -ومن ألقاب الإمام الرضا (ع)؛ الرؤوف- الذي يحب ويخاف على أولاده من أي أذى يصيبهم، وهو كالأخ الشقيق أي من الأب والأم، بل هو كالأم الرحيمة بالولد والطفل الصغير، فكم هذا التشبيه يحتاج منا إلى تفكر وتأمل حقيقة؟ ولذا هو مفزع هؤلاء -أي المجتمع- عندما تحلُّ بهم داهية أو تصيبهم مصيبة ولا مأوى لهم غيره.

دور القائد في الدِّين

القائد يجب أن يكون له دور أساسي في الدِّين لأنه منصوص عليه ومنصوب من الله لهذا المنصب الحساس، فهو خيرة الله من خلقه، ولذا دوره أساسي في حياة الناس الدينية، لأن (الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى اللَّهِ، وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ)، فهو أمين الله وليس أميه الأمة على باطلها كحفار القبور، وهو حجة الله الذي يحتج به عليهم ولا حجة لأحدهم عنده بوجوده المبارك لأنه يكون القدوة والمثال لهم في كل شؤونهم وحياتهم، فهو الخليفة حقاً وليس ذاك الذي يعتريه الشيطان، أو يتلاعب به إنسان مثله ويقلِّبه عن رأيه كل لحظة كما كان مروان الوزغ في حينه، كما أنه يجب أن يكون من أهل العلم والدعوى إلى الله تعالى، لا أن يكون جاهلاً لا يعرف معنى الكلالة، وبذلك يدفع عن حمى الله وحرمه ويقيم في الأمة حدوده ولا يترك أحداً يتجاوز على تلك الحدود لسبب أو نسب.

صفات القائد الرباني

ولكن إذا كانت تلك الأدوار كلها منوطة بالقائد فما هي صفاته المثلى التي يمكن لنا أن نعرفه من خلالها خلال حياة البشر، يقول الإمام الرضا (ع) في ذلك: (الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ، الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَعِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ الْمُنَافِقِينَ، وَبَوَارُ الْكَافِرِينَ.. الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَلَا اكْتِسَابٍ بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ).

1-القائد الرباني هو المعصوم المطهَّر من الذنوب.

2-هو الذي لا عيب فيه فهو مثال للصفاء والنقاء بل هو أطهر من ماء السماء.

3-هو العالم بالعلم اللدنِّي ومخصوص بالعلم من الله تعالى فلا يتعلَّم من أحد بل هو يعلِّم الناس العلوم.

4-هو الذي يتمتع بأعلى ويتصف بأحلى صفات الفضل والأخلاق ورأسها الحلم، فيتخلَّق بأخلاق الله.

5-هو الخيط الذي يربط ويضبط وينظم كل مسائل الدين الحنيف والشريعة الغراء فلا شيء منها ينفرط.

6-هو عزُّ الأمة الإسلامية وشرفها وكرامتها ولولاه لما كان لها من ذلك شيء كحالنا اليوم تماماً كالأغنام الشاتية التي لا راعي لها ولا حامي ولا جامع ولا مانع لحياضها بل أذل الناس يذلونها ويتحكمون بها.

7-وهو الذي يغيظ المنافقين ذكره لأن ذكره عبادة، كما قال رسول الله (ص) لأمير المؤمنين الإمام علي (ع): ذكره عبادة، وهو يميِّز المنافقين بحبه وولايته فلا يحبه إلا مؤمن طاهر الولادة ولا يبغضه إلا منافق خبيث الولادة.

8-هو بجهاده يهلك الكافرين ويقمعهم ويكسر شوكتهم كما جرى في صدر الإسلام الأول.

9-هو واحد دهره وفريد عصره في الدين والعلم والفضل والجهاد ليكون للناس قدوة وأسوة في كل شيء، ومَنْ يستطيع أو يجرؤ أن يقول ويدَّعي مَنْ تسنَّم السلطة والحكم أنه لا يشبهه أحد في الفضل والعلم والشجاعة؟

10-هو مخصوص بكل ما فيه من خصال الخير وصفات الفضل من الله تعالى لأنه من صنائع الله تعالى والناس صنايع له، فهو إمام الدين وقائد الدنيا اختاره الله ونصبه مقياساً وإماماً لعباده ليقيسوا أنفسهم به وعليه لا أن يتقدَّموه ويجعلون من أنفسهم حكاماً على الناس من دونه وهم لا يعرفون الخمسة من الطمسة.

فالقائد الإلهي والإمام الرحماني هو الذي خلقه الله واختاره على علم على العالمين، ورباه على عينه، وجعله للناس إماماً، وأعطاه عهده وألبسه قميص الخلافة الربانية ليكون هو القائد الذي يسير به الناس إلى الحق الذي لا يدانيه باطل، ويعطي من نفسه القدوة والأسوة في كل خصال الخير والفضيلة، فأين نجد كل ذلك في حكام المسلمين الذين جعلوا من أنفسهم مكان رب العالمين وراح الناس يعبدونهم من دون الله تعالى كما فعل بنو إسرائيل مع علمائهم وهؤلاء فعلوا ذلك مع جهالهم وسفهائهم إذا وصلوا إلى السلطة والحكم.

ولذا الإمام الرضا (ع) يقول: (فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ 

هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَتَاهَتِ الْحُلُومُ، وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَخَسَأَتِ الْعُيُونُ‌، وَتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَحَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ‌ءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيُغْنِي غِنَاهُ؟ 

لَا كَيْفَ وَأَنَّى وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ وَوَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟ أَ تَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (ص)؟ كَذَبَتْهُمْ وَاللَّهِ أَنْفُسُهُمْ وَمَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ‌ فَارْتَقَوْا مُرْتَقًى صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ، رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَآرَاءٍ مُضِلَّةٍ فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً). 

هنا ينكسر القلم ونرفع الشكوى إلى الله مما جرى في الأمة الإسلامية ونظرياتهم المختلفة في الخلافة والقيادة والإمامة حيث اخترعوا قادة ونصبوا خلفاء وحكاماً عليهم ويظنون أنهم أحسنوا صنعاً، ولكن الواقع الذي وصلنا إليه يقول غير ذلك تماماً، فلماذا صرنا كل هذه الفرق المتناحرة والطوائف المتقاتلة وصرنا غثاء كغثاء السيل بالعدِّ كثير ولكن بالفعل هباء، والأمر كما حذَّر منه وبلَّغ رسول الله (ص) منذ الأيام الأولى ولكنهم اتبعوا سنن بني إسرائيل حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل فتاهوا وضلوا ضلالاً بعيداً..

...يتبع...

اضف تعليق