ان الارهاب الفكري من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، أذ يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويغذّي التطرّف، ويُضعف منظومة القيم التي تقوم عليها الدول، فالفكر المتطرّف لا يقل خطورة عن الارهاب المسلّح أذ يمهّد له ويوفر له الأرضية المناسبة للانتشار والتجذّر داخل المجتمع فالإرهاب المسلّح يُواجَه بالقوة الأمنية والعسكرية...

ان الارهاب الفكري من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، أذ يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويغذّي التطرّف، ويُضعف منظومة القيم التي تقوم عليها الدول، فالفكر المتطرّف لا يقل خطورة عن الارهاب المسلّح أذ يمهّد له و يوفر له الأرضية المناسبة للانتشار والتجذّر داخل المجتمع فالإرهاب المسلّح يُواجَه بالقوة الأمنية والعسكرية. 

والإرهاب الفكري يكون أكثر تعقيداً وأطول أثراً لأنه يستهدف العقول ويُعيد تشكيل الأفكار والمعتقدات بما يخدم أجندات متطرّفة، وهو عبارة عن فرض أفكار أو معتقدات متطرّفة بالقوة أو التهديد سواء بالترويج لخطاب الكراهية أو محاربة التعددية الفكرية أو نشر الأفكار التي تحضّ على العنف، وهذه الظاهرة لا تقتصر على جماعات فقط بل تتخذ أشكالاً مختلفة تشمل التطرّف الديني والتعصّب القومي والتشدد الأيديولوجي الذ يدعو الى العنف والتطرّف ويُضعف التلاحم الوطني، ولا يقتصر هذا الإرهاب على الجماعات المتطرّفة المسلّحة، بل يشمل كل محاولة لمصادرة الرأي الآخر و ألغاء التنوع الفكري ،مما يجعل مكافحته ضرورة ملّحة لتحقيق الأمن المجتمعي وتوفير المستقبل المستقر للأجيال القادمة.

أذ أن أخطر ما في الإرهاب الفكري هو قدرته على التغلغل في عقول الشباب خاصةً في ظل أنتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ساحة مفتوحة لبث الأفكار المتطرّفة وتجنيد الأفراد تحت شعارات زائفة ، وهذا يُشكّل تهديداً مباشراً لبنية المجتمع حيث يتم استغلال الفئات الأكثر ضعفاً وتحويلهم الى أدوات لنشر الفوضى والعنف.

وللإرهاب الفكري عدة أبعاد تؤثر في بنية المجتمع واستقراره متمثلة بالبعد الثقافي الذي يشمل منع حرية التفكير والتعبير مما يُعيق تطور المجتمع ويُضعف قدرته على التقدم، والبعد الاجتماعي الذي يُسبب انقسامات مجتمعية عميقة ويزيد احتمالات العنف الاجتماعي، والبعد الاقتصادي ففي هذا الجانب يؤدي أنتشار الفكر المتطرّف الى تدمير البنية الاقتصادية سواء من خلال استهداف المؤسسات والاستثمارات أو من خلال تعطيل العقول المنتجة وتحويل الشباب الى أدوات لخدمة مشاريع هدّامة .

أضافة الى أنه من العوامل المساهمة في أنتشار الإرهاب الفكري هو غياب الوعي والتربية الفكرية أذ يسهل التلاعب بالعقول ويُمهد الطريق أمام الجماعات المتطرّفة لفرض أفكارها بسهولة، واستغلال الدين والسياسية والتلاعب بالنصوص الدينية والسياسية لخدمة أجندات متطرّفة وتفسيرها بشكل يخدم مصالحها ودفع الشعوب الى تبنّي أفكار متشددة دون أداراك لحقيقتها، أضافة الى الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت بيئة خصبة لانتشار الفكر المتطرّف فستغلّها الجماعات الإرهابية لنشر دعايتها والتأثير على الرأي العام من خلال الأخبار المضللة والمحتوى العاطفي المحرّض على الكراهية، وكذلك الفقر والبطالة تلعب دور كبير في خلق بيئة حاضنة للإرهاب الفكري، فحين يفقد الشباب الأمل في مستقبلهم يصبحون أكثر عرضة لتبنّي الأفكار المتطرّفة التي تُقدَم لهم كبديل عن الواقع القاسي الذي يعيشوه.

لكي نتخلّص أو نقلل من هذه الظاهرة يجب التركيز على عدة استراتيجيات منها؛ بناء منظومة تعليمية تعزز الفكر النقدي وترتكز مناهجها الدراسية على تعليم مهارات التفكير النقدي وتعزيز ثقافة التساؤل والتحليل، بهذا يتم تحصين الطلاب ضد الأفكار المتطرّفة وتمكينهم من التمييز بين الخطاب المتوازن والخطاب المتطرّف، كذلك الخطابات الدينية أذ أن الدين يمثّل أحد أهم الأدوات التي يتم استغلالها في نشر الإرهاب الفكري، لذا فأن دعم الخطاب الديني القائم على الفهم العميق للنصوص ونشر ثقافة التسامح والتعايش يُعد من أهم سبل مواجهة الفكر المتطرّف، وتطوير سياسات أعلامي مسؤولة أذ أن وسائل الأعلام التي تلعب دوراً إيجابيا في مواجهة الإرهاب الفكري من خلال نشر الوعي و كشف أساليب الجماعات المتطرّفة والترويج لقيم التعددية و الانفتاح الفكري ومراقبة المحتوى الإلكتروني الذي يروّج للفكر المتطرّف و أغلاق الحسابات التي تُستخدم كأدوات لنشر الكراهية، وأيضاً من الحلول التي يمكن أتباعها هو تحسين الوضع الاقتصادي والقضاء على الفقر و البطالة حتى يشعر الشباب بأن لديهم فرصاً حقيقية لتحقيق ذواتهم داخل المجتمع بدلاً من الانجراف نحو التطرّف ، والتشجيع على الحوار المفتوح بين مختلف الفئات الفكرية واحترام الاختلاف والتنوّع، أذ أن التصدّي للإرهاب المتطرّف لا يكون عبر القمع الفكري المضاد بل عبر خلق مناخ يسمح بتبادل الأفكار بحرية و بأسلوب عقلاني.

كما ورغم الجهود المبذولة، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تعرقل مكافحة الإرهاب الفكري، من أبرزها؛ صعوبة تغيير العقليات المتطرّفة التي تشبّعت بالأيديولوجيات العنيفة لسنوات طويلة، ضعف التنسيق بين المؤسسات المختلفة في مواجهة الفكر المتطرّف مما يؤدي الى تناقض السياسات وغياب الفاعلية، التحولات التكنولوجية السريعة التي تسمح للجماعات المتطرّفة بابتكار وسائل جديدة لنشر أفكارها، والضغوط السياسية والاقتصادية التي قد تؤدي الى تركيز الحكومات على الحلول الأمنية على حساب الحلول الفكرية والثقافية.

أذ أن الإرهاب الفكري يُعد تهديد وجودي للأمن المجتمعي لأنه يستهدف العقول ويعمل على أعادة تشكيل الأفراد ليصبحوا أدوات في خدمة مشاريع التطرّف، فأن مواجهته تتطلّب استراتيجية شاملة تقوم على تعزيز التعليم ودعم الخطاب المعتدل وضبط الأعلام وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، أذ أن بناء مجتمع مستقر آمن لا يتحقق فقط من خلال الإجراءات الأمنية، بل عبر تحصين العقول ضد الأفكار المتطرّفة وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح، لأن الفكر لا يُهزم الا بفكر أقوى، والعقل لا يُحرر الا بالمعرفة.

اضف تعليق