هو هل نحن أمام أعادة ترسيم للحدود؟ اذ رغم أن الحدود الجغرافية للدول لم تشهد تغييرات رسمية، ألا أن الواقع السياسي يشير الى تقسيمات فعلية داخل بعض الدول، حيث تبرز كيانات غير رسمية تفرض نفوذها على الأرض، ففي العراق ورغم الحفاظ على وحدة أراضيه رسمياً، ألا أن النفوذ...
يشهد الشرق الأوسط تغييرات جذرية في خريطته السياسية، حيث تتشكل تحالفات جديدة تعيد رسم موازين القوى في المنطقة وهذه التحالفات ليست مجرد اتفاقات دبلوماسية بل تعكس تحولات استراتيجية عميقة مدفوعة بعدة عوامل جيوساسية وأمنية واقتصادية.
وفي ظل هذه التطورات يثار التساؤل حول مدى تأثيرها على استقرار المنطقة ومدى أمكانية أعادة ترسيم الحدود في المنطقة، سواء عبر الأدوات الدبلوماسية أو النزاعات غير المباشرة، واذا كانت هذه التغييرات تحمل حلولاً للأزمات او تخلق مشاكل جديدة.
والسؤال الأهم هو هل نحن أمام أعادة ترسيم للحدود؟ اذ رغم أن الحدود الجغرافية للدول لم تشهد تغييرات رسمية، ألا أن الواقع السياسي يشير الى تقسيمات فعلية داخل بعض الدول، حيث تبرز كيانات غير رسمية تفرض نفوذها على الأرض، ففي العراق ورغم الحفاظ على وحدة أراضيه رسمياً، ألا أن النفوذ الايراني القوي في الجنوب و الوجود الأمريكي في بعض المناطق والاستقلال الفعلي لإقليم كردستان، كلها مؤشرات على واقع سياسي متغيّر، كذلك في سوريا أذ أدت الحرب الأهلية الى تقسيم فعلي بين مناطق النفوذ التركي في الشمال، والمناطق الكردية المدعومة أمريكياً من الشرق، والمناطق التي يسيطر عليها النظام بدعم روسي وايراني.
والتحالفات الجديدة في الشرق الأوسط تتمثل بالتقارب الاسرائيلي – الخليجي، اذ شهدت السنوات الأخيرة تعزيز للعلاقات بين اسرائيل وبعض دول الخليج ومدفوعة بمخاوف مشتركة من النفوذ الايراني وزيادة التهديدات الأمنية، وتمثل هذا التقارب بالتعاون في مجالات التكنولوجيا والأمن والاقتصاد، مما أسهم في أعادة تشكيل التحالفات التقليدية في المنطقة.
بالمقابل تواصل ايران تعزيز علاقاتها مع وكلائها في المنطقة مثل "حزب الله" في لبنان، ومع الحوثيين في اليمن بهدف توسيع نفوذها الاقليمي، وهذا التمدد والتوسيع يثير قلقاً بين دول الجوار ويدفع بعضها الى البحث عن تحالفات مضادة لموازنة هذا النفوذ، أضافة الى مساعي تركيا لتعزيز حضورها الاقليمي من خلال التدخّل في النزاعات كما هو الحال في سوريا مثلاً وتطوير علاقاتها مع دول الخليج، وهذا الدور المتنامي يضيف بُعداً جديداً للتوازنات الاقليمية ويؤثر على تشكيل التحالفات.
وفي مارس 2025، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامن نتنياهو بالسيطرة على أجزاء من غزة أذا لم تقم حماس بأطلاق سراح الرهائن المحتجزين ، وجاء هذا في سياق تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع، مما أدى الى سقوط مئات الضحايا وزيادة التوترات الإقليمية، وتسعى أسرائي الى أعادة تشكيل جغرافيتها الأمنية من خلال عمليات عسكرية في سوريا ولبنان وذلك بهدف مواجهة التهديدات المحتملة من الجماعات المسلحة المدعومة من أيران وهذا يؤثر على استقرار المنطقة، وهذا أضافة الى أن الحدود بين لبنان وسوريا شهدت اشتباكات مسلّحة في مارس 2025، مما يعكس هذا تعقيدات جديدة ويهدد مشاريع بناء الدولة في كلا البلدين، وهذه الاشتباكات تسلّط الضوء على هشاشة الوضع الأمني وإمكانية أعادة ترسيم مناطق النفوذ.
وتشير التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط الى مرحلة من التغييرات العميقة في موازين القوى ، لكنها لا تعني بالضرورة أعادة ترسيم الحدود بقدر ما تعكس تحوّلاً في خرائط النفوذ و التأثير والتحدي الأكبر هو كيفية أدارة هذه التحوّلات بشكل يضمن الاستقرار دون نشوب صراعات جديدة قد تكون أكثر خطورة من مجرد أعادة ترسيم حدود .
ومن الحلول الممكن طرحها بدل تفاقم المشكلات تتمثل في الوقت الحالي بتعزيز الدبلوماسية الإقليمية وتفعيل قنوات الحوار بين الدول الفاعلة في المنطقة، بهدف بناء تفاهمات مشتركة وتخفيف حدة التوترات، وكذلك المبادرات الدبلوماسية يمكن أن تسهم في خلق بيئة مواتية للتعاون وحل النزاعات بطرق سلمية، وبالنسبة للتعاون الاقتصادي الإقليمي الذي يعد من الحلول الممكن أتباعها لتقليل مخاطر أعادة ترسيم الحدود من خلال مشاريع مشتركة في مجالات الطاقة والتجارة.
وهذا يعزز الترابط بين الدول ويقلل من دوافع الصراع بالتركيز على التنمية وتحقيق استقرار طويل الأمد، كذلك أنه يجب على الدول الإقليمية والدولية احترام سيادة باقي الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، مما يساعد على بناء الثقة المتبادلة و يقلل من احتمالية النزاع.
وأن غالبية النزاعات الإقليمية تنبع من ضعف الأنظمة السياسية الداخلية ، لذا فأن تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية وتعزيز سيادة التعاون وتقوية المؤسسات الديمقراطية، قد يكون الحل الأنجح لمنع تفكك الدول.
اضف تعليق