هل تمثل القمة الثلاثية في الدوحة تحولاً فعلياً في طبيعة العلاقات العراقية-السورية، أم أنها مجرد لقاء بروتوكولي محدود الأثر؟ تأتي دعوة العراق لعقد هذا اللقاء الثلاثي كإشارة واضحة الى سعي بغداد للعب دور أكثر فاعلية في الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الملف السوري الذي طال أمده...
في السابع عشر من نيسان 2025، شهدت العاصمة القطرية الدوحة لقاءً سياسياً استثنائياً جمع بين الرئيس العراقي السيد محمد شياع السوداني والرئيس السوري أحمد الشرع، برعاية أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وجاءت هذه القمة الثلاثية بشكل مفاجئ في توقيتها وتركيبتها، مما أثار تساؤلات واسعة حول خلفيتها وأهدافها والرسائل السياسية التي حملتها في ظل واقع اقليمي متشابك، ويبقى السؤال الأهم:
هل تمثل القمة الثلاثية في الدوحة تحولاً فعلياً في طبيعة العلاقات العراقية-السورية، أم أنها مجرد لقاء بروتوكولي محدود الأثر؟
تأتي دعوة العراق لعقد هذا اللقاء الثلاثي كإشارة واضحة الى سعي بغداد للعب دور أكثر فاعلية في الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الملف السوري الذي طال أمده، ومشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع الذي يمثل وجهاً جديداً للنظام السوري بعد مرحلة الرئيس السابق بشار الأسد، تعطي اللقاء بعداً سياسياً مختلفاً يوحي بتحولات محتملة في آلية الحكم ومستقبل النظام في سوريا.
والرئيس السوداني، المعروف بميله للدبلوماسية المتزنة يبدو عازماً على تحريك المياه الراكدة في العلاقات العراقية-السورية وفتح قنوات تنسيق جديدة تقوم على المصالح المشتركة بدلاً من الأجندات الخارجية التي أنهكت البلدين.
فأستنتج أن اللقاء هذا يتجاوز الطابع البرتوكولي التقليدي ويحمل في طياته ملامح تحوّل تدريجي في العلاقات بين بغداد ودمشق انطلاقاً من رؤية أكثر نضجاً وواقعية تقوم على المصالح المشتركة والتحديات المتقاطعة.
من ناحية أولى، العراق لم يكتفِ بلعب دور الجار المتعاطف، بل بدأ يقدّم نفسه كفاعل سياسي محوري يسعى لتقريب وجهات النظر في ملفات اقليمية حساسة، وعلى رأسها مستقبل النظام السياسي في سوريا، أما من الجانب السوري، فأن مشاركة الرئيس أحمد الشرع الذي يمثل مرحلة ما بعد الأسد في هذا اللقاء تُعد بحد ذاتها اشارة الى انفتاح سياسي محتمل، والى رغبة في بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار العربي، أضافة الى ذلك، الدور القطري في استضافة اللقاء لا يمكن اعتباره محايداً بالكامل، بل يعكس دعماً لمبادرة قد تسهم في خلق مسار سياسي جديد وتشارك فيه دول عربية رئيسية، أضافة الى أن قطر لعبت مراراً دور الوسيط الفاعل خاصةً في القضايا المعقّدة.
ومن الجوانب المهمة في هذه اللقاء هو الجانب الأمني فهو يشكل محوراً أساسياً في أي نقاش بين العراق وسوريا ، فكلا البلدين يعاني من امتدادات تنظيمات ارهابية وشبكات تهريب، وعلى ما يبدو أن الرئيسين أتفقا على ضرورة وضع آلية مشتركة لتأمين الحدود ومكافحة التهديدات العابرة خصوصاً في ظل التحديات الاقليمية التي تهدد استقرار المنطقة، أضافة الى الجانب الاقتصادي، فأن أعادة أعمار سوريا تتطلب شراكات حقيقية اقليمية، والعراق مؤهل ليكون شريكاً فعّالاً في هذا المسار سواء من خلال توفير موارد الطاقة أو فتح خطوط التجارة والنقل أو عبر الخبرات الفنية، وأن تكامل المشاريع الاقتصادية بين العراق وسوريا يمكن أن يشكّل عامل استقرار وتنمية في منطقة الشرق الأوسط.
أذ أن ما تحتاجه المنطقة اليوم ليس قمماً شكلية، بل رؤى سياسية واقعية تضع أمن الشعوب وكرامتها في المقدمة، والقمة الثلاثية في الدوحة قد لا تحل جميع الأزمات لكنها بالتأكيد خطوة جادة نحو مقاربة جديدة، يكون الحوار محوراً بدلاً من الصراع.
وأن دعوة الرئيس السوداني للرئيس الشرع تحمل أكثر من رسالة:
- دعم مسار الانتقال السياسي السلمي في سوريا.
- تأكيد على أن العراق يرغب بالخروج من موقع المتفرّج الى الفاعل الاقليمي.
- دعوة ضمنية الى دول الجوار والدول الكبرى لاحترام خيارات الشعوب وعدم فرض حلول من الخارج.
فأن اللقاء لا يمكن قرائته كمجرد حدث دبلوماسي عابر، بل كخطوة أولى ضمن عملية أكبر وأوسع تسعى لتشكيل منظومة علاقات جديدة في المشرق العربي تقوم على لتنسيق الأمني، والتكامل الاقتصادي، والحوار السياسي المنفتح، وأن العراق وسوريا وقطر، بموقعهم الجغرافي وثقلهم السياسي قادرون على أن يكونوا نموذجاً لتعاون اقليمي فعّال، أذا ما وضعت المصلحة الوطنية فق الحسابات الآنية.
اضف تعليق