q

يقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي في كتاب السبيل إلى إنهاض المسلمين:

• ان الأمة كانت تعتمد على الجزء السلبي فقط، أما الجزء الإيجابي في طرح برنامج بديل متكامل فلم يكن مطروحاً عندها، أو كان مطروحاً ولكن لم يخرج إلى حيز التنفيذ. وهذا ما يجب أن نتداركه في حركتنا الإسلامية العالمية القادمة. فالواجب معرفة الجزء الإيجابي أيضاً، والذي هو عبارة عن: كيفية الحكم في المستقبل وفقاً للمقاييس الإسلامية.

ومن الضروري نشر هذا الوعي بين الجماهير عبر مئات الملايين من الكتب التي تضع بديلا متكاملة جوانبه، محددة برامجه، واضحة معالمه، بينة أساليبه وأهدافه..

* إن أكل الثورة لأبنائها طبيعي في حالة غياب الوعي الجماهيري وفي حالة عدم توزيع القوة وانحصارها بفئة واحدة.

* التنظيم الجماهيري يعني أن تكون مؤسسات التنظيم وعناصره ملتحمة بالجماهير، وأن ينظم طاقاتها ويقودها في معارك التحرر ضد الاستعمار والاستبداد، ولو فقد التنظيم صلته بالجماهير فسيعيش في الفراغ ولا يتطور، وبالنتيجة لا يستطيع تقديم الأمة إلى الأمام، ولا طرد الاستعمار من بلاد الإسلام، وإذا كان التنظيم جماهيرياً فالجماهير تغذيه.. فينمو ويتوسع حتى يستوعب العالم الإسلامي، وتحدث عندئذ اليقظة الكاملة والحركة الشاملة ثم مكافحة الاستعمار وطرده.

أما كيف يكون التنظيم جماهيرياً؟

فالجواب: إنه إنما يكون جماهيرياً إذا اعتمد على مقومين رئيسيين:

الأول: القيادة النموذجية النـزيهة:

إن القائد لو ارتمى في أحضان الفساد، والارتشاء، والاختلافات، والميوعة الخلقية، سقط عن عين الجماهير وانفضّ الناس من حوله، والجماهير لا تسلم زمام أمرها إلا إلى القائد النزيه، بناءً على هذا فاللازم على القيادات التنظيمية أن تكون في مستوى لائقٍ وسامٍ من النزاهة، وهذا العامل هو الذي جعل راية الأنبياء (عليهم السلام) تخفق على العالم، فإنهم كانوا في غاية النزاهة والعفة والزهد والخلق الكريم والفضيلة والتقوى والكرامة. وذلك واضح في شخصية عيسى، وإبراهيم الخليل، ولوط، وشعيب، وموسى الكليم، ويعقوب، ويوسف، ومحمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وفي علي والأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام)، وفي العلماء الراشدين، وفي القادة المصلحين.

إن الذي يريد أن يقود الجماهير يجب أن يضبط أعصابه ويحفظ لسانه وعينه وأذنه وقلبه ولا يقدم على الدنيا، فقد قال عيسى (عليه السلام) الدنيا داء والعالم طبيب، فإذا رأيتم الطبيب، يجر الداء إلى نفسه فاتهموه.

وقال أيضاً: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها.

وقال علي (عليه السلام): إن دنياكم هذه أهون عندي من عراق خنزير في يد مجذوم.

الثاني: احترام الجماهير.

المقوم الثاني للتنظيم الجماهيري هو احترام الجماهير، فإن كثيراً من التنظيمات يأخذها الغرور والعجب بنفسها، فتنظر إلى الناس نظرة احتقار، وترى نفسها هي العاملة والآخرون كلهم خاملون! وجزاء الناس لهذه التنظيمات احتقارها وإهانتها..

فمن احتقر الناس احتقر، ومن اتهم اتّهم، ومن ظن بالناس سوءً ظنّوا به السوء، ومن دخل مدخل السوء تجنب منه الناس، فالواجب على القيادات التنظيمية أن يربوا تنظيمهم على احترام الناس وإكرامهم بقضاء حوائجهم، وعدم بناء الحواجز دونهم ـ إلا بالقدر الضروري ـ واستيعاب طاقاتهم لتنمو وتتوسع.

وكيف كان، فالتنظيم إنما يكون جماهيرياً إذا احترم الجماهير واستمع لآرائهم وانتقاداتهم البناءة.

* كيف يتعامل التنظيم مع الجماهير؟

يقع كل تنظيم بين شوكتين: شوكة الجماهير التي تريد مساواة عناصر التنظيم معها، وشوكة الهدف حيث يجب أن تكون الوسيلة بيد التنظيم حتى يصل إلى الهدف، ولأجل أن لا يتأثر بهذين الأمرين، يجب عليه أن يكون حازماً عاقلاً مفكراً، وأن يعرف مداخل الأمور ومخارجها، كي لا يفقد الجماهير من جهة، ولا يتوقف عن السير في طريق الهدف من جهة أخرى، فلأجل أن لا يخسر الجماهير ولا يضيع الهدف يجب عليه أن يحترم الناس وأن يسير معهم خطوة إلى الأمام، وفي هذه الحالة يكون التنظيم جماهيرياً.

إني قد لاحظت في التاريخ كثيراً من الحركات الإسلامية منذ مائة عام أنها فشلت في تقديم الأمة إلى الأمام، وإذا كانت قد قدمتها فقد كان التقدم وقتياً، بسبب أن تلك الحركات لم تكن تحترم شخصية الجماهير، وبالنتيجة انفصلت الجماهير عن تلك الحركات وظلت هي وحدها في الميدان، تنادي وتستنهض الهمم، فلا تسمع سوى صدى نداءاتها، وبانفصالهم عنها سقطت تلك التنظيمات. وما سقطت الحركات العاملة في العراق قبل 25ــ40 عاماً إلا لأجل ما ذكرناه، وقد كان مجموع الأحزاب في العراق أربعة وأربعون حزباً من مختلف التنظيمات والانتماءات، ولم تتمكن من شيء يذكر! لماذا..؟ للأمرين الذين سبقت الإشارة إليهما.

إذن، إذا أردنا إقامة حكومة ألف مليون مسلم فعلينا أن نلتزم بمقومات التنظيم الجماهيري الواسع وعندئذ نتمكن من التقدم إلى الأمام بإذن الله تعالى.

* الجماهيرية شيء صعب، لكنها محمودة العاقبة، وصعوبتها تنبع من أن للجماهير حاجاتها، والتنظيم إذا لم يعط الجماهير مطاليبها فسرعان ما يخسرها، وإذا خسرها كان السقوط لا محالة.

أما أن إعطاء مطاليب الجماهير أمر صعب، فذلك لأن الجماهير لها آراؤها وأفكارها وحاجاتها وأسلوب عملها واجتماعاتها وغير ذلك، وهذه الأمور تضغط على التنظيم ضغطاً كبيراً، لكنّ تحمّل صعوبة إعطاء مطاليب الجماهير أسهل من تحمّل وجود الأعداء. ولابد للإنسان أن يواجه ضغطاً معيناً، إما ضغط الصديق وإما ضغط العدو، وضغط الصديق أسهل وأحمد عاقبة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن الجماهير لا تنظر إلى الهدف غالباً، بينما التنظيم وقياداته ينظران إلى الهدف بصورة مستمرة، ونظراً لاختلاف النظرتين ينشأ التناقض فيعيقهما جميعاً عن التقدم إلى الأمام، فما العمل الذي يحصن التنظيم عن رفض الجماهير له؟

* يجب أن يكون التنظيم على قدر كبير من التعقل والحزم، حتى يتمكن من إطفاء النار ـ لو صح التعبير ـ التي تشب بينه وبين شرائح معينة من الجماهير، وبذلك يستطيع الجمع بين الجماهيرية وبين الهدف، وهذا ليس بالأمر السهل، إلا أنه ممكن، ولذا نجد في الحياة الإصلاحية كالأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وغيرهم أمثلة لهذا الأمر.

* إن أصحاب النفسيات السلبية الذين يتصورون أنهم الأفضل، ويقول أحدهم: (إن هذا رأيي) أو: (أنا أكثر فهماً) أو: (إن الجماهير لا تفهم وهي غير واعية) أو: (ما للجماهير والتدخل في هذه الشؤون) وما أشبه ذلك، نتيجتها انفضاض الجماهير من حول تنظيمهم وعدم توسعة التنظيم ونموه، وعدم وصوله إلى المستوى المطلوب، فلا يتمكن من إنقاذ العالم الإسلامي ولا حتى بلد واحد.

* الكثير من القائمين بالحركة الإسلامية يتوهمون أنه ليس من المهم قضاء حوائج الناس، وإنما المهم الاشتغال بالحركة فقط، وهذا زعم خاطئ، فإن الحركة لا تتقدم إلا بالجماهير، والجماهير لا يلتفون حول حركة ما إلا إذا قدمت لهم الخدمات الاجتماعية، وقضت حوائجهم، ومهما كانت الحاجة صغيرة فإنها في نظر المحتاج كبيرة وفي المثل: (صاحب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءها).

* اللازم في الحركة الإسلامية مراعاة السلام بين فئات الحركة، فإذا كانت هناك ديكتاتورية مسيطرة على الحركة لم يكن هناك سلام، فإن السلام من ولائد القدرات المتكافئة، أما إذا كانت فئة ديكتاتورية متسلطة على الحركة لا تتبدل ولا تتغير ولاتتمكن الحركة من تغييرها، فإن هذه الفئة تستبد بالمال، بالسمعة، بالإرادة، بالفكر.. وما أسهل أن يأتي الاستعمار ويأخذ بزمام الديكتاتوريين، لأن الجماهير ليست في الساحة، وإنما أربعة أو خمسة أو عشرة فقط هم الموجودون. أما إذا كانت الحركة جماهيرية فالاستعمار لا يتمكن من القبض على زمام الجماهير.

* صعوبات الحكومة الجديدة

للحكومة الجديدة صعوبات، إذا لم يتجنّبها الحكام الجدد وقعوا في مشاكل تنتهي إلى إحدى نتيجتين:

1: تنحية الأمة إياهم عن الحكم بالقوة وبسرعة.

2: كُرهُ الأمة لهم مما يُسبّب أن تقوم الأمة بعزلهم عن الجماهير، ويلتجئ الحكام حينئذ إلى تحصين أنفسهم ـ خوفاً من الأمة ـ بالسلاح، ويقع التحارب بينهم وبين الأمة، بفتح السجون والمعتقلات ونصب المشانق، وأخيراً ينتهي الأمر بإسقاط الأمة لهم وإبادتهم عن آخرهم.

• ومن أهم ما يلزم على الدولة الإبقاء على الجماهير، وذلك شيء صعب، حيث إن الجماهير لها حاجاتها ولها توقعاتها، فإذا لم تتحفّظ الدولة على الجماهير بإعطاء الحاجات (الروحية والجسدية) وإبقائها راضية، ابتعدت الجماهير عنها، بما يوجب سقوطها قريباً أو بعيداً.

ويقول المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي في كتاب نحو يقظة إسلامية:

• يلزم على القادة الإسلاميين والمؤسسات الإسلامية، أن تستهوي الناس أدبياً ومادياً، وذلك يتوقف على عدة عوامل، التي من جملتها النظام، والجماهيرية، والنتائج الحسنة، والدعاية الصادقة، وقضاء الحاجات، والمبادرة، والشجاعة، واستباق الزمن، والتجدد، ومواكبة الحضارة، وغيرها، فالناس إذا رأوا نظاماً دقيقاً، والتفاف الناس حول شيء أو شخص، وروعة، وإن نتائج الشخص أو المؤسسة رفيعة، وإن له مبادرات، وغير ذلك، التفوا حوله، وبقدر التفاف الناس يتمكن الإنسان أن يخدم الإسلام.

• المواضع الإسلامية المنكوبة، سواء بالحرب، أو بالسجن الجماهيري، أو بالتفسير الجماهيري، أو ما أشبه ذلك ـ من الكوارث التي كثرت الآن بين المسلمين ـ خير مكان لنشوء الحركات الإسلامية فإن الحركات تنبع دائماً في الكوارث والأزمات: ولو استغلت الكوارث خير استغلال، لكانت من أفضل الأراضي، لازدهار الحركات الإسلامية، التي تنتهي إلى قيام الإسلام من جديد.

فلذا يجب على المفكرين والقادة والجبهات الإسلامية، أن تضع الخطوط والتصميمات والمناهج لمثل هذه الأماكن بكل دقة وإتقان، فإن ذلك من أسرع الأمور لإنجاز أعمال إسلامية هامة. وهذه القاعدة تنطبق في الإنسان أيضاً، فإن الفرد المسجون أو المشرد أو المنكوب يسرع في قبول الإنخراط في الحركات، فاللازم توجيهه للإنضمام إلى الحركات الإسلامية الصحيحة، فإنه بالقطرات تشكل البحار، وبالذرات تتكون القفار.

• هل بإمكان العاملين للإسلام أن يبنوا بأنفسهم ــ خارج نطاق الجماهيرــ صرحاً، ثم يتغلب صرحهم على سائر الصروح؟

هذا ما لا يؤيده الواقع العملي، إذاً فالطريق إن يتغلغلوا في مختلف الأوساط الإجتماعية، حتى يستدرجوها إلى الإسلام العملي، وهذا سهل وعملي في نفس الوقت، وإن كان يحتاج إلى الحزم الكثير، والــــيقظة المستمرة، والخدمة الدائبة، وانتزاع الثقة الكاملة.

فإذا كانت هناك منظمة، أو كتلة، أو مؤسسة، أو جهة، أو ما أشبه، تغلغل العاملون فيهم، وفيها بقصد الإصلاح والتوجيه، وانضمت تلك إلى الصرح الذي بناه العاملون وحينئذٍ، تأتي النتائج الطيبة.

ويقول الامام الشيرازي في كتاب مواصفات القيادة الإسلامية:

• على القائد أن يترك كل أمر من شأنه أن يبعده عن الناس، ويجعله يعيش العزلة والجو الخاص، ويتنازل قليلاً عما بيده ليكون مع الناس.. مع الفقراء.. مع المؤمنين، لاسيما القائد الإسلامي، إذ يلزم عليه أن يربي نفسه وأفراده على التواضع لله عزوجل ولعباد الله؛ لأن ذلك من أسباب التقدم والتفاف الجماهير حوله، والوقوف معه في الشدائد والتأسي به.

• من أهم ما يلزم اتصاف القيادة به: الجماهيرية.

الجماهير هم الذين يشكلون مجموع الأمة وسدها المنيع، ودرعها الحصين، والدولة تعتمد في أصل وجودها على الجماهير، فلا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزهم وتجاهلهم وعدم الاهتمام بهم، فالقائد لابد أن يكون جماهيرياً، وأن يلاحظ الجماهير على طول الخط، فإنهم هم الذين ينقذون بلاد الإسلام والمسلمين، وليس فقط الجماعة الخاصة المحيطة بالقائد أو الأقارب أو العشيرة أو النخب من المجتمع كالمثقفين أو أصحاب الكفاءات الخاصة فحسب، ولا يخفى أن لهؤلاء مهاماً وأهمية خاصة في حياة القائد ومسيرته ولكنهم ليسوا هم كل شيء.

• أما أصحاب النفسيات السلبية الذين يتصورون أنهم الأفضل ويقولون: نحن أكثر فهماً، وأن الجماهير لا تفهم، وهي غير واعية، إلى غير ذلك من العبارات التي تصدر عن القادة المستبدة والتي تدل على ابتعادهم عن الجماهير والساحة، فإن النتيجة تكون انفضاض الجماهير من حولهم، وبالتالي لا يستطيع هكذا قائد أن يكون ناجحاً، وكثيرا ما تكون الجماهير سبباً لإسقاط حكمه، لأنه ليس لديه أي نقطة يشترك فيها مع الأمة، فلا يشاركهم آلامهم، ولا يعاني بمعاناتهم.

• مما يلزم على القائد الإسلامي أن يراقب نفسه فيه أمران:

الأول: أن يراقب ما يقوله وما يعد به الجماهير، وأن لا تختلف أفعاله عن أقواله، حتى لا يصبح هناك تضاد بين الأمرين، فتتصور الجماهير أنه مخادع أو كذاب، أو أن أقواله مجرد وعود لتهدئة الوضع العام، فتصبح العلاقة بين القائد والأمة علاقة سيئة قائمة على الجدل والمغالطة وانعدام الثقة.

الثاني: أن يراقب نفسه ويوطنها على الحلم وسعة الصدر والتحلي باللاعنف، ويظل يتابعها ويحرص على هذه الأمور، لكي يستوعب الجماهير، ويتحمل المتاعب والصعوبات وما يجري على البلاد من بلاء أو حروب، أو ما شابه ذلك.

ويقول الامام الشيرازي في كتاب معاناة الاسلام والمسلمين:

• من أشد الأمور التي تجعل المجتمع متأثراً، وتسوده الفوضى، هو تلاعب الطغاة بالأموال يميناً وشمالاً، وحرق الملايين على شهواتهم وملذاتهم وحرمان الشعب من ثرواته، فإن هذا النوع من السلوك يخلق لدى الجماهير سخطاً عاماً ربما يتبعه تصادم عنيف؛ لأن الجماهير تشعر بأن السلطة تسرق أموالها وخيراتها وتتمتع بها، وهم يعيشون في أحوال تعيسة وظروف صعبة، وهذا من أسباب خلق المعارضة مما يضطر الطاغية لأن يجابه تحرك الجماهير بكل قوة وعنف وإرهاب، خوفاً على كرسيه، فيكافح كل من يعترض على سلوكه وتصرفاته بكل قساوة.

ويقول الامام الشيرازي في كتاب دعاة التغيير ومستقبل العراق:

• إن السير مع الجماهير بإخلاص تام، وخدمتهم بأكبر قدر ممكن، وعدم تجاهل أي منهم، وتوضيح خط سير الحركة الإسلامية التغييرية، وإعلان شعار واضح، وإبراز رجال لا تحوم حولهم الشبهات، كل ذلك هو المهم في عمل القادة والحركات؛ لأن الجماهير هي أساس الحكم، وليس شخص الحاكم أو الحركة، وكذلك بناء علاقات إنسانية مستقلة ومتينة مع الجيران، دون غموض أو تبعية، ورفع الحواجز والقيود التي وضعها المستعمرون في البلاد الإسلامية، من حدود ووثائق تُقيّد حرية الفرد والأمة.

ويقول الامام الشيرازي في كتاب الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام:

• العزلة عن الجماهير

من أسباب تخلف المسلمين وعدم تمكن المنظمات والأحزاب والجمعيات الإسلامية من النهضة ومن الوصول إلى الحكم (عدم الجماهيرية)، فإن هذه الأحزاب وأشباهها لا تعمل إلا في حقل واحد تنتخبه لأجل تقديم الإسلام مثل تربية الشباب وتوعيتهم وإيصالهم إلى رتب رفيعة سواء في المجتمع أو في الدولة كجعلهم موظفين أو كتاباً أو خطباء أو من إليهم، ثم يتركون الجماهير وشأنها، ومن الواضح أن الطلائع التي تقودها الأحزاب والمنظمات والجمعيات الإسلامية قليلة جداً (حتى وإن وصلوا إلى مئات الألوف)، بينما الجماهير هي كل شيء وهي إنما تلتف حول من أعطاهم الحاجات وشاركهم في أحزانهم وأفراحهم وحل مشكلاتهم أما من لم يعطهم ذلك فإنهم يتركونه وشأنه، وإذا تركوه وشأنه حصل له (التحجيم) فلا يتمكن من التأثير والتغيير.

• الاقتراب إلى السلطان يوجب تلويث السمعة

فحسب القاعدة، الحكومات في بلاد الإسلام مكروهة لشعوبها أشد كراهية إذ أنهم يرون أنها عميلة، وأنها لا تعمل بالإسلام، وأنها تهدر الحقوق والكرامات وتسحق القيم والموازين، ولهذا فإذا رأوا شخصاً أو منظمة أو جماعة أو هيئة أو جمعية أو حزباً يقترب من الحكومة يجتنبون عنه فلا يتمكن هؤلاء من تحريك الجماهير لإقامة حكم الإسلام ولو كانوا مخلصين حقيقة لأهدافهم.

• إن الكثير من جماهير الأمة تمني نفسها بالانتصار على الأنظمة وأن تتحرر من الأغلال والاستبداد والدكتاتورية.

وقطاع آخر من الجماهير المؤمنة يُمنيّ نفسه هو الآخر بخوض الصراع مع الأنظمة من أجل مصلحة رسالته وقيمه ومبادئه. وقطاع آخر ثالث يزعم أنه في يوم الصراع يستطيع أن ينتصر على العدو.

ولكن القليل منا يعرف أن هذا الانتصار وهذا الانتظار ليسا بالتمني وإنما بالعمل الجاد والإعداد الدائم والمستمر للنهضة.

ويقول الامام الشيرازي في كتاب الرأي العام وسبل توجيهه:

• علينا أن نستفيد من عبر وتجارب الشعوب على مرّ التاريخ، فيما نعيشه في الوقت الحاضر، ونعمل على توجيه الرأي العام في منطقتنا الإسلامية وتوحيده، بنشر الوعي بين الجماهير، ونستعد لمقاومة الاستبداد والظلم ورموزهما وطردها من بلادنا، فعند ذلك لا تستطيع أيّةُ قوة الوقوف بوجهنا، وسوف نحطم جميع القيود التي فرضها علينا الاستعمار نتيجة تفرقتنا وتشتتنا لنكون مصداق الحديث الوارد عن الإمام أبو عبد الله الصادق (ع): «إن المؤمنين في إيثارهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى سائره بالسهر» وهذا هو مفتاح الفلاح والنصر.

قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ

ويقول الامام الشيرازي في كتاب نهج البلاغة مرفأ الإنسانية المعذبة:

• الفلاسفة يحولون الواقع الملموس بالمشاعر، إلى فلسفة لا تلمس إلا بالأفكار. والقادة يحولون الفلسفة التي لا تلمس بالأفكار إلى واقع ملموس بالمشاعر، ثم يوظفونه في تحريك الجماهير في الطريق الذي يشقونه لها، نحو الهدف الذي يحددونه لها. فالجماهير لا تسير خلف الكلام، ولكن الفلاسفة والجماهير معاً يسيرون خلف الواقع. فالقائد - دائماً - أمام الفيلسوف.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002 – 2017 Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق