في العراق، وتحديدا في ساحة الاعلام فان رمضان يصبح مناسبة لإيذاء المشاهدين بتصريحات بعض السياسيين في حوارات آخر الليل، تنبش فيها المواقف والاحقاد ويطلق فيها العنان للسياسي لتوجيه سهامه الشخصية أو الطائفية. رمضان هذا العام يصادف في عام الانتخابات، فكان فرصة لإطلاق المواقف والتصريحات كبداية للدعاية الانتخابية...

تختلف المجتمعات في الدول الإسلامية في طريقة تعاطيها مع شهر رمضان المبارك. بعضها يجعل من رمضان مناسبة للحفلات الليلية والترفيه بالغناء والرقص، الذي بلغ ذروته قبل عقد من الزمان بانتشار ظاهرة الخيم الرمضانية، التي تعج بالطرب والخلاعة حتى الفجر، فيما تتعامل بعض الشعوب مع هذا الشهر بما ينسجم مع رسالته الروحية الايمانية فتجعله مناسبة سنوية للرجوع إلى الله عبر العبادة واحياء الليالي للذكر. هي بالنسبة لهؤلاء محطة روحية سنوية لتنقية الروح مما يعلق بها من أدران السلوك والفكر طوال العام. 

في العراق، وتحديدا في ساحة الاعلام فان رمضان يصبح مناسبة لإيذاء المشاهدين بتصريحات بعض السياسيين في حوارات آخر الليل، تنبش فيها المواقف والاحقاد ويطلق فيها العنان للسياسي لتوجيه سهامه الشخصية أو الطائفية. رمضان هذا العام يصادف في عام الانتخابات، فكان فرصة لإطلاق المواقف والتصريحات كبداية للدعاية الانتخابية، بعض شخوصها مستدعى من الأرشيف، بعدما ظننا أنهم اعتزلوا وانزووا في دورهم مكفرين عما اقترفوه سابقا من بث للكراهية وتأجيج للمشاعر الطائفية. بعض هؤلاء يبشرون بعودة النازية البعثية التي يصفونها بالفكر، فيما يهلل آخر لما حدث في سوريا ويبشر بتكراره في العراق، وهرول آخرون إلى دمشق ليهنئوا السلطة الجديدة ويقدموا لها الدعم.

مشكلة الساحة السياسة في العراق أن القانون لا مكان له فيها، بل الدستور ذاته يركن جانباً إذا ما تعارض مع مصالح هذا أو ذلك من المؤثرين. كثير من التوافقات تجري بعيدا عن الدستور تحت مبررات الضرورة، وكثير من القوانين تسن وتبقى دون تنفيذ. من ذلك قانون تجريم حزب البعث، الذي يجرم الترويج لأفكار البعث والاشادة بمرحلته المظلمة. 

بعد سنوات بدأ تطبيق القانون جزئيا من خلال دائرة في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الحقت بمفوضية الانتخابات، وهذا بحد ذاته مؤشر على تحجيم تطبيق هذا القانون. بعد ذلك تم تحويله إلى قسم صغير لا يحرك ساكناً، وهو ما اعطى الجرأة للترويج للبعث ومنهجه الدموي في وضح النهار. لو تتم معاقبة واحد من هؤلاء- مهما كان موقعه- لالتزم الباقون وتوقفوا عن هذا الانتهاك.

ولولا تجميد تطبيق القوانين لما تجرأ سياسي لا منصب له، على التواصل مع الحكومات الأخرى والقيام بكل ما يمكن ان يندرج في خانة التخابر مع دولة أخرى، خصوصا وان بعض هذا التخابر يجري في العلن ولمصحة شخصية أو حزبية أو للتحريض على النظام السياسي العراقي. هل تعرفون بلدا يعيش هذه الفوضى وضياع المعايير كما هو العراق؟

بعض البرامج الرمضانية الخاصة بالسياسيين والنواب هي منصات لترويج التصريحات المستفزة والمثيرة للنعرات الطائفية، فضلا عن تطبيع السلوكيات المخالفة للقانون وعرضها وكأنها أمور شرعية وقانونية لا قبح لها، هكذا يتربى المتلقي على الانحراف الفكري والسلوكي، ويتعامل معه على أنه القاعدة، فيما العكس يصبح نشازاً. 

إذا كان من ضرورة لأن تستضيف برامج الحوارات الرمضانية شخصيات سياسية من وزراء ونواب، فالمفروض أن يدور الحديث حول الوجه الآخر للسياسي، بعيدا عن التصريحات المثيرة للكراهية أو القلق. لا يجب أن يسمح المقدم لبعض هؤلاء بإطلاق الأكاذيب والادعاءات، التي تظهرهم بمظهر البطل النزيه، رغم تاريخه المعروف بعكس ذلك.

لا أفترض القصدية في نهج هذه القنوات دائما، فربما يكون السعي وراء المشاهدات المباشرة أو عبر وسائل التواصل هو الدافع لذلك، لكن النتيجة واحدة وهي الاضرار بمزاج الناس والتلاعب بمشاعرهم واثارة النعرات بينهم. هكذا تصبح بعض وسائل الاعلام معاول لهدم البلاد بدل أن تكون مساهمة في بناء الانسان العراقي.

اضف تعليق