صحيح أن قانون تجريم البعث يخضع لمساومات ويتعثر تطبيقه بسبب ضغوط سياسية أو تهاون، لكنه سيظل الأداة القانونية لمواجهة أية محاولات لإعادة الاعتبار لفكر البعث الشوفيني بل يجب اعتماده في منع أي تنظيم أو تحرك فردي فيه رائحة هذا الفكر، تماماً كما تفعل الدول الغربية الديمقراطية، الأفكار النازية الشوفينية، كفكر البعث...
حوارات من تبقى من البعثيين وأبنائهم المأخوذين بكلام ابائهم يستدعي عندي صورة مماثلة لأنصار الملكية في ايران والتي سقطت عام 1979 بثورة الخميني التي غيرت وجه المنطقة. أنصار الملكية والمؤمنون بها هاجروا وانتشروا في ارجاء الأرض، خصوصا في أميركا وأوروبا، ففارق اغلبهم الحياة وهو يحلم بزوال النظام في ايران وعودة الملكية.
ما تبقى منهم وبعض من جيل أبنائهم الذين يعيشون أجواء ابائهم واحلامهم يحاولون الاستمرار بهذا الحلم وهم يستبشرون بكل ضغط أميركي على إيران، أو خروج مظاهرة احتجاجية في مدينة إيرانية أملا منهم في أن تكون بداية تحقيق حلمهم بالعودة. باتوا أداة تستخدمها جهات سياسية غربية كلما أرادت الضغط على طهران، رغم علمهم أن هذه الورقة محروقة في إيران.
فقد مضى على سقوط النظام الملكي أكثر من ستة وأربعين عاما، وظهر جيلان لا يعرفان شيئا عن تلك الحقبة سوى كلام وردي من بقايا مؤيدي الملكية.
نفس الحالة يمر بها بقايا البعث في الداخل والخارج، وتبعاً لهم، جيل الأبناء الذين لم يعِ أغلبهم مرحلة البعث أو عاش في أجواء السلطة فلم يرَ منها سوءاً أو انه ورث من جيل الإباء تبرير الجرائم التي ارتكبت بحق العراق والعراقيين ابان تلك الحقبة.
يتحمس بعض جيل الأبناء للترويج للتغيير في العراق والعودة الى الحكم كلما سمعوا تصعيداً سياسيا ضد بعض مؤسسات الحكم الحالية مثل الحشد وغيره كجزء من التحشيد ضد ايران بسبب اتهامها بدعم هذه المؤسسات. يفرح هؤلاء باستغلال عضو كونغرس أميركي أو سياسي أوروبي، يستغل حلم هؤلاء بالعودة مقابل عطاءات مادية، فيقوم بنشر تغريدة أو حملة تصريحات ضد النظام السياسي الحالي، وكلها مبنية على اتهام الحكم بالارتباط بايران.
هذا الطرح يتناغم مع منهج البعث القائم حتى الان على معاداة ايران والحركات الإسلامية الشيعية، نفس المنهج الذي انتج حرب السنوات الثمانية التي دمرت الاقتصاد العراقي ومعه البنية الاجتماعية ومنظومتها الأخلاقية، فضلا عن حياة مليون عراقي كانوا وقود هذه الحرب، وقبلها وخلالها، الحملة الشرسة على الأحزاب الإسلامية التي سحقت عشرات الالاف من العراقيين حتى على الظن والشبهة وتقارير الرفاق.
الحلم بالعودة الى حكم العراق هو كحلم إبليس بدخول الجنة. أصحاب هذا الحلم ما زالوا متمسكين بذات الخطاب العنصري الشوفيني الذي قتل كرد العراق، والطائفي الذي اضطهد الغالبية العراقية وبطش بها في مسالخ المخابرات ومراكز الامن، حتى لو استخدم أدوات قذرة من ذات الغالبية.
هو فكر العصابة التي اختزلت الوطن واهله برئيسها وعائلته وعشيرته عبر تمسك بالسلطة وصل حد إبادة عشرات القيادات من الحزب نفسه في اجتماع قاعة الخلد الشهير وغيره. هذا جزء من تاريخ حكم كان بيد البعث، وما زال بقاياهم وابناؤهم يؤمنون بذات الفكر ويبررون تلك الجرائم، مما يعني استعدادهم لتكرارها لو تسنى لهم ذلك.
ينسى الحالمون أن في العراق قانونا يجرّم البعث. ليقل البعثيون، ومنهم من بات سياسيا كبيرا في النظام الحالي، أن الفكر لا يمكن القضاء عليه. لكن يمكن حظره قانونيا باعتباره فكرا يتعارض مع حقوق الانسان والحريات التي لم يذقها العراقيون طوال سنوات حكم البعث المظلمة.
هكذا تم حظر الفكر النازي في المانيا والنمسا وغيرها، وهي بلدان يشار لها بالبنان عند الحديث عن الحريات وحقوق الانسان. وما زالت هذه الدول تلاحق كل حزب جديد تُشتم منه رائحة فكر نازي، خوفاً على المجتمع وحريته وحياته.
صحيح أن قانون تجريم البعث يخضع لمساومات ويتعثر تطبيقه بسبب ضغوط سياسية أو تهاون، لكنه سيظل الأداة القانونية لمواجهة أية محاولات لإعادة الاعتبار لفكر البعث الشوفيني بل يجب اعتماده في منع أي تنظيم أو تحرك فردي فيه رائحة هذا الفكر، تماماً كما تفعل الدول الغربية الديمقراطية، الأفكار النازية الشوفينية، كفكر البعث، يجب مكافحتها حفاظا على المجتمع.
لا بد من التذكير هنا بأن الثغرات والنواقص الكبيرة في النظام الحالي، هي في جانب غير قليل منها، نتاج تلك العقود العجاف من حكم البعث، وهو، رغم كل ذلك، أفضل بما لا يقاس مما كان في تلك الحقبة المظلمة.
اضف تعليق