يبالغ كثيرون في الحديث عن حجم الخطر القادم على العراق من قبل إدارة ترامب، ويذهب كثير من معارضي النظام السياسي إلى الحديث عن سيناريوهات لما سيقوم به ترامب بتفاصيل لا يبدو ترامب نفسه يعرفها من هجوم عسكري وعمليات اغتيال وازاحة الطبقة السياسية الحالية وإحلال العناصر الموجودة في الخارج...

يبالغ كثيرون في الحديث عن حجم الخطر القادم على العراق من قبل إدارة ترامب، ويذهب كثير من معارضي النظام السياسي إلى الحديث عن سيناريوهات لما سيقوم به ترامب بتفاصيل لا يبدو ترامب نفسه يعرفها من هجوم عسكري وعمليات اغتيال وازاحة الطبقة السياسية الحالية وإحلال العناصر الموجودة في الخارج - بمن فيهم رواة هذه السيناريوهات أنفسهم- محلهم. بل إن هذه السيناريوهات أحيت الأمل عند كثير من البعثيين للعودة إلى السلطة، وراح بعضهم يصرح ويصدر البيانات التي تعد بقرب عودتهم.

على الجانب الاخر يذهب كثير من ساسة النظام الحالي والمتحدثين القريبين منهم إلى نفي كل هذا الحديث جملة وتفصيلاً، فيما يبدو الاسترخاء يعمّ أغلب السياسيين وكأن شيئا لم ولن يحدث في المنطقة والعالم. هناك فريق يشعر بالخطر وهو يبحث في ملامح المرحلة القادمة، دون أن يكون الخطر بالحجم الذي يعرضه المستبشرون بتغيير النظام.

لا شك أن المنطقة مرّت بتغييرات كبيرة منذ عام تقريبا، وبعد عودة الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب إلى البيت الابيض، ومعه فريق مطيع لتطلعاته غير المألوفة من الرؤساء السابقين. وهي تطلعات لا تشمل الشرق الاوسط وحده، بل حتى جيران الولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك وصولا إلى أوروبا وأوكرانيا.

ربما يكون الملف العراقي هو الأقل تناولاً من جانب ترامب وفريقه حتى الان، باستثناء ما تم تداوله عن مضمون اتصالات هاتفية لبعض وزراء ترامب مع رئيس الوزراء العراقي. مضمون هذه الاتصالات لم يوحِ بسلبية تجاه العراق. ربما فيها رسائل لعناوين مطالب الإدارة الأميركية من العراق، لكن الثابت أن ما تريده الادارة الجديدة هو ما يخص إيران في العراق. هي تريد تشديد الحصار على ايران بعدما فقدت الأخيرة ورقة لبنان وسوريا. واضح أن ترامب ما زال ينظر إلى العراق، كما كان في ولايته السابقة، على أنها ملحق بالملف الإيراني، وهو يستهدف أمرين في العراق: حركة الدولار ومنع وصوله إلى إيران مع قطع العلاقات الاقتصادية، التي تعين ايران اقتصاديا، ومصير الفصائل التي تراها واشنطن اذرعاً إيرانية في العراق. بوضوح، فان هذين الملفين يعنيان الجانب الشيعي من النظام السياسي، وبالتالي فإن ممثلي باقي المكونات لا يشعرون بأي خطر عليهم.

في الساحة الشيعية العراقية هناك نقاش يتسع حول مستقبل شيعة العراق. فريق يرى أن المطلوب هو الانكفاء إلى الداخل والاهتمام بحلّ الملفات الداخلية وفق ما يطلق عليه بالمنهج الوطني العراقي، مقابل رأي آخر يسلك ما يسميه بالمنهج الأخلاقي والسياسي الاستراتيجي، الذي لا ينفصل عن قضايا حساسة في المنطقة كقضية فلسطين وعنوانها الأبرز قضية غزّة. 

كلا الفريقين يقولان بوجود استهداف لشيعة المنطقة ككل، لكن الفريق الأول يقول إن المطلوب سلب ذرائع هذا الاستهداف عبر الانكفاء الوطني وتحصين الداخل العراقي بالتكامل مع باقي المكونات، فيما يرد الفريق الثاني بأن وقف “الارتباط الأخلاقي” بالملفات الأخرى والخروج من صيغة “وحدة الساحات” سيسهل الانفراد بشيعة كل بلد لقمعهم، مستدلين بحوادث ومجازر حدثت في الماضي والحاضر القريب جغرافياً.

هذا النقاش ذاته يدور في ساحة النخب الإيرانية السياسية المنقسمة بين الفريقين ذاتهما. تقليديا كان الفريق الإيراني الموسوم بالمحافظ متشددا في موضوع المضي في دعم ملفات ساخنة غير إيرانية، وتحديدا قضية فلسطين تحت ذات المسمى (الواجب الأخلاقي والشرعي)، فيما يطالب من يعرفون بالإصلاحيين، ومعهم القوميون بوقف التضحية باقتصاد ايران ومستقبلها من أجل الاخرين.

جديد هذا النقاش أن رموزاً من التيار المحافظ انضم إلى هذا الفريق لتتوسع جبهته، ومن هؤلاء علي لاريجاني رئيس البرلمان السابق وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام حالياً، ومحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني الحالي.

في الساحة العراقية أيضا لا يقتصر الفريق الداعي إلى الانكفاء، على ليبراليي الشيعة، بل يضم أيضا بعضا ممن يصنفون ضمن “محور المقاومة” وسط إدراك بأن اللعبة تغيرت، ولا بد من أدوات وقواعد جديدة لهذه المرحلة.

وما دام الموقف الأميركي من إيران هو العامل الرئيس المؤثر في الوضع العراقي فإن مصلحة العراق هي أن تسفر الرسائل الايرانية الاميركية الحالية إلى اتفاق.. علّه يحدث فيستريح الجميع.

اضف تعليق