ما حدث في البيت الأبيض بين الرئيسين الأميركي ترامب والأوكراني زيلينسكي، كان مشهدا مسرحياً بامتياز. زيلينسكي مارس مهنته السابقة لكن بعيدا عن الكوميديا. فيما ترامب تصرف بسلوكه المعهود الرامي إلى إحراج بل إذلال ضيفه. مع زعماء سابقين مارس سلوك الازدراء والابتزاز، لكنه هذه المرة لم يمارس ذلك لوحده بل استعان بنائبه أيضا ومعه أحد الصحافيين...

ما حدث في البيت الأبيض بين الرئيسين الأميركي ترامب والأوكراني زيلينسكي، كان مشهدا مسرحياً بامتياز. زيلينسكي مارس مهنته السابقة لكن بعيدا عن الكوميديا. فيما ترامب تصرف بسلوكه المعهود الرامي إلى إحراج بل إذلال ضيفه. مع زعماء سابقين مارس سلوك الازدراء والابتزاز، لكنه هذه المرة لم يمارس ذلك لوحده بل استعان بنائبه أيضا ومعه أحد الصحافيين، الذي بدأ حفلة السخرية بسؤاله اذا كان لديه بدلة أم لا، مقرعا إيّاه لعدم احترامه البيت الابيض بلباس لائق. 

ترامب نفسه ابتدأ عملية السخرية لدى استقباله زيلينيسكي على الباب معلقا على ملابسه. خاض الرئيسان “حفلة” جدل حاد بعيدا عن الدبلوماسية ولياقاتها. اللافت للنظر أن ترامب قام بكل ذلك بعدما كان ينتظر عملية التوقيع على اتفاق بين الجانبين لتحصل واشنطن على نصف ثروات أوكرانيا من المعادن الثمينة. فجأة تحول “المهرج الدكتاتور” كما وصفه ترامب سابقاً، إلى مجادل شرس أمام الرئيس الأميركي في سابقة لم يشهد لها تاريخ الرؤساء الاميركيين ذلك. بل ربما تندر هذه الحالة في تاريخ الدبلوماسية الدولية. 

وقد يكون تصريحه قبل الزيارة قد أثار إدارة ترامب ودفعها إلى تجهيز هذا الكمين للرئيس الاوكراني. فقد صرح بان نصف المساعدات الأميركية إلى بلاده كانت تسرق، مقللا من اهمية تلك المساعدات وهو ما أثار غضب الجانب الأميركي. والواقع أن ما قاله لا يبتعد عن الحقيقة، فأغلب المساعدات كانت تسلّم إلى شركات السلاح والذخيرة الاميركية، وهي تقوم بتزويد أوكرانيا بالطائرات والصواريخ والقذائف.

في ذلك المشهد ظهر زيلينسكي بمظهر الرافض للشروط الأميركية لوقف الحرب، بل كان يطالب بسلام مصحوب بضمانات، أو ما أسماه بالسلام العادل. ربما كانت الدول الأوروبية التي زارها زيلينسكي قبل واشنطن وآخرها ايرلندا قد جددوا دعمهم له بما إعطاء دفعة من الجرأة للوقوف بوجه ترامب، وهو تأييد صدر عن هذه الدول بعد اللقاء الساخن أيضا بتصريحات واضحة، رغم أن أمين عام الاتحاد الأوروبي نصح زيلينسكي بإصلاح الوضع مع ترامب.

الإدارة الأميركية بادرت على الفور إلى وقف بعض اشكال الدعم المقدم إلى أوكرانيا فيما يتوقع أن تبعها اجراءات أخرى. ما حدث في البيت الأبيض تباينت ردود الأفعال حياله داخل أميركا وخارجها. فالديمقراطيون نددوا بما فعله ترامب وقالوا إنه يسيء إلى هيبة اميركا، فيما تبنى الجانب الروسي موقف ترامب وتنوعت ردود فعله بين شامت بزيلينسكي واخر مهاجم له ومساند للرئيس الأميركي.

مع أن بعض الاعلام أشار إلى ان الرئيس الاوكراني هو الذي فجر الجدال عندما سأل عن الضمانات الأمنية الأميركية في حال التوقيع على الاتفاق الذي جاء من أجله، الأمر الذي أثار غضب ترامب الذي كان مستعدا سلفاً لتوبيخ وازدراء ضيفه. يبدو ان المشادة التاريخية خدمت زيلنسكي على صعيدين، الأول داخلي اذ يقال إن شعبيته ازدادت كثيرا، واوروبياً بعد تأكيد دول أوروبية عدة دعمها وتأييدها له، لكن هذا الدعم سيعني أنها يجب ان تتحمل عبئاً ماديا كبيرا في حال وقف الدعم الأميركي الذي سيترك تأثيره الكبير على القدرات العسكرية الأوكرانية خصوصا سلاح الجو. 

وعموما فان الحرب في أوكرانيا تقترب من نهايتها والمعادلة الجديدة هي بتحول واشنطن من مساند وداعم للحرب ضد روسيا إلى شريك اقتصادي معها. ترامب لن يتخلى عن نصف معادن الأرض الأوكرانية، التي يسيل لها لعابه ومعه أفراد حكومته من أصحاب الصناعات وفي مقدمتهم ايلون ماسك الذي يتطلع إلى المعادن الثمينة الداخلة في سيارات تيسلا الكهربائية التي ينتجها مصنع ماسك.

اضف تعليق