q
لقد كان للفكر المتوازن للسيد الشهيد حسن الشيرازي أثر في تعزيز قيمة الدين، وأثره الروحي على النفس البشرية بعد محاولات جادة ومتواصلة لطمس هذا التأثير، وقد أثبتت الأحداث الزمنية الحالية عمق رؤيته، خصوصاً بعد الانهيار المتواصل للمسميات والمفاهيم التي وقفت من الدين موقف الضد الانفعالي لا المعرفي...

تلجأ السلطات القمعية دائماً إلى التضليل وحرف الحقائق؛ بهدف تدعيم سلطتها متكئةً على نسقٍ عام يقوم على تشويه الفكر المضاد لها ولهيمنتها، وخصوصاً لو كان هذا المُفكر يمثل توجهاً دينياً، عندئذ يكون من السهل على السلطة وفق ذلك النسق إلصاق التهم به كالعمالة أو التطرف مع رش بهارات قوية المفعول لما يُعرف بـ (نظرية المؤامرة)، وبعدها تتخذ خطوتها التي لابد منها ممثلةً بتصفية هذا المفكر أو المعارض، بعد أن تصل لقناعة لا جدوى تسقيطه وبث الشائعات حوله، وبعد أن تلمس تأثيره وسلطته الروحية، ومدى مقبوليته عند الناس، وثقتهم بآرائه ومنطلقات مدرسته الفكرية.

ويمثل المفكر الإسلامي السيد الشهيد حسن الشيرازي مصداقاً لذلك المعارض الذي أرَّقَ السُلطات الاستبدادية بقوة منطقه وعراقة الفكر الذي نشأ وتربى عليه جيلٌ من مفكري ومبدعي الصحوة الإسلامية المضيئة. فسيرة الشهيد الشيرازي تمثلُ خلاصةً راقيةً، وشرحاً مختصراً وافياً لقيمة الاعتدال، وطريقاً معبدة للحوار مع الآخر؛ بهدف إيقاف كل مخططات الاستعمار، ونهب الثروات، واستعباد الناس، وتحريف القيم، وتخريب الأخلاق.

ولنا أن نتصور حجم الأرق الذي كانت عليه السلطة القمعية في العراق وهي تشاهد فشل محاولاتها المستمرة في وضع العصي القمعية في دواليب الفكر الإنساني المتجذر بقصد إيقافه؛ لأن غباءها كان يحجب عن حقيقة أنَّ الفكرة لا يمكن تغييبها، فكيف إذا كانت فكرة تنطلق من منهج أشرف رسالات السماء، ويطبقها رجالٌ ذابوا في إنسانية تلك الفكرة وعظمتها.

مثَّل السيد الشهيد حسن الشيرازي الأنموذج الحي للمثقف والمفكر الذي ليس لزيٍّ أو معتقدٍ أن يختزله، أو يبعده عن أداء رسالته في الارتقاء بالقيمة الإنسانية. فإذا كانت الصورة الاعتباطية المأخوذة عن رجل الدين بأنه شخص تبليغي يحاول فرض منطقه بالقوة؛ فإن سلوك الشهيد الشيرازي نسف هذه الصورة بشكل لا يقبل الشك. ولم ينسف الصورة الاعتباطية بعناد أو غيظ، بل كانت الابتسامة، وكان المنطق والحوار الذي يجسّر القيم بين المختلفين، ويدعو إلى تضييق مساحات الخلاف كلما سنحت الفرصة؛ لأن هذا التضييق من شأنه يوحد الصف، ويُبطل محاولات المستعمرين. وكم كانت للسيد الشهيد الشيرازي مواقف من أهم قضايا الأمتين العربية والإسلامية مجسدة بالقضية الفلسطينية، والتي لا يمكن لمقال بسيط كهذا الذي بين يدي القراء الأعزاء أن يحيط بها وبعمق رؤاها، مثلما كانت له جولات وزيارات لمختلف الرموز التي ليست على فكره بقصد تقريب وجهات النظر، والتأكيد على النقاط المتفق عليها.

هذه الحركية المضيئة أفسدت كل محاولات المتسلطين المستبدين والمراهنين على نسق الصورة النمطية المأخوذة عن رجل الدين، خصوصاً بعد أن لاحظت الضغط المحلي والدولي الكبير عليها حين غيَّبت المفكر الشيرازي في السجون، ومارست عليه أبشع صور التعذيب الجسدي والمعنوي، بحيث لم يُسمح لذويه بزيارته إلا بعد سنة. وزاد الضغط حين تم الحكم بإعدامه ثم تخفف الحكم، فاستمر الضغط الذي أرغم السلطات على إطلاق سراحه.

المفكر المتوازن

وإذا كانت حركة السيد الشهيد حسن الشيرازي تنطلق من كونه سليل عائلة فقهية عريقة؛ فإنها لم تُعق مشروعه الفكري التنويري الذي واكب المرحلة واستوعب تطوراتها خصوصاً الفكرية منها، وخصوصاً قضية الحداثة التي صارت أمراً واقعاً ليس من المنطق عدم التعامل معه، لكن السيد الشهيد ركز على التوازن بين الحداثة والموروث في كل طروحاته لأن الحداثة العائمة تعتبر فوضى، مثلما أن الجمود على القديم يؤدي إلى حالة التكلس الفكري. وقد تجسدت الموازنة الفكرية بين القديم والجديد في كتابه المهم (خواطري عن القرآن) الذي قدم فيه رؤيته حول قضية التقاء الغرب والإسلام على (الواقعية) متطرقاً إلى اختلافهما في توظيفها التي جعلت الغرب متقدماً والمسلمين متأخرين، كما ركز على ثنائية العلم والعقل مؤكداً عدم كفايتهما مستشهداً أيضاً بالعالمين الغربي والإسلامي، حين رأى أن الغرب مكبل " من داخله بالكنيسة التي تمنعه من الإسلام، والمسلمون اليوم مستعمرون ثقافياً واقتصادياً، فليسوا قادرين على العودة إلى الإسلام الذي هو قادر على هدايتهم وهداية العالم، لذلك بقي العالم بشقيه الغربي والإسلامي بما هو متاح له، وكل ما هو متاح يتمثل في أمرين لا ثالث لهما وهما : العلم والعقل"

لقد كان للفكر المتوازن للسيد الشهيد حسن الشيرازي أثر في تعزيز قيمة الدين، وأثره الروحي على النفس البشرية بعد محاولات جادة ومتواصلة لطمس هذا التأثير، وقد أثبتت الأحداث الزمنية الحالية عمق رؤيته، خصوصاً بعد الانهيار المتواصل للمسميات والمفاهيم التي وقفت من الدين موقف الضد الانفعالي لا المعرفي.

لقد رسخ السيد الشهيد الشيرازي استحالة اغتيال الفكرة طالما انها من منشأ ضوئي سماوي، وهي الفكرة القابلة للتعاطي مع شتى العلوم الإنسانية، والفنون الابداعية، شريطة توازنها، وإيمانها بهدفها في تقدم الإنسان ورقيه.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
العراق
نظام البعث العراقي لم يطلق سراح السيد حسن الشيرازي بغط داخلي ولا خارجي، مع الاسف، ولا من بضغط مفترض من الجماهير او الحوزة العلمية وغيرها، وإنما جاء بشكل اعجازي غير متوقع، بالامكان مراجعة المصادر حول هذه القضية، مع الشكر الجزيل2019-02-25