كل شيء في الحياة بات على شاكلة تختلف عن تلك التي عاشها اباءنا، فقد فرضت التغييرات التكنلوجية وزيادة نسبة دخول الناس والانفتاح على البلدان الصناعية التي امدتنا بالتقنيات وكل مستلزمات الحياة المدنية المعقدة والتي افقدتنا بساطتنا في العيش وسط تزاحم الناس وتنافسهم على اقتناء اكثر الاشياء اثماناً واكثرها فخامة...
كل شيء في الحياة بات على شاكلة تختلف عن تلك التي عاشها اباءنا، فقد فرضت التغييرات التكنلوجية وزيادة نسبة دخول الناس والانفتاح على البلدان الصناعية التي امدتنا بالتقنيات وكل مستلزمات الحياة المدنية المعقدة والتي افقدتنا بساطتنا في العيش وسط تزاحم الناس وتنافسهم على اقتناء اكثر الاشياء اثماناً واكثرها فخامة، فلا مجال للبسيط او قليل الثمن وان كان مقبولاً، وهو ما اوصل حياتنا الى قمة التعقيد المتعب، فكل ما كان يتلذذ به الانسان على بساطته اصبح لا يعجب الكثير لأنه ليس فيه ضرب من ضروب التكلف.
من اثار التكلف انه يترك التعاسة على صاحبه فيما لو لم يكن الانسان على مسايرته، فكم من بيت شقي اهله لان الرجل يواكب جديد موضة اللبس ولا يرتدي الا ماركات عالمية معروفة اولا لا يشتري الا سيارة مثل السيارات التي يشتريها اقرانه ميسوري الحال والتي يصل ثمنها الى عشرات الالاف من الدولارات وقد يترتب على هذا الهوس ديون كبيرة او رهن لمسكنه الذي لا يملك غيره، او قد تجد المرأة تجهد زوجها ونفسها في ابدال اثاث المنزل في كل عام او شراء اشياء منزلية ليست ضرورية تعبر عن مظاهر الترف والبذخ لأنها رأت هذه الاشياء في منزل صديقتها او زميلتها في العمل او في منزل جارتها.
المعاملات العامة بين الناس هي الاخرى لم تنجو من التغيير وقد اصطبغت بصغبة التصنع والتكلف وفقاً لمحددات رخيصة، فالغني يتظاهر بما يملك ويعامل الناس بفوقية لا بما يجب ان يعامل الادمي لشبيهه الادمي فهو يعامل الناس على اساس ما يملكون من مال واملاك امور اخرى جمالية، فكل هذه الامور تحدد نوع التعامل، وفي الغالب سلوك الناس حتى غير الاغنياء الذين اصيبوا بمرض المادية والفوقية صار يعتمد على النفاق والمظاهر الرنانة في العمل والوظيفة التي نمارسها ومستوى التحصيل الدراسي في التعامل في مناسبات الافراح ومجالس العزاء وحتى في مجالس المثقفين للأسف، فقد غادرت البساطة حياتنا ولا من امل في العودة التعامل بفطرتنا السليمة الا عند اولئك الذين رحمهم ربي وهم قليل.
تعاظمت مشكلة اهتمام الناس بالشكليات وانعدام التقييم للجوهر بسبب التغيير في المنظومة القيمية فما كان سابقاً محور اهتمام لم يعد اليوم كذلك، والتسابق الى اقتناء البيوت الفارهة وملئ خزانات الملابس بما يفيض عن الحاجة الحقيقة هي سلوكيات ذات دوافع نفسية احتلت نفوسنا كرهاً وطوعاً، فبالرغم من امتلاكنا ما يكفينا الى ان انظارنا تبقى شابحة صوب المطاعم والملابس وسواهما وهو ما يسمى بـ (الجوع النفسي).
وتبرز التربية الوالدية كسبب من اسباب سيادة البساطة في حياتنا او العكس، فالآباء من يشكلون في نفوس ابناءهم القناعة والبساطة التي تجعلهم متربعين على عرش السعادة، والعقل الجمعي او السلوك الجمعي هو من وجه الناس الى التعقيد والتكلف فيغدوا الفرد منساقاً الى مسايرة الجماعة التي يعيشها وليس اقتناعاً منه بما يلبس او يأكل او يسكن او ما يستخدم من وسيلة للنقل سيما مع انتشار التكنولوجية التي يسرت الاطلاع على الجديد في هذه العوالم التي يسودها التنافس، هذه باختصار هي ابرز الاسباب التي تقود المجتمعات او البعض من افراد المجتمعات الى الدخول في نفق التعقيد المظلم.
اما الحلول فتتجسد في عدم الاكتراث للمظاهر الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع وجل ما تجلبه الهم والتعب لصاحبه، ومن المهم تحديد احتياجاتنا من الضروريات كاللبس والاكل وكل ما يخص طريقة العيش، ولابد من القناعة بما لدينا وبما نمتلك ونسير حياتنا بيسر وبساطة وهدوء واطمئنان نفسي، فجمال الانسان في عقله وفكره السليم لا ببهرجته وزركشة ثيابه، وفي البساطة نخفف الاعباء المالية، ونحفظ صحتنا النفسية، وبذلك تغلبنا على تعقيدات الحياة وتركيباتها وكسبنا وقتنا الذي سنهدره في التفكير في توفير المستلزمات التي جاء بها التكلف.
بالبساطة وترك الانجرار الى الحياة المعقدة يوفر لنا مساحة نفسية ومادية وذهنية اكثر سلاماً، والبساطة يجب ان تكون اسلوب حياة تقودنا الى مكتسبات افقدتنا اياها عوامل كثير عرضناها سابقاً، الفكرة في التوكيد على البساطة هي تكوين صلة اكثر عمقاً ومعنى وفائدة بدلاً من الاعتماد على صلات سطحية وهمية سلبية الاثر، وعدم اتصافنا بقيمة البساطة في تفصيلاتنا مع محدودية اتباعنا لقوانينها يعني بالضرورة وجود تناقض مع قيمنا الثقافية والرؤيا التي في اذهاننا لنوع الحياة التي نفضلها، فالاطمئنان في الرضا والراحة في البساطة، ومئات قصص السعادة عاشها اناس وقودهم بساطتهم وقوتهم في قناعتهم، فلا ظروف قاسية تنال منهم ولا تعقيد يرهقهم لانهم اساساً رضوا بالقليل وعاشوا به اغنياء.
اضف تعليق