لم يكن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي وفوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة احداثا بسيطة ستمر مر الكرام على دول الاتحاد الاوربي برمتها، فالحرب القادمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي حربا اقتصادية دلائلها السرية والعلنية الازمات المالية التي تمر بها جميع بلدان العالم نتيجة الهبوط الكبير في اسعار النفط وحرب البنوك والعملات.
بدأت هذه الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عن طريق دفع غرامات وضرائب من قبل اكبر المصانع والمؤسسات (ابل في ايرلندا، فولكسفاجن في أمريكا، دُيون دويتشه بنك "أكبر مصرف ألماني" )، حيث نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقارير قالت فيها إن ساسة ألمان وصفوا مطالب واشنطن من مصرف "دويتشه بنك" وشركة صناعة السيارات "فولكس فاغن" بأنها حرب اقتصادية، فيما قال بيتر رامسور رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الألماني إن الخطوة التي اتخذتها وزارة العدل الأمريكية ضد "دويتشه بنك" في مطالبته بضرورة تسديده غرامة مالية تصل إلى 14 مليار دولار، لتسوية دعاوى تتهمه ببيع أوراق مالية مدعومة بالرهن العقاري عن طريق التضليل لها خصائص الحرب الاقتصادية، مؤكدا أن واشنطن لديها "تقليد طويل" للاستفادة من كل فرصة متاحة لخوض حرب تجارية، وخاصة إذا كانت تصب في صالحها، وأن المزاعم ضد "دويتشه بنك" دليل على ذلك.
ومع ما يمر به العالم من ظروف فان اتفاق التبادل الحر الهادف الى إلغاء الحواجز التجارية والتنظيمية على جانبي المحيط الأطلسي، لإقامة منطقة واسعة للتبادل الحر الذي حضي بتأييد كبير من قبل المستشارة الألمانية انغيلا ميركل والادارة الامريكية سابقا اي في عهد الرئيس السابق باراك اوباما يمر في ارض وعرة نتيجة عدم وضوح رؤية الحكومة البريطانية بخصوص علاقاتها التجارية مع العالم لاسيما بعد خروجها من الاتحاد الاوربي، فضلا عن معارضة الاتفاق داخل الائتلاف الحكومي الالماني وزيادة عدد معارضيه في صفوف الاشتراكيين الديموقراطيينمثل غابريال.
اما الامر الاخر الذي يجعل من هذا الاتفاق لم يخرج الى النور هو معارضة ترامب له حتى قبل وصوله الى كرسي الرئاسة، فهو وبحسب تصريحاته يسعى الى وضع سياسات حمائية تتناقض مع فكر الاتفاقيات التجارية والتبادل الحر مع العديد من البلدان حول العالم.
وبحسب المختصين ان ما يجعل الامور تسير بتوتر بين الاتحاد الاوربي لاسيما المانيا والولايات المتحدة هو ما شهدته الاسواق في نهاية 2016 من تحركات حيث ان قوة الدولار استمرت بالارتفاع ما ادى الى تراجع العملات الرئيسة في الاسواق، وخروج بريطانيا ادى الى تراجع قوة الجنيه الاسترليني وبالتالي إنخفاض قوة العملة الموحدة اليورو الالماني امام الدولار الامريكي السببان الرئيسان في اغلب الحروب الاقتصادية.
اما المعطيات الدولية وفق المهتمين فانها تغيرت بشكل كبير ولم يعد الصراع عسكريا بقدر ما هو اقتصاديا، فالصراع اصبح مفتوحا بين الشركات وبين اليورو والدولار وبين شركات بيع الأسلحة، وقد يصل هذا الصراع الى حد الحرب الخفية التي تستخدم فيها جميع الوسائل، فالسياسات الحمائية التي بدأ يتخذها الاتحاد الاوربي وتصريحات ترامب الرنانة بعدم صرف اموال الولايات المتحدة لتوفير حماية للبلدان، والاهتمام باقتصاد امريكا وسعيه الى ارجاعها دولة اقتصادية لا تضاهيها اي دولة، امر لابد له خلق صراعات وتناقضات بين المانيا التي تحاول جعل اليورو العملة الاقوى وبين ترامب الرجل الاقتصادي الذي اقسم ان يجعل اقتصاد امريكا بافضل حالاته.
وهنا لابد من وضع بعض التساؤلات؟!، في ظل عدم وجود رؤية واضحة للحكومة البريطانية الجديدة بعد خروجها من الاتحاد الاوربي، كيف يمكن لها ان تكون سوقا قويا لعملتها وسط الصراع الكبير بين اليورو والدولار؟.
الغموض الذي يعتري سياسة الرئيس الجديد للولايات المتحدة دولاند ترامب كيف ستواجهه دول الاتحاد الاوربي وهي تمر بصحة غير جيدة؟.
المانيا التي حاولت خلق علاقات تجارية جيدة مع الولايات المتحدة في عهد الادارة القديمة كيف ستتعامل مع الرئيس ترامب الذي يقول "لنجعل أمريكا قوية من جديد" في وقت كانت السياسة الأمريكية تقوم دائما على النظر باتجاه أوروبا؟.
وحول هذه التساؤلات تتلخص الاجابة وفقا لمحللين في القضايا الدولية بان هذه الدول وفي ظل تصاعد وتيرة الصراع بمختلف اشكاله ستسعى الى اكتساب المزيد من مناطق النفوذ السياسي وغزو الأسواق وتأمين التجارة، فبريطانيا لديها الخطط العديدة والاستراتيجية التي تؤمن مصالحها الداخلية والخارجية، وربما ادارتها فكرت مليا قبل الخروج من الاتحاد الاوربي في رسم سياستها سواء بالتحالفات الجديدة، وليس بالبعيد ان يكون للولايات المتحدة دور في خروج بريطانيا بغية اعلان الحرب الاقتصادية ضد الاتحاد الاوربي ولن تصيب بريطانيا حليفتها الكبيرة بشئ من اذى حربها.
اما عن السياسة الغامضة لترامب فعلى الاتحاد الاوربي او بالاحرى على المانيا فهم ما يريد كونه الرجل الاكثر معرفة من الالمان بالاقتصاد والعملات والضرائب والشركات والاتفاقات التجارية، لاسيما وان سوق الدولار لا زال ياخذ بالارتفاع، والدول المصدرة للنفط أوبك اعلنت في نهاية 2016 عن خفض الانتاج لأول مرة منذ 8 أعوام، ودفعت بالأسعار إلى الارتفاع في الأسواق الدولية بنسبة 8 في المئة.
بينما يجب على المانيا ان تمد جسور التواصل وتنتهج سياسة تحاكي ما يبغيه الرئيس ترامب فهو رجل الصفقات، اذ ان السياسة الاقتصادية للرئيس الأمريكي المنتخب التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية، قد تشكل تهديدا على التجارة الخارجية الألمانية بحسب خبراء في الاقتصاد والتجارة الخارجية، وان تصريحات ترامب المتعلقة بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادئ تعني فقدان الألمان نحو مليون فرصة عمل، بالاضافة الى ان كارستين بريزينسكي، الخبير الاقتصادي الألماني في مجموعة "إي إن جي" المالية الهولندية لم يستبعد تلقي الاقتصاد الألماني ضربة بسبب سياسات ترامب.
في النهاية لازال ترامب في طور التصريحات والاتحاد الاوربي لاسيما المانيا في طور التوجس، وفي حال طبقت التصريحات "الترامبية" واصبحت قرارات امريكية فان ذلك سيخلق مشاكل مالية للمصدرين الألمان، وهذا ما اكده البروفسور الاقتصادي في مدرسة فرانكفورت للإدارة والتمويل غريغوري فيلكوف الذي بين أن أساس العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبرلين قائمة على التبادل التجاري والاستثمار، والضرر في حال حدوثه سيلحق بالطرفين، ومن هنا ستبدأ حرب الاقتصاد المفتوحة، ومن يمتلك الاكثر من الاموال والشركات وغيرها سيكون الاعظم من بين تلك الدول، اما الركون الى اتباع اساليب السياسة الحمائية فتعني الانعزال وترك العولمة، الساحة مفتوحة والحرب سجال ومن سجالاتها ان امريكا ستتبع السياسة الحمائية مع الاتحاد الاوربي، وعلى المانيا اتخاذ التدابير قبل فوات الاوان.
اضف تعليق