تعود العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والسعودية الى "اتفاقية كوينسي" التي ربطت أمن المملكة العربية السعودية وحمايتها بتدفق الطاقة لامريكا، الا ان هناك شكوكا بين الطرفين حيث ان كل واحد منهما يرى الاخر لا يحترم مصالحه الإستراتيجية، اذ انه ومنذ دخول القوات السعودية إلى البحرين عام 2011 وصولا إلى تشكيل تحالف لحرب اليمن إلى قانون "جاستا" لم تكن هناك تفاهمات سعودية أمريكية مركزة، والذي زاد الطين بلة التصريحات النارية التي اطلقها الرئيس دونالد ترامب ابان حملته الانتخابية والتي كان اقساها ان السعودية "بقرة حلوب".
وبعد فوز ترامب بالرئاسة واختياره لشخصيات معادية بشدة لإيران في إدارته، أبرزهم الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس لتولي منصب وزير الدفاع (البنتاغون)، والجنرال المتقاعد مايكل فلين مستشارا للأمن القومي الذي عارض الاتفاق النووي بشدة جعل من المملكة السعودية وعلى الرغم من جميع التصريحات التي اطلقها ترامب ضدها تتنفس الصعداء، فترامب يعتبر إيران أكبر تهديد في الشرق الأوسط ويستنكر بشدة البرنامج النووي الإيراني وتخفيف العقوبات، والسعودية تعتبر نفسها محاصرة من قبل الإيرانيين في اليمن والبحرين وفي سوريا وحتى في العراق، الا ان التقارب هذا لا يعني شيئا امام نظرة ترامب تجاه سوريا فهي محيرة للسعوديين، كونه قال ان المشكلة الكبيرة في سوريا ليست متمثلة بالأسد، بل بتنظيم داعش وهذا مخالف لوجه النظر السعودية، فضلا عن اعجابه بشخصية بوتين واعلانه التعاون معه في الحرب ضد الارهاب في سوريا.
وعلى الرغم من ان فوز ترامب لقي اجماعا تفاؤليا من قبل الصحافة السعودية وإمكانية إستثماره لخدمة المصالح السعودية، الا ان المراقبين يرون غير ذلك اذ ان "بروس ريدل" السياسي الأمريكي ومستشار عدد من الرؤساء الأمريكيين حذر من وجود قضيتين تهددان الشراكة الأمنية القوية بين البلدين، وهما قانون "جاستا" الذي يسمح بمقاضاة المسؤولين السعوديين للمشاركة المزعومة في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، حيث ان ترامب من اشد المدافعين عن قانون "جاستا" الذي وصفه مسؤولون في الرياض انه تصعيدا خطيرا من شأنه إعادة الحسابات في مستوى العلاقات العتيدة بين البلدين في ملفات أمنية واقتصادية عديدة، بينما يحذر خبراء أميركيون من أن نقل السفارة سيقود لردات فعل عربية وإسلامية نظرا للقيمة الدينية للقدس، حيث ان السعودية تواجه جملة من المشاكل من انخفاض أسعار النفط وازدياد معدلات البطالة إلى الحرب في اليمن والعجز في الموازنة، وبحسب "بروس ريدل" ان نقل السفارة مع تراكم الاحداث التي تواجهها المملكة قد ينجم عن مواجهة حتمية بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية، لا سيما وان طهران قد تستغل هذا التحول الأمريكي لتؤكد صحة قراءتها منذ عقود وعدم ثقتها في واشنطن لانحيازها الشامل لإسرائيل، فضلا عن اتهام السعودية في حالة عدم تبنيها موقفا بشأن القدس بالتهاون والخضوع للصهيونية.
اما في الخطوة الاخيرة التي اتخذها الرئيس ترامب وهو قرار منع رعايا ايران والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال والسودان للسفر الى الولايات المتحدة، جعل من المتابعين يقفون حائرين من عدم ادراج السعودية وباكستان وغيرها من الدول المتهمة في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، الا ان الاتصال الذي عقب الاعلان عن هذا القرار بين الرئيس ترامب والملك سلمان يبين لماذا استبعدت المملكة، حيث نقل عن سفير السعودية في الولايات المتحدة "عبد الله بن فيصل بن تركي" أن ترامب وجه تهديدا للسعودية بطريقة غير مباشرة مطالبا ايها بدفع الاموال والا ستضاف الى قرار المنع، وبما ان السعودية ستدفع فان ترامب سيبقى يحبها اذ انه قال "احب السعوديين فهم يشترون الكثير من الشقق التي ابنيها" ومع تفاقم الازمة المالية التي تمر بها السعودية لاسيما وانها داخلة في حرب استنزاف منذ اكثر من عامين مع اليمن ولم يبان اي ملامح انتصار لها، وعندما تنفذ الاموال السعودية ستصبح المملكة دولة ليست لها قيمة لدى الولايات المتحدة، فيما اذا واصلت السعودية دفعها الاموال بدل حماية ارضها وعرشها الملكي فانها ستبقى الحليف الاكبر في الشرق الاوسط.
وفي حال نفذ ترامب وعده الانتخابي في التخلي عن النفط السعودي فسيكون لهذا عواقب وخيمة على الاقتصاد السعودي، اذ ان المملكة تعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية كـ ضعف القطاع الخاص وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب وتراجع الاحتياطي الأجنبي، كما إن إيقاف صادرات النفط إلى الولايات المتحدة يمكن أن يفاقم تلك الأزمة الامر الذي يشكل خطرا على استقرار البلاط الملكي السعودي، كما ان الاستغناء عن النفط السعودي بات لا يشكل خطرا على اقتصاد الولايات المتحدة حيث قال "بيري كاماك" الخبير في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي بواشنطن ان الولايات المتحدة اليوم تطور مصادرها من الطاقة، بما في ذلك النفط الصخري، وباتت تصدّر إنتاجها إلى كثير من بلدان العالم، وهكذا فقد تقلصت إلى حد كبير أهمية نفط الخليج بالنسبة لتجارة الولايات المتحدة وصناعاتها.
وبعد كل هذا تبرز حالة من الانقسام بين الحليفتين الولايات المتحدة والسعودية وما يوحدهما "بالعلن" فقط التوترات "الايرانية الامريكية" العدو المشترك للطرفين، ومتى ما رجعت المياه الى مجاريها بين الادراة الامريكية والحكومية الايرانية، فان ترامب سينفذ ما وعد به ناخبيه تجاه السعودية فالمصالح التي جمعت البلدين على مدى عقود طويلة كـ النفط وصادرات السلاح والموقف من إسرائيل وغيرها الكثير قد باتت جزءا من التاريخ وفق المتغيرات الجديدة، ونحن بانتظار صدق نبؤة ترامب بزوال السعودية في حال تخلي الولايات المتحدة عن دعمها.
اضف تعليق