شن مؤخرا الرئيس دونالد ترامب هجوما كبيرا على وسائل الاعلام واتهمها بمختلف التهم، بينما يؤكد متابعون انه ليس من النادر أن يشن رؤساء أميركيون هجوما على وسائل الاعلام، لكن حدة الهجمات المتكررة التي شنها ترامب غير مسبوقة، اذ واجهت جملة من الانتقادات على المستويين الاعلامي والسياسي حيث تحدث "جون مكين" عضو مجلس الشيوخ الأمريكي أمام مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن عن حرية وحذر من أن قمع حرية الصحافة "هي الطريقة التي يبدأ بها أي دكتاتور عهده"، في اشارة واضحة للرئيس ترامب، بينما أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أهمية الصحافة الحرة قائلة "أقدر بشدة الصحفيين، كنا دائما ما نحقق نتائج طيبة، على الأقل في ألمانيا، بالاعتماد على الاحترام المتبادل"، وفي الوقت الذي لم تذكر فيه ميركل بصورة مباشرة الرئيس ترامب الا انها كانت تقصده في كلامها هذا بحسب متابعين.
لم يمض وقتا طويلا على دخول ترامب الى البيت الابيض حتى صار الاعلام تحت مرمى نيران تغريدات وتصريحات الرئيس الذي لم يسلم شيئا من حدة انتقاداته، حيث بدأ بتصريح شكك فيه بعد نزاهة وسائل الاعلام ابان حملته الانتخابية، الى ان وصف الصحافة بحزب المعارضة، وليس انتهاءا بتصنيفها عدوة للشعب الأمريكي، وهي مرحلة لم يصلها أي رئيس أمريكي سابق بهذه السرعة، فضلا عن انه بدا وكأنه يحاول جعل الشبكة العنكبوتية إعلاما بديلا.
هذا التراشق بالتهم بين الاعلام وترامب بدأ منذ ان اتفقت بعض الصحف الامريكية الكبرى سواء بقصد او بغير بقصد على ان ترامب لا يصلح لان يكون رئيسا للولايات المتحدة، حيث اتفقت صحيفتا "واشنطن بوست ونيويورك تايمز" كبرى الصحف الأمريكية، على كتابة بيان مشترك تعلنان فيه صراحة انحيازهما للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في خطوة اختلفت حولها التقديرات كونها خروجا عن التقاليد المهنية المتبعة وحياد أجهزة الإعلام، الأمر الذي وفر منصة للرئيس بعد فوزه لاستهدافها، والذي وصل مرحلة اللاعودة، اما اتهام البيت الأبيض لوسائل الإعلام بالتحكم في الصور لتقليل عدد الحشود التي حضرت حفل تنصيب الرئيس الأمريكي اثارت كثيرا سخط ترامب.
كما ان اثارة خلافه مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بشأن تحقيقاتها في الاختراق الالكتروني الروسي، امر وتر كثيرا من العلاقة بين الرئيس ذو القرارات المتسرعة وبين وسائل الاعلام التي تستثمر الجدل الحاد لخدمة قضيتها.
بينما ترى الصحف في عداء ترامب فرصة سانحة لزيادة القراء والإعلانات اذ ان صحيفة نيويورك تايمز التي وصفها الرئيس دونالد ترامب بأنها "فاشلة" زاد عدد المشتركين في خدمات أخبارها الإلكترونية بعدد قياسي بلغ 276 ألف مشترك في الربع الأخير من العام الماضي كما أنها تتوقع ارتفاع إيرادات الإعلانات بما بين عشرة و15 في المئة في الربع الجاري، اما صحيفة وول ستريت جورنال فقد اضافت 113 ألف مشترك بخدماتها الإلكترونية في الربع السابق بزيادة تبلغ نحو 12 في المئة، وقالت الشركة إن الأعداد ارتفعت في شهر يناير كانون الثاني لكنها امتنعت عن ذكر أرقام، وقفز عدد الاشتراكات الإلكترونية بصحيفة فاينانشال تايمز بنسبة ستة في المئة في الربع الأخير ليصل إلى 646 ألفا وزاد عدد الاشتراكات الإلكترونية بشبكة (يو.إس.ايه توداي) التابعة لشركة جانيت والمؤلفة من 109 صحيفة في مختلف أنحاء البلاد بنسبة 26 في المئة إلى 182 ألفا في الربع الأخير.
وهنا لابد من التساؤل عما اذا كانت الحرب ضد الاعلام التي يشنها ترامب تصب في مصلحة الولايات المتحدة ام انها مضيعة للوقت وتشويه فكر الجمهور وتشتيته؟ وهل الحرب الترامبية الاعلامية ستؤثر على تنظيم عشاء رابطة مراسلي البيت الأبيض الذي سيقام في 29 أبريل/نيسان المقبل في تقليد يعود إلى العام 1921؟ .
بحسب متابعين فان اتهام الرئيس الأمريكي لوسائل الاعلام بالتغاضي عن هجمات ارتكبها ارهابيون إسلاميون متشددون دون أن يقدم أي دليل على ما يقول، لايعد وثيقة ادانة ضد الصحافة في اي بلد وتحت حكم اية سلطة، بل ان انتقاده لصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز ووصفهما بعدم النزاهة ناتج من ان الصحيفتين انتقدتاه منذ البداية وحتى الان لم تغير مواقفهما، وتكرار تغريدات ترامب ضد نيويورك تايمز لانها توقعت "هزيمته في الانتخابات التمهيدية وفي الاقتراع، وفي هذا الشأن بين رئيس الوزراء الاسترالي مالكولم ترنبول ان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضيع وقته في انتقاد وسائل الإعلام بشأن تغطيتها لإدارته مستشهدا بمثال زعيم بريطانيا وقت الحرب وينستون تشرشل"، وقال ترنبول "ان الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة يجب أن يتوقف عن التركيز على الإعلام"، بينما يؤكد مهتمون ان تركيز ترامب على الاعلام واصداره قرارات غير صائبة لا لشئ سوى تنفيذ وعوده الانتخابية العنصرية امر سيعكر من صفو العلاقة بين الولايات المتحدة والعديد من البلدان، فضلا عن فقدان الثقة بما تدعو له الولايات المتحدة من ضرورة احترام حرية الرأي والتعبير والصحافة عالميا.
اما الحرب الكلامية بين الاعلام وترامب ستلقي بظلالها بالتأكيد على تنظيم عشاء رابطة مراسلي البيت الأبيض، المعروف بأنه حافل بالمشاكسات، ويجمع الصحفيين والمشاهير بالرئيس، وتوضع فيه الخلافات جانبا لإطلاق النكات من دون ضغائن، اذ ان الكثير من الصحفيين سيعيدون التفكير مليا بشأن مشاركتهم في العشاء بعد انتقادات الرئيس الأميركي المتتالية، حيث كتب كبير محرري مجلة "ذا أتلانتك" ديفيد فروم على موقع تويتر: "كيف يمكن للإعلاميين أن يتبادلوا الأنخاب مع بيت أبيض يعبر بوضوح عن ازدرائه للحريات الصحفية"، كما ان محرر قسم الرأي في "يو إس نيوز آند وورلد ريبورت" روبرت شليسنغر اشار الى ان على الإعلام أن يقاطع العشاء، قائلا "يجب على المنظمات الإعلامية شراء البطاقات كالمعتاد لدعم الرابطة إلا أنه عليهم الانشغال بأمور أخرى تلك الليلة، وإذا حضر فلتتركوا النرجسي المهووس بالجموع يخاطب قاعة فارغة" ، وهنا يؤكد الاعلاميون ان الرئيس ترامب فتح شرخا كبيرا بينه وبين العديد من وسائل الاعلام التي تعد الوسيلة الاسرع والاقوى لمعرفة مجريات الاحداث في العالم.
وبينما اصحبت تغريدات الرئيس ترامب شغلا شاغلا لوسائل الاعلامية الامريكية وغير الامريكية واشعلت حربا بين وسائل الاعلام والرئيس ترامب انتقد كاتب غربي الإعلام الأميركي بشده لتركيزه على ما يبثه الرئيس دونالد ترمب من تغريدات يومية على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي تويتر، وإغفاله الحديث عن فقدان الأميركيين الثقة فيه، متهما الصحافة الأميركية بتجاهل الإشكالية الأكثر وضوحا التي يواجهها ترامب ألا وهي تدني شعبيته وسط الأميركيين، حيث يقول إريك بويهرت مؤلف أحد كبار الباحثين في مركز "ميديا ماترز" الأميركي، إن الإعلام الأميركي يصب جل اهتمامه على قضايا السياسة التي تعنى بشخصية الرئيس لا سيما ما يتعلق منها بالتغريدات التي يكتبها، بيد ان تدني شعبية ترامب خبر لابد من التشديد عليه بشكل يومي فهو الخبر الاسطع من جميع التغريدات والتصريحات التي يشتت من خلالها ترامب فكر الاعلام والجمهور، فقد يؤكد بويهرت ان شعبية الرئيس باراك أوباما عندما دخل البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2009 وصلت إلى 68%، في وقت منح استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب مؤخرا ترامب 43% فقط، وهو فارق مذهل بحسب المهتمين.
لم يتجاوز حكم ترامب الاسابيع المعدودة حتى استقال مستشاره للأمن القومي، وانسحب مرشحه لتسلم وزارة العمل، وأفشلت المحاكم قراره بشأن الهجرة، وتزايدت موجة التسريبات المسيئة لإدارته، وفتح فجوة كبيرة بينه وبين وسائل الاعلام واشعل حربا ضدها، وجعل المراقبين يحذرون من انه يتجه نحو انتهاك حرية الصحافة التي يضمنها الدستور، كل هذا والقرارات المتهورة ما زالت مستمرة، وهو ما جعل المتابعين والمراقبين يؤكدون بأن الرئيس ترامب يتجه بالولايات المتحدة نحو منزلق سيصعب الخروج منه، لاسيما وان طلته الاولى في السياسة تؤكد بانه شخص سلطوي ومتهور.
اضف تعليق