شكل تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الامريكية العديد من التساؤلات والمخاوف لدول الشرق الاوسط الحليفة لامريكا او التي تقف على الجانب الاخر، نتيجة التصريحات النارية التي اطلقها ابان حملته الانتخابية او قراراته غير المدروسة بحسب المختصين بعد توليه الرئاسة، فعلى سبيل التحديد يشكل ملف العراق صعوبة كبيرة بالنسبة لترامب كما شكل سابقا إحراجا لسلفه باراك أوباما، فترامب صرح مرارا وتكرارا ان قرار غزو العراق عام 2003 قد يكون "القرار الأسوأ"، في التاريخ الأمريكي حسب وصفه، مستندة في ذلك الى ان الولايات المتحدة في حربها على العراق ادت إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كان من شأنها تعزيز قوة إيران، وإهدار المليارات من أموال الامريكيين، وقتل الآلاف منهم.
وعلى الرغم من ان العراق والولايات المتحدة الامريكية مرتبطان بعلاقة شراكة منذ ان غزت امريكا العراق واسقطت النظام الصدامي الا ان تولي ترامب اثار الكثير من التوجس في ان تتخذ تلك العلاقات منعطفا سلبيا حيث ان الرئيس الجديد ترامب صرح خلال حملته الانتخابية بضرورة السيطرة الامريكية على النفط العراقي، وقراره بعد فوزه بمنع رعاية العراق وست دول اسلامية من السفر الى الولايات المتحدة الامريكية، وهذا القرار بحسب الساسة العراقيين خطأ ترتكبه الإدارة الجديدة للولايات المتحدة اذ انها تنقض ما تعهدت به الادارة الامريكية السابقة بعد انسحابها الرسمي من العراق باستمرار دعمها لقدراته الدافعة باتجاه فرض سيطرته على كامل ترابه، ومنع تفككه، أو اختطافه من قبل قوى العنف الظلامي، وقد تم تثبيت هذا التعهد في اتفاقية الإطار الإستراتيجي الموقعة بين البلدين في السابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر 2008، والتي تعتبر الوثيقة الأهم على صعيد تنظيم علاقاتهما المشتركة.
منطقة الشرق الاوسط التي يمثل العراق فيها محورا اساسيا ويمتلك ثاني احتياط نفطي فيها تشكل قضية مهمة لسياسة ترامب الجديدة التي يعارض فيها جميع سياسات الحزب الديمقراطي، حيث يقول إن كل المشاكل والحروب التي تعرفها دول الشرق الأوسط سببها إدارة أوباما، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الإرهابية، والملف السوري بالإضافة للعراق وليبيا والملف النووي الإيراني، بيد ان تهجم الرئيس ترامب على اغلب دول المنطقة واطلاقه تسمية "الارهاب الاسلامي" على المجموعات المسلحة الارهابية، واتهامه بعض دول المنطقة بالارهاب على الرغم من انها الدول الاكثر تضررا منه، جعل المتابعين يؤكدون ان السياسة الامريكية القادمة قائمة على المضي في العمل لمصالح الولايات المتحدة الامريكية فقط، بعيدا عن بناء المصالح المتبادلة مع بلدان المنطقة التي تشكل بعدا استراتيجيا لاغلب الدول العظمى لاسيما الولايات المتحدة.
واذا تسألنا ما اذا كانت الولايات المتحدة ستتخذ سياسة جديدة في التعامل مع العراق بشكل خاص والمنطقة بشكل عام فان الاجابة تتلخص وبحسب المتابعين الى ان السياسة الامريكية لا تختلف كثيرا او جوهريا بين رئيس واخر حيث ان المواقف ذاتها لان المصالح والأهداف ذاتها، الا ان هذا التصعيد من قبل الرئيس ترامب لتشويش التفكير لدى الحلفاء والشركاء والواقفين على الجانب الاخر بغية فرض الشروط والتعهدات التي يريدها فهو الان يطبق المثل الشعبي "اراويك الموت حتى تقبل بالصخونة" فضلا عن ايمانه بان أمريكا لم تعد فاعلا رئيسا ووحيدا في منطقة الشرق الأوسط لاسيما مع تصاعد الدور الروسي في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، فروسيا صاحبة الدور الابرز في الازمة السورية.
وبحسب سياسيين عراقيين فان السياسة الامريكية ثابتة لكن هناك فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين، اذ ان الديمقراطيين يلجأون الى الحلول السياسية والسلمية للأزمات، بينما الجمهوريون يلجأون الى الشدة نوعا ما وهو ما يصلح للتعاطي مع قضايا المنطقة، ومن هنا نسنتتج بان الولايات المتحدة وعلى الرغم من انها لا تملك السيطرة الكافية لفرض ما تريده في العراق، لكنها لا تزال تملك ما يمكنها من الضغط من أجل إحداث التغييرات، بيد ان العراق سيبقى رهين التوترات الامريكية الايرانية، فاذا ما توصل الايرانيون الى حل لاقناع الرئيس ترامب بشأن الاتفاق النووي، فهذا يعني وضع خطة بعيدا عن التقسيم والاقاليم، اما ولحد هذه اللحظة ومع اتهام ترامب لايران بانها دولة ارهابية فهذا يعني ان لامريكا اليد الاقوى في العراق وهي الحريصة على رسم خريطته والحفاظ عليه وفق اتفاقية الشراكة.
ومع تصاعد وتيرة التصريحات والقرارات الامريكية تجاه العراق وبعض دول المنطقة التي تؤكد بان ترامب لم يعد ينظر الى العراق كما كان ينظر اليه سلفه باراك اوباما، لذا يمكن القول بان الشكل العام للسياسة الامريكية المستقبلية في العراق ذاهبة باتجاه الفدرلة، وهو ما تعارضه ايران وحلفائه والذين هم العنصر الموازي لامريكا في رسم خريطة العراق التي باتت ارضا للقتال بالنيابة عن مصالح كبار الدول، الا ان التوترات القائمة بين ايران والولايات المتحدة حول الاتفاق النووي الذي يعارضه بشدة الرئيس ترامب قد يضعف من نفوذ ايران في رسم ما تريده الادارة الامريكية الجديدة للعراق، كما ان العرب السنة في العراق اذا بلوروا موقفهم في مشروع جامع واتفقوا مع الولايات المتحدة حول التقسيم في مرحلة ما بعد داعش التي باتت قاب قوسين او ادنى بعد ان كانوا رافضين له، فان اول ما سيشهده العراق بعد اعلان تحرير الموصل اقامة اقليم الغربية "السني" واقليم الوسط واقليم الجنوب.
اضف تعليق