إذا تجاوزت الغيرة حدودها الطبيعية وتحولت إلى تسلط وظنون لا أساس لها، فقد تفسد العلاقة وتؤجج الخلاف بين الزوجين، مما يعكر صفو حياتهما الزوجية، بل وقد تصبح بؤرة دائمة للشك والتوتر؛ خاصة في اللحظة التي يسيطر الوهم على أحد الزوجين، فيُفسَّر كل تصرف يصدر عن الآخر على أنَّه...
الغيرة هي استجابة عاطفية تنشأ حين يشعر الإنسان بوجود تهديد لعلاقته، سواء كان هذا التهديد حقيقياً أو متخيلاً؛ وهي تعكس اهتمام الشخص وحبه للطرف الآخر، إلَّا أنَّها قد تتحول إلى سلوك غير محمود إذا تجاوزت حدَّ الاعتدال؛ فحينما يكون الدافع وراء الغيرة هو حماية العلاقة ضمن الضوابط الشرعية، فإنَّها فضيلة؛ لأنَّها تساهم في الحفاظ على القيم والأخلاق، ولكن إذا انحرفت عن هذا الإطار، قد تتحول إلى صفة سلبية تُفسد العلاقة وتسبب المشاكل.
قَالَ رَسُولُ الله محمَّد -صلى الله عليه وآله-: «كَانَ أَبِي إِبْرَاهِيمُ عليه السلام غَيُوراً، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَأَرْغَمَ اللهُ أَنْفَ مَنْ لَا يَغَارُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» (1) .
والغيرة في جوهرها قد تنبع من فطرة سليمة تدفع الإنسان إلى حماية ما يحب والحرص على صيانة العلاقات وحمايتها من المؤثرات السلبية. ولكن الشريعة الإسلامية وضعت لها حدوداً دقيقة، حتَّى لا تتحول إلى وسيلة للشك أو التضييق على الطرف الآخر؛ ومن النماذج الإيجابية للغيرة، غيرة الرجل على أهل بيته؛ فهي من علامات الإيمان؛ قَالَ النبيُّ الأكرم -صلى الله عليه وآله-: «إِنَّ الْغَيْرَةَ مِنَ الْإِيمَانِ» (2)؛ باعتبار أنَّها تحمي الأسرة من الوقوع في المحظورات، مثل الخلوة بغير المحارم، أو التحدث بأسلوب يثير الفتنة.
وعلى النقيض، إذا تجاوزت الغيرة حدودها الطبيعية وتحولت إلى تسلط وظنون لا أساس لها، فقد تفسد العلاقة وتؤجج الخلاف بين الزوجين، مما يعكر صفو حياتهما الزوجية، بل وقد تصبح بؤرة دائمة للشك والتوتر؛ خاصة في اللحظة التي يسيطر الوهم على أحد الزوجين، فيُفسَّر كل تصرف يصدر عن الآخر على أنَّه مؤشر على الخيانة، فتفقد الحياة بينهما قيمتها، وتتحول إلى دائرة مغلقة من الاتهامات والظنون التي لا تنقضي.
وفي مثل هذه الحالة، تصبح الغيرة المفرطة عاملاً خطيراً يدفع العلاقة نحو الهاوية؛ حيث إنَّ الإنسان بطبيعته قد ينفر من القيد الظالم، وعند اتهامه دون دليل، يمكن أن يفقد الإحساس بقيمة الحفاظ على العفة، فيرتكب المعصية التي كان يُتهم بها ظلماً؛ وهذا لا يعني أنَّ كلَّ من يُساء به الظن سينحرف، ولكن الضغط النفسي المستمر قد يتسبب في إحداث تحولات سلبية غير متوقعة؛ لذلك، شددت الشريعة على ضرورة التوازن، فأمرت بالحفاظ على الغيرة المحمودة التي تحمي الأسرة، وحذرت من الغيرة السلبية التي تهدم البيوت وتنتهي إلى عواقب لا تُحمد عقباها.
وهناك كلمة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- يمكن أن نعدَّها ميزاناً نزن به الغيرة إن كانت محمودة أو مذمومة، وكيف نتعامل في حالة غيرة الرجل على المرأة؛ حين قال -عليه السلام-:«وإِيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ، والْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ، وَلَكِنْ أَحْكِمْ أَمْرَهُنَّ فَإِنْ رَأَيْتَ عَيْباً فَعَجِّلِ النَّكِيرَ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ فَإِنْ تَعَيَّنْتَ مِنْهُنَّ الرَّيْبَ فَيُعَظَّمُ الذَّنْبُ وَيُهَوَّنُ الْعَتْبُ»(3)؛ وهذا الحديث الشريف يضع مجموعة من القواعد التربوية المهمة في التَّعامل مع الغيرة وضبط العلاقات الأسرية وفق نهج متزن وعقلاني؛ ومن أبرز القواعد التي يمكن استخلاصها:
1. ينهى الحديث عن الغيرة في غير موضعها؛ نظراً لأنَّ الغيرة المبالغ فيها قد تسبب نتائج عكسية، فتحول العلاقة الزوجية إلى ساحة من الشكوك والتوتر، مما يفسد الثقة المتبادلة.
2. إنَّّ الغيرة الزائدة قد تدفع المرأة البريئة إلى الشَّك في نفسها أو إلى التَّمرد، كما قد تفضي إلى مرض القلب وسوء الظن حتَّى لدى الصالحة، مما يعكر صفو العلاقة الأسرية.
3. يؤكد الحديث على ضرورة إحكام إدارة شؤون الزوجة والأهل، بحيث يكون هناك توازن بين الحزم واللين، فليست كلُّ غيرة مرفوضة، بل هناك حدود شرعية يجب مراعاتها للحفاظ على الاستقرار الأسري.
4. أهمية المبادرة إلى معالجة العيوب منذ بدايتها، باعتبار أنَّ التهاون مع الأخطاء الصغيرة قد تتمخض عن استفحالها؛ ولذلك يجب النكير على المخالفات سواء كانت صغيرة أو كبيرة حتَّى لا تتراكم وتتحول إلى مشكلات أكبر.
5. إذا ثبتت الريبة وتأكد الذنب؛ فإنَّ التصرف يجب أن يكون متزنًا، فلا ينبغي التهويل في العتاب حتَّى يصل إلى النفور، ولا ينبغي الاستهانة بالخطأ بحيث يجرئ المخطئ على التَّمادي، بل لا بدَّ من تحقيق التوازن بين تعظيم الذنب وتخفيف اللوم.
وكما أنَّ غيرة الرجل تتراوح بين المد والجزر، فإنَّ غيرة المرأة كذلك، إلَّا أنَّها تمتاز بحدَّتها وقوَّتها، ما يجعل نتائجها أكثر خطورة وتأثيرًا على العلاقة الزوجية؛ فالمرأة بطبيعتها العاطفية تشعر بالحاجة الملحَّة إلى الأمان والحماية من زوجها، وإذا ما شعرت بأنَّ هناك تهديدًا لهذا الأمان، فإنَّها قد تبادر بالهجوم دون امتلاك أدلَّة واضحة، مدفوعة بالخوف من فقدان شريك حياتها. وقد تتفاقم هذه الغيرة لتتحوَّل إلى حالة من التوتر الدائم، خاصة إذا تراكمت الشكوك دون مبرر حقيقي، مما تنتج اضطرابات نفسية قد تؤثر على الاستقرار العاطفي للزوجين. وإذا لم يتمكَّن الرجل أو المرأة من ضبط غيرتهما بالعقل والحكمة، فقد تتحوَّل إلى مرض نفسي يؤثر على قراراتهما وأخلاقهما، فيدفع إلى اختلاق المشاكل، وانعدام الثقة، وربما تدمير العلاقة الزوجية بالكامل؛ ولذلك، فإنَّ الاعتدال في الغيرة، والتحلي بالوعي وضبط النفس، يعدَّان من أهم العوامل للحفاظ على حياة أسرية مستقرة يسودها الحب والاحترام.
علاج الشَّك والغيرة:
معظم المشكلات الزوجية تبدأ كنقطة صغيرة لا تكاد تُرى، ولكن سوء التعامل معها قد يجعلها تكبر شيئاً فشيئاً حتى تتحول إلى نار مستعرة تلتهم الهدوء، وتؤثر على الأعصاب والصحة النفسية، بل وقد تسهم في تفكك الروابط الأسرية؛ فالتسرع في ردود الأفعال، والتعامل مع الخلافات بعصبية أو عناد، يزيد الأمر تعقيدًا ويشعل فتيل الصراع الذي قد يمتد ليحرق أركان العلاقة الزوجية بالكامل.
أمَّا إذا واجه الزوجان هذه الخلافات بالحكمة، وسعيا إلى حلها بالعقل والمعرفة، فإنَّها ستنطفئ في مهدها، دون أن تترك أثرًا سلبيًا أو تسبب شرخًا في العلاقة؛ فالتفاهم، والصبر، والقدرة على احتواء الموقف بروح من المحبة والتسامح، هي الأسس التي تحفظ البيوت من التصدع، وتمنع الشرر الصغير من التحول إلى حريق يأتي على كل شيء، تاركًا وراءه الشتات والندم.
والغيرة والشك من جملة هذه المشاكل، التي لا تحتاج إلى جهد كبير وإنَّما تحتاج إلى مجموعة من الأساليب حتّى يتقيها الزَّوجان؛ سنجعلها على أربعة محاور، وفي كل محور مجموعة من النصائح الثمينة؛ هي:
المحور الأوَّل: مراعاة المشاعر وتجنب إثارة الشكوك
- من المقدمات المهمة لتجنب وقوع هذه المشكلة أن يحرص كل من الزوج والزوجة على احترام مشاعر الآخر، وألَّا يتحدث أحدهما بإعجاب أو مدح عن شخص من الجنس الآخر أمام شريكه، خصوصًا إذا كان هذا الشخص معروفًا لديهما؛ ومثل هذه التصرفات قد تثير الغيرة وتفتح أبواب الشك وسوء الظن، مما قد تسبب نشوب خلافات لا مبرر لها.
ولا يعني ذلك الامتناع عن ذكر الشخصيات العظيمة والقدوات في التاريخ أو المجتمع، وإنَّما المقصود هو تجنب مدح من هم في نطاق التعامل المباشر أو في دائرة العلاقات القريبة، حيث يكون الأثر النفسي أقوى، وقد يُفسَّر الكلام على غير مقصده؛ فالتوازن في الحديث، ومراعاة مشاعر الشريك، والحرص على تعزيز الثقة والاحترام المتبادل، كلها أمور تسهم في استقرار العلاقة الزوجية وتجنب ما قد يسبب التوتر والغيرة غير الضرورية.
- من القواعد المهمة في الحفاظ على الثقة داخل الحياة الزوجية أن يتجنب الإنسان وضع نفسه في مواضع الشبهة؛ ذلك أنَّ الغموض والتصرفات غير الواضحة تفتح باب الوساوس والشكوك التي قد تهدد استقرار العلاقة؛ ومن الأمثلة على ذلك أن يرن الهاتف، فيأخذه أحد الزوجين جانبًا ويرد بصمت أو بتصرف يوحي بالإخفاء، مما قد يثير التساؤلات في ذهن الطرف الآخر، حتى وإن لم يكن هناك ما يدعو للريبة في الواقع.
إنَّ بناء الثقة بين الزوجين يتطلب قدرًا من الوضوح والصراحة، وليس المقصود بذلك أن يكون كل طرف مكشوفًا تمامًا بلا خصوصية، ولكن حينما يكون السلوك غامضًا وغير مبرر، فإنَّه قد يبعث برسائل خاطئة تثير القلق والشكوك؛ لذا، فإنَّ التصرف بحكمة، وإظهار الشفافية، وتجنب المواقف التي قد تُفهم خطأ، يسهم في ترسيخ جو من الطمأنينة والاستقرار العاطفي داخل الأسرة.
- حسن الظن هو من أرقى الأخلاق التي ينبغي أن تسود بين الزوجين، فهو بمثابة الدرع الذي يحمي العلاقة من التصدع، ويمنع الوساوس والأفكار السلبية من التغلغل في النفوس؛ وحينما يتبنى كل من الزوج والزوجة مبدأ حسن الظن، فإنه يخلق بيئة يسودها الاطمئنان، ويقضي على الشكوك التي قد تكون سببًا في كثير من الخلافات غير المبررة؛ لأنَّ العلاقات القوية تُبنى على الثقة المتبادلة، وليس على التربص والارتياب؛ فكم من بيوت تهدَّمت بسبب الظنون الخاطئة التي لم يكن لها أساس من الواقع! ولذا، فإنَّ التريث قبل إصدار الأحكام، وإعطاء الطرف الآخر مساحة من التفهم، والبحث عن التفسيرات الإيجابية بدلًا من السلبية، يجعل الحياة الزوجية أكثر استقرارًا وسعادة، وحينما يصبح حسن الظن هو الأساس، يكون الحب أصدق، والتفاهم أعمق، والاحترام أكثر رسوخًا بين الزوجين.
المحور الثَّاني: الصراحة وبناء الثِّقة بين الزَّوجين
- الصراحة هي المفتاح الحقيقي لاستقرار الحياة الزوجية، فهي أسرع الطرق لسدِّ باب الشك ومنع ما يترتب عليه من مشكلات. وحينما يتحلى الزوجان بالوضوح والصدق في حديثهما، سيقطعان الطريق أمام الوساوس التي قد تتسلل إلى النفوس، ويؤسسان لعلاقة قائمة على الثقة المتبادلة والاحترام؛ ذلك لأنَّ إخفاء الأمور، حتى وإن كانت بسيطة، قد يدفع إلى تزايد الشكوك وتراكم الظنون السلبية، مما يجعل العلاقة متوترة وغير مستقرة؛ لذلك، فإنَّ اعتماد الصراحة بأسلوب حكيم ومراعاة مشاعر الطرف الآخر يعزز الروابط الزوجية، ويجعل كل طرف يشعر بالأمان والطمأنينة. فكما أنَّ الشك يقتل الحب شيئًا فشيئًا، فإنَّ الصراحة تبنيه وتقويه، مما يضمن حياة زوجية قائمة على المودة والسكينة.
- يجب أن تكون الغيرة في حدودٍ متوازنة، فلا تكون ضعيفة إلى درجة تعكس البرود وعدم الاهتمام، ولا مفرطة فتتحول إلى سبب للخلافات والتوتر؛ فالغيرة المعتدلة تعبر عن الحب والرغبة في الحفاظ على العلاقة، بينما الإفراط فيها قد يفسد الثقة المتبادلة؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى: فإنَّ الاعتدال في الغيرة يمنح العلاقة الزوجية توازنًا صحيًا، حيث يشعر كل طرف بالأمان دون أن يكون مقيدًا بالشكوك أو الإهمال، وكما أن الحب يحتاج إلى التعبير، فإنه يحتاج أيضًا إلى الثقة التي تمنح الشريك مساحة من الحرية والاطمئنان، مما يعزز قوة العلاقة ويدعم استقرارها.
- على الزوجين أن يدركا أنَّ الغيرة والشك ينبعان غالبًا من الحب والتعلق، وليس من الصواب أن يتحول هذا الدافع النبيل إلى سبب للكراهية؛ ومن هنا فإنَّ تعزيز الطمأنينة بينهما كفيل بإخماد هذه الشرارة قبل أن تتسع. وبما أنَّ الغيرة في أصلها تعبير عن الحب، فإن الرجل حين يخبر زوجته بأنه يغار عليها، أو حين تصرّح المرأة بأنها تغار، يكون ذلك محببًا لكل منهما، لكن بشرط أن يبقى ضمن حدود معتدلة. غير أنَّ تحول الغيرة إلى محور تُبنى عليه المواقف والقرارات دون امتلاك دليل واضح، فإن ذلك يصل إلى الكثير من التوتر وفقدان الاستقرار في العلاقة.
المحور الثَّالث: تعزيز الطَّمأنينة وتجنب التَّجسس والتَّضييق
- التَّجسس والتتبع بين الزوجين سلوك غير محمود، وإنَّما الحلم والصبر هما أفضل وسيلتين لتنظيم التعلق الزائد وتحقيق التوازن العاطفي في العلاقة. ومن الوسائل الفعالة لتعزيز الثقة وتبديد الشكوك تبادل الحديث بينهما عن تفاصيل الحياة اليومية، سواء في العمل أو غيره من الأمور المهمة؛ فعند يشارك الزوج زوجته بعض القضايا المتعلقة بعمله، ويطلعها على مجريات يومه، فإن ذلك يزرع الطمأنينة في قلبها، ويعزز الشعور بالارتياح والأمان، مما يقوي الروابط بينهما ويمنع أي مجال للظنون والوساوس.
- مدح الزوجة والتعبير عن الفخر بها، والاعتراف بحبه لها وسعادته معها، كلها أمور تعزز ثقتها بنفسها وتزيد من استقرار العلاقة الزوجية؛ فالغيرة غالبًا ما تنبع من الخوف أو الشعور بالنقص، لذلك فإنَّ احتواء الزوجة بالكلمات الطيبة والأفعال الحسنة يبعث في قلبها الطمأنينة، ويملأ أي فراغ عاطفي قد تشعر به. وعند يدرك الزوج أهمية هذا الاحتواء، فإنَّه يسدُّ أي شعور بالنقص لديها، ويجعل العلاقة أكثر دفئًا واطمئنانًا، مما يسهم في تقوية أواصر الحب والانسجام بينهما.
المحور الرَّابع: إعطاء مساحة من الحرية للحفاظ على الحب
- تضييق الخناق بين الزوجين لا ينتهي إلَّا إلى خلق مسافة عاطفية بينهما، بينما يمنح إعطاء مساحة من الحرية لكل طرف شعورًا بالراحة والاطمئنان، مما يزيد من التقارب والتفاهم؛ فاختلاق المشاكل المتكرر يدفع أحد الزوجين إلى الابتعاد شيئًا فشيئًا، حتى تتسع الفجوة بينهما، مما يجعل العودة إلى المودة أكثر صعوبة. وعلى العكس من ذلك، فإنَّ التعبير المستمر عن الحب والاهتمام داخل المنزل من كلا الطرفين يزرع في القلب يقينًا بأن هذا البيت هو الملاذ الحقيقي، حيث يجد كل منهما الطمأنينة والسعادة والعاطفة الصادقة، مما يجعله مهما ابتعد يدرك أن عليه دائمًا الرجوع إلى حيث ينتمي قلبه.
- إنَّ المهمة الأساسية للمرأة أن تصنع الهدوء والطمأنينة في الأسرة؛ وبعبارة موجزة إنَّها الروح التي تنشأ الأجيال؛ فتربية الأبناء وصلاحهم وتأمين مستقبلهم مرتبط بالمرأة أكثر من الرّجل، ومن هنا اضطراب هذه الروح يؤثّر على كلّ مجريات الحياة، والغيرة من شأنها التَّأثير على كلّ أفراد الأسرة إذا خرجت عن حدّها، وأغلب العظماء لو سألتهم عن سرّ عظمتهم لأخبرك بوجود امرأة صنعت الحياة الطيبة.
إنّ الغيرة إحساس فطري مشروع إذا كان ضمن حدوده المعقولة. أمّا إذا خرجت الغيرة الحدّ المعقول فإن آثارها السّلبية ستكون مخرّبة، وقد تجرّ إلى الطّلاق. ولقد وصف الله -تعالى- نفسه بأنَّه غيور ويحبّ الغيرة، إلَّا إنَّه من الرِّجال دون النِّساء، فالمؤمن غيور على دينه وزوجته واُسرته؛ وغيرة المؤمن من الايمان، ولكنَّ الغيرة الحقيقية للمرأة ينبغي أن تكون على دينها وأخلاقها، لا على زوجها؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- شرَّع للرجل الزواج بأكثر من امرأة؛ ولذا؛ فإنَّ مشاعر الغيرة في هذا الجانب قد تؤدي إلى عدم تقبُّل حكم الله -تعالى- ورخصته، دون أن تدرك المرأة أبعاد ذلك؛ فقد يكون الاعتراض أحيانًا بلفظ صريح، وهو ما يُصنَّف ضمن الكفر النظري الذي يترتّب عليه أحكام معيَّنة، وأحيانًا يكون الاعتراض بالفعل والسلوك رغم الإيمان النظري بالحكم الإلهي، مما يستدعي التأمل والتوجيه بروح الإيمان والتسليم لحكمة الله -عزَّوجلَّ-.
إنَّ غيرة الرجل ممدوحة وهي من الايمان؛ لأنّها تأتي في مقام الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ومنع وقوع المرأة في الحرام والفاحشة، لكن يجب ألَّا يسرف الرجل في تطبيق معنى الغيرة فيخرجه عن الحد اللازم وذلك بأن يأتي بها بناءً على شكه وريبته وسوء ظنَّه مما يؤدي الى هدم الأسرة وهزِّ كيانها؛ فبعض الرِّجال قد تدفعه غيرته إلى منع زوجته من الخروج من بيتها في مطلق الظُّروف والأحوال، فيتركها حبيسة البيت، ولا يسمح لها بزيارة أحد حتّى الأرحام والأقارب، وربما منعهم - أيضاً - من زيارتها، وهذه الغيرة الشَّديدة والتي تتجاوز الحدود قد ينتج عنها خلاف المقصود، فبدل أن تحصِّن المرأة فإنِّها قد تدفعها - كردَّة فعلٍ على تشدد الزَّوج - إلى ارتكاب المحذور.
اضف تعليق