نحتاج إلى رفع مستوى الوعي في المجتمع، كي لا يتعامل الناس مع الأخبار والمعلومات الواردة في وسائل التواصل الاجتماعي على أنها حقيقة، بل هي غير صحيحة ابتداءً ما لم يثبت العكس. ليس المطلوب عدم التصديق وحسب، إنما عدم نقلها والمساهمة في نشرها، وعدم التوقف عندها لأكثر من ثوانٍ قليلة...
باتت البيئة العراقية أرضاً خصبة لتلقي الأفكار والمعلومات وتناقلها دون تمحيص أو تدقيق، وغالبا ما تكون هذه الأخبار غير صحيحة أو يجري فيها تهويل خبر ما، وإعطاؤه أبعاداً أوسع بكثير مما يستحقه، هذا ما يطلق عليه تعبير «الشائعة»، التي لا تنتشر الّا بوجود حالة جهل واسعة تسهّل عملية تصديق الناس ما يسمعون، وينقلونه مع إضافات وآراء شخصية، تتحول تدريجيا إلى جزء أساسي من الخبر.
ما يساعد على نشر الشائعات أيضا هو أهمية الموضوع بالنسبة لعامة الناس وحساسيته وارتباطه بحياتهم أو شؤونهم العامة. حالات قليلة تكون فيها الصدفة وراء انتشار شائعة، فيما «القصدية» تكون سمة أغلب الشائعات، التي تنشرها جهات معينة لتحقيق هدف ما.
الأهداف هنا قد لا تكون سيئة دائماً، فـ «الشائعة الاستطلاعية» مثلاً يجري إطلاقها من جهات معينة، بهدف استطلاع رأي الشارع وموقفه حيال قرار ما أو سياسة معينة تريد الحكومة اتخاذها. هناك شائعات بأهداف غير حميدة مثل «الشائعة الاتهامية»، التي تهدف إلى تسقيط شخص أو طرف منافس، و»الشائعة الإسقاطية» التي يقوم مطلقها بإسقاط صفاته أو أفعاله الذميمة على آخرين، بهدف التصدي لمعارضتهم له أو إسقاط سمعتهم واتهامهم بنفس ما يتهمون هم به، كالفاسد الذي يريد القول بأن من ينتقده هو فاسد أيضا أو يتهمه بابتزازه. في النهاية سيصدق كثيرون كلامه، وتفقد كل عمليات كشف الفساد قيمتها، خصوصا إذا كان الجو العام مشحوناً بالاستياء من الفاسدين. يمكن أن تكون الشائعة هدفها إلهاء الرأي العام بها لتمرير قرارات أو إجراءات معينة.
من العوامل المساعدة لانتشار الشائعات هو غياب الحقيقة، خصوصا تلك المرتبطة بالجانب الرسمي. كلما كانت هناك شفافية ووضوح في إجراءات الحكومة، كلما تراجعت فرص انتشار الشائعات. يحتاج ذاك إلى ضمان حصول الإعلام على المعلومة الدقيقة من مصادرها الرسمية، كي لا تلجأ إلى «مصدر مطلع رفض الكشف عن اسمه» وهي معلومات عادة ما تفتقد إلى الدقة أو غير صحيحة من الأساس. هذه كلها إجراءات وقائية تسحب أرضية انتشار الشائعات، التي تربك المجتمع وتثير القلق والكراهية.
لكن الإجراءات الوقائية لا تكفي وحدها، بل إن مواجهة الشائعات تحتاج إلى الردع، عبر إجراءات قانونية ضد من يطلق ما لا حقيقة له، ويؤدي إلى الاضرار بالمجتمع. وسائل التواصل الاجتماعي هي اليوم الناشر السريع للشائعات والأخبار غير الصحيحة. تنشر كل خبر كالنار في الهشيم، خصوصا إذا كان الموضوع محل اهتمام أو نقاش، أو يثير حفيظة المجتمع أو جزء منه. ولأن هذه الوسائل تعطي المجال لكل الناس، ليس للنقل وحسب، بل لإعطاء الرأي والموقف ومهاجمة المخالف، وهو ما يعني تحول الشائعة إلى مادة للجدل والانقسام في المجتمع، من خلال العنف الكلامي الذي قد يتحول إلى عنف جسدي.
كما أن المحتوى الهابط تجري ملاحقة أصحابه والتعامل معهم من خلال القضاء، تبدو الحاجة ماسّة اليوم إلى ملاحقة مطلقي الشائعات الضارة بالمجتمع واستقراره، بعدما بات ما تشيعه هذه الوسائل مادة انقسام وأضرار بالاستقرار، خصوصا أن خوارزميات هذه الوسائل تسهم في سعة وسرعة الانتشار، وهي تعتاش على الجدل والنقاشات الحادة التي تعود على الشركات المالكة لوسائل التواصل الاجتماعي بالمال وعلى المجتمعات بإشاعة الكراهية والعنف، بما يهدد أمن المجتمعات واستقرارها.
قبل ذلك نحتاج إلى رفع مستوى الوعي في المجتمع، كي لا يتعامل الناس مع الأخبار والمعلومات الواردة في وسائل التواصل الاجتماعي على أنها حقيقة، بل هي غير صحيحة ابتداءً ما لم يثبت العكس. ليس المطلوب عدم التصديق وحسب، إنما عدم نقلها والمساهمة في نشرها، وعدم التوقف عندها لأكثر من ثوانٍ قليلة، لمنع الخوارزميات من اغراقك بمواد مشابهة أو مرتبطة بموضوع المعلومة غير الموثقة، فتبدو الكثرة دليلاً على الصحة.
اضف تعليق