بعد أن كانت مفردة العولمة من أكثر الكلمات تداولاً وانتشاراً، صارت مفردة (التغيير) تماثلها بل وتتفوق عليها في التداول والانتشار حتى على مستوى وسائل الاتصال التي تعتبر من الركائز التي قامت عليها العولمة، كما أن كثير من المؤسسات والمنظمات المهتمة بالتنمية البشرية صارت تولي اهتماماً بالدورات والبرامج التنموية التي تحث على تجديد الأفكار وتغييرها، واقتراح الحلول لمشاكل الجمود التي أصابت الفرد الانساني ــ خصوصاً عندنا في الشرق ــ، وفتح الآفاق الحداثية التجديدية، والوعي بالتحولات التي تجعل من الاصلاح والتغيير ضرورات رئيسة في عملية الارتقاء إذ لابد من استنفار الطاقات واستغلال الفرص لمواجهة التحديات التي تواجهنا.
والتفاؤل بالتغيير لايعني أنه عملية سهلة وفي المتناول، فعلى من ينشد التغيير لابد أن يتحصل على عدة أدوات تقف البصيرة في مقدمتها، فضلاً عن المعرفة بالامكانيات الذاتية، ومدى الاستعداد الشخصي والعزيمة على تنفيذ المشروع التغييري، خصوصاً الإرادة المتعلقة بتغيير الأشياء الأخلاقية والسلوكية من حالة إلى حالة أفضل؛ لأنها أصعب من قضية تغيير الأشياء المادية التي تكون أسهل إجرائياً. ولا يكفي أن تكون للإنسان إرادة وعزم وتصميم فقط؛ لأن هذه الأشياء ــ على أهميتها ــ قد تجعل من عملية التغيير عشوائية مالم تصاحبها مستويات ثقافية ومعرفية تكون محفزاً أقوى لإحداث التغيير الإيجابي المنشود، فالشعوب اليائسة والباقية على مهيمنات التخلف والابتعاد عن ركب التطور الحضاري؛ يصعب أن يكون لها مشروعاً تغييرياً وإصلاحياً واعياً؛ وذلك لجمودها ورضائها بهذا الجمود والسكون غير المستعد للتحريك.
ولعل أهم عقبة تقف بوجه اي مشروع للتغيير، تلك التي تتعلق بالخوف من الإقدام على تنفيذ هذا المشروع، وهذه العقبة ترتبط بالإرادة كأداة من أدوات التغيير، والخوف هنا ناتج من عادات وتقاليد دأبت عليها المجتمعات التي تولي أمثالها الشعبية اهتماماً أكبر قيم المعرفة والتطور، في العراق مثلاً هيمن على الذهنية المجتمعية وحتى وقت قريب المثل القائل : (شين اللي تعرفه أفضل من زين اللي متعرفه)، أي أن المجتمع قابل للتماهي مع الوضع السيء طالما هو معروف ومشخص، وهو الأفضل ــ لمن يتبنى هذه المقولة ــ من أي وضع إيجابي متخيل قد لايأتي. هذا الخوف يتأتى من المزاج السوداوي لكثير من المجتمعات التي عانت من القهر والاضطهاد؛ بسبب السلطات الجائرة والمستبدة.
تحولات القيم المنفلتة
ينبغي أن يكون الوعي بالتحولات غير غافل لصعود القيم والأخلاقيات المنفلتة التي سادت في مجتمعاتنا بفعل العوامل المتلاحقة سياسياً واقتصادياُ، وأنتجت ظواهر بعضها كان موجوداً وعاد كظاهرة الإلحاد وبعضها ظهر لأول مرة كظاهرة الإيمو والجنس الثالث، وهي ظواهر خطيرة ينبغي الالتفات لها ومعالجتها قبل أن تستفحل. والمطالبة بمعالجتها لايعني أن تكون طرق المعالجة بالقوة أو بالسلوكيات العصبية؛ لأن ذلك قد يولد ردات فعل تأتي بنتائج معكوسة، فتتسع دائرة الظواهر المنفلتة من القيم الأخلاقية، وتكون مصداقاً للمثل الشائع ( كل ممنوع مرغوب) من خلال سوء فهم المفاهيم الخاطئة كحقوق الإنسان، وحرية التعبير والمعتقد وغيرها من المسميات التي تقصد شيئاً ويتم تفسيرها وتأويلها بمقصديات أخرى.
إذن لابد أن يكون لنا الوعي بمسببات هذا الصعود المخيف للقيم المنفلتة وبالتحولات التي أدت إلى انتشارها، ومن ثم ننطلق للمشاريع التي تعمل على مكافحتها وإنقاذ المجتمعات من تداعياتها الخطيرة على المستوى النفسي والصحي، والوعي يحتم علينا فتح هذه الملفات غير ملتفتين لدعوات التكتم عن هذا المواضيع الخطيرة والمدمرة، بل استنفار مراكز الأبحاث والطب النفسي لدراسة هذه الظواهر ومعالجتها، ومن أخطرها ظواهر الشذوذ الجنسي.
يقول الدكتور إبراهيم عيد أستاذ الطب النفسى بجامعة عين شمس : "إن الشذوذ الجنسى "مرض" وليس انحرافا سلوكيا ويدخل ضمن الانحرافات الجنسية التى يبلغ عددها 14 انحرافا، ويمكن علاجه فى حالات معينة إذا توافرت الإرادة التامة والاستعداد النفسى والعقلى لدى المريض نفسه، ويكون العلاج نفسيا، أحيانا يقولون إن هناك خللا هرمونيا قد يؤدى إلى تحول الشخص إلى negative "سالب" ولكن فى معظم الأحيان لا تكون الأسباب راجعة إلى وجود خلل هرمونى ولكنها لأسباب ترتبط بالنشأة والتربية، ولا سيما فى سنوات الطفولة المبكرة، مشيراً إلى أن العامل الوراثى ليس له دور على الإطلاق فى الشذوذ".
ومن خلال هذا التشخيص الذي أدلى به الدكتور (عيد) لصحيفة اليوم السابع المصرية، يمكن لنا اعتماد طرق المعالجة التي اشترط الدكتور الإرادة والاستعداد النفسي؛ لأن التكتم عليها مجتمعياً وحتى على مستوى السلطات سيتسبب بمزيد من الانهيارات المجتمعية، فضلاً عن إن السكوت ستزيد من رغبة الإنسان الشاذ في ممارسة السلوكيات العنفية خصوصاً مع ارتباط ظاهرة الشذوذ بالجرائم التي تنتج من خلال مايعرف بالسادية والماسوشية، الأمر الذي يستدعي أن يكون ملفاً غير مسكوت عنه.
ينبغي على المجتمعات، في حال أرادت أن تبني نفسها على أسس حضارية ؛ أن تتعامل بشكل متوازن مع التحولات المتسارعة، فضلاً عن السعي الجاد من قبل قنواتها الرسمية، ومؤسساتها المدنية أن تتبنى تغيير القيم نحو الأفضل بعدم التكتم على التحولات المجتمعية السلبية، أو خضوعها لضغوط معينة للتكتم عليها، بل يجب دراستها واستيعاب مسبباتها ، فالقضية لاتتعلق بتأثيث بيت أو مكتب، انما بناء الإنسان بما ينسجم مع فطرته وقيمته العليا.
اضف تعليق