لا يمكن لدولة أن تنمو وتتطور ما لم تنهض مؤسساتها على ركام الأخطاء الإدارية التي تفشل فيها، لدرجة أن الخبراء ربطوا حلقة التقدم بفاعلية المؤسسات الرقابية في دولة ما، فقالوا أن ضعف الرقابة يعني ضعف الدولة ومؤسساتها التي ينبغي أن تكون مستقلة في أداء أدوارها الموزعة على التشريع والتنفيذ والقضاء.
أما بخصوص المهام الملقاة على عاتق المؤسسات الرقابية، فهي بحسب أحد الكتاب المختصين تتولّى مسؤولية استكشاف الأخطاء التي قد تحدث في إحدى العمليات الإدارية التي تسبقها، وتعمل على تحديد نقطة الضعف والانحراف والعمل على تقويمها وتصحيحها بالشكل المناسب مع العملية الإنتاجيّة، وتتابع إجراءات وعملية تصحيح الأخطاء التي تمّ العثور عليها لضمان تفادي تكرار الأخطاء مرّةً أخرى.. وتتضمّن هذه المرحلة قياس فعلي لأداء الأفراد العاملين للتأكّد من مدى تحقيق الأهداف، وهذا القياس وجد للتأكد من بقاء سير المنظمة في مسارها الصحيح.
وثمة أدوار متتابعة للمؤسسات الرقابية لا مناص من القيام بها، فهي تمثل صلب عمل العمل الرقابي الذي يهدف للتغلب على المشكلات والمصاعب أثناء الأداء الفعلي، ومن ثم التقييم والمتابعة وتصحيح الأداء.. وكشف الأشياء غير المنتظمة.. وتحديد الفرص المتاحة.. وإدارة المواقف الصعبة.. والعمل وفق منهج لامركزية السلطة أي وجود نظام رقابي يساعد المدراء على اتخاذ القرار ضمن صلاحيات مسبقة وتفويض قطعي.
السؤال المطروح حول المؤسسات الرقابية في العراق، هل تقوم بدورها وفق الضوابط والمهام التي سبق ذكرها في أعلاه، أما أنها لا تزال في حالة السبات التي قد تطول الى أمد لا يُعرف حدّه أو متى ينتهي؟، لقد انتشرت وتعددت أدوات الرقابة على نحو غير مسبوق في الدوائر الرسمية، فهناك مؤسسات مهمتها التفتيش الدوري المستمر والمنظم، وفق خطوات رقابية تسعة لكشف الخلل في هذا المجال أو ذاك.
هل تقوم الأجهزة الرقابية بواجبها؟
وطالما أن الرقابة بحسب المختصين تعرَّف على أنها عملية تسيير وإشراف على الأعمال التي تهتم بتقويم إنجازات المؤسسة، وذلك باستعمال معايير محددة واتخاذ القرارات الصحيحة بناء على نتائج التقويم، فإن يعني بأنها تسعى لقياس مدى تطابق الأداء الفعلي مع الأداء المخطط.. لاسيما في الدوائر ذات المهام الإحصائية والحسابية، وكلما كان الفارق بين الأداء الفعلي والتخطيط قليلا، كانت النتائج جيدة، أما في حالة وجود فرق كبير بين التخطيط والأداء، فلا بد أن يكون هناك خلل ينبغي على المؤسسة الرقابية معالجته بخطوات عملية تصحيحية.
من الظواهر التي رافق مرحلة التغييرات الجديدة في السياسة والاقتصاد والادارة، والتي انعكست بدورها حتى على القيم الاجتماعية، من هذه الظواهر، أن السلطة أيا كان حجمها أو طبيعتها، باتت وسيلة للابتزاز من أجل تحقيق مصلحة معينة، في الغالب تكون ذات طابع مادي، وقد انتشر ذلك في مفاصل الدولة المختلفة، وفي الدوائر الرسمية، فكل من لديه سلطة وظيفية يسعى لاستخدامها من أجل تحصيل أقصى ما يمكن من الفوائد المادية، حتى باتت مشكلة أثرت بشكل كبير على الأداء الوظيفي.
ليس هذا فحسب، فقد باتت خطورة مثل هذا السلوك الابتزازي، انها امتدت من المؤسسات الكبيرة والدوائر الجماعية الرسمية الى الأفراد، حيث يسعى الشخص صاحب السلطة الى استثمار صلاحياته الى أقصى حد كي يستفيد ممن تتعلق به سلطة هذا الشخص، حتى بات هذا السلوك الشائن منتشرا على نحو واسع في المجتمع.
كل هذا ولا تزال المؤسسات الرقابية تغط في سبات عميق، والسبب في مواصلة مرحلة السبات هذه واستمرارها، أن القائمين عليها أو من يقودها مشغولون بكيفية حصد الفوائد المادية على حساب النزاهة، والأداء السليم لأمانة المهنة والمركز الوظيفي، ويمكن القول هنا، أن المؤسسات الرقابية وقعت في فخ الفساد أيضا، فباتت عاجزة عن أداء دورها كما يجب، ما جعل من حالات الفساد واقع من الصعوبة التخلص منه.
حلول تلوح في الأفق
في أي عمل كان، فردي أو جماعي، رسمي أو أهلي، تمثل الرقابة العمود الفقري لنجاح العمل، وتحييد فرص الفساد فيه، لذلك إذا أرادت الحكومة وهي الجهة التنفيذية الحاسمة، أن تنقذ البلاد من موجات الفساد التي تضربه بقوة، اذا أرادت القضاء على الفساد بصورة فعلية، عليها أن تصنع رقابة حازمة، بكلمة أخرى لابد للمؤسسات الرقابية وكل ما يتبع لها، أن تصحو من مرحلة السبات الطويل التي غطت بها.
كيف لهذه المؤسسات أن تنتقل من طور السبات الى الصحو؟، إنه أمر واضح يحتاج الى مجموعة من الإجراءات الحازمة للقضاء على الفساد، ومن هذه الإجراءات ما يلي:
- تكليف الكفاءات المتمرسة لإدارة المؤسسات الرقابية وتطبيق مبدأ الرجل المناسب في المنصب المناسب بصورة حازمة في العمل الرقابي.
- مع شرط الكفاءة ينبغي اختيار الشخصيات التي تتحلى بالأمانة والضمير الحي والخشية من التجاوز على المال العام وعدّه من قضايا السحت الحرام.
- فرض هيمنة الدولة الكلية على إدارة هذه المؤسسات لضمان أداء قوي عادل يطول كل من يسعى للعبث بممتلكات الدولة والمال العام.
- تقويض كل محاولات المسؤولين المتنفذين لتحييد الرقابة الفعلية وتهميشها.
- منع الكتل والاجزاب من التسلط على هذه المؤسسات والتدخل في العمل الرقابي لصالح هؤلاء المسؤولين أو احزابهم.
- حماية الموظفين العاملين في هذه المؤسسات بجميع السبل المتاحة ومنحهم القدرة على أداء أعمالهم الرقابية بأمان تام.
- درء خطر العصابات التي تسعى لإخافة الموظفين في الأجهزة الرقابية حتى تنصاع لمآربهم الخارجة على القانون والأعراف.
- في بعض الحالات تحتاج المؤسسات الرقابية نفسها الى من يراقب عملها.
- على القائد التنفيذي الأعلى أن يتصدى لمهمة متابعة العمل الرقابي وتصحيح الأخطاء بنفسه مع توجيه النصح المعنوي والدعم المادي لها.
عند ذاك سوف نلمس تغييرا واضحا في أداء هذه المؤسسات، ويمكن أن يدفع بها ذلك الى مرحلة الصحو، وترك حالة السبات، والبدء في أداء عملها الرقابي بما ينسجم مع مهمتها الحقيقية القائمة على رصد الأخطاء الإدارية والحسابية وما شابه، من أجل وضع حد لحالة التدهور الحاصلة في دوائر الدولة، ووضع حد لحالات الفساد فيها.
اضف تعليق