الحرية يا سادة تعني حرية الفكر والتعبير، والاختيار الشخصي طالما لا تضر بالآخرين، فالفرد جزء من المجتمع والحرية مؤثر مهم يطرأ وينعكس على جميع أفراد المجتمع باختلافاتهم واختلاف معتقداتهم وآرائهم ومستوياتهم وانتماءاتهم وأفكارهم، وعليه يجب على كل مُطالب بالحرية أن يُعلي مصلحة المجتمع...

نحاول في هذا المقال مناقشة مفهوم الحرية، لدواع كثيرة، أهمها هناك خلط كبير وتداخل بين مفهومين، وهما الحرية الفردية والفوضى الاجتماعية، فالحرية كما أهو معروف لا تعني ترك الناقة تسير اين ما تريد، وتحط راحلها حين ترغب بذلك، بل لكل سير قواعده ولكل علم اصوله.

يُساء فهم عبارة "انت حر"، على انها الحرية في كل شيء، الحرية في اتخاذ القرارات الفردية، او الجماعية، اذ يتصور الفرد ان حريته في الخروج والدخول الى المنزل متى يشاء تنسحب على بقية الأشياء، من حقه الحديث او التصرف بما يحلوا له في الطرقات والأماكن العامة، اذ يعتقد ان كل ذلك ينضوي تحت عبارة "انت حر".

لا يوجد شيء في الكون اسمه الحرية غير المسؤولة، وان كان هناك شيء من هذا النوع فهو يبقى في نطاق محدود لا يتعدى الإطار العام، او العرف السائد والقوانين الاجتماعية او الوضعية السائدة في المجتمع، ولهذا يكون الخروج على هذه القواعد اشبه او أقرب ما يكون من الفوضى.

ولكي يكون الحديث أكثر اقناعا، دعونا نطرح بعض الأسئلة ونحاول ان نجيب عليها، هل بإمكانك ان تصرخ في مول تجاري؟

هل يمكنك الركض بسرعة كما يحصل في مضمار الرياضة؟

بالطبع لا يمكن فعل أي من هذه الأشياء التي تبين أنك انسان غير متزن ولا تراعي التعاليم الاجتماعية والتقاليد التي يحتكم اليها المجتمع، والتي تشكل او تمثل المعيار او الدليل الوحيد على رقي المجتمعات من تخلفها.

عندما تكون الإجابة بلا، فهي دليل قاطع على ان الفرد غير حر فيما يشاء او يرغب في بعض الأحيان، يمكن له ان يختار نوعية الاكل او الشرب، ويمكن ان يختار حجم المنزل او المكان الذي يسكن فيه، لكن يصعب عليه او ليس من حقه ان يحول مكان سكنه الى ملتقى او تجمع يحتضن الاعمال غير المستساغة من الناحية الاجتماعية.

ولكي يكون الفرد منتج او عنصر فاعل في المجتمع وله تأثير، عليه أولا ان يحترم القوانين السائدة في مكان ما، ولا يخرج عليها بداعي الحرية، كما خرجت لنا احدى الإعلاميات قبل أيام وهي تردد اغنية في سيارتها الخاصة الى جانب والدها.

لقد ظهرت هذه الإعلامية بمظهر لا يحترم خصوصية المدينة، وكأنها تعيش في بيئة منفتحة ومجتمع غير المجتمع الكربلائي المعروف بالمحافظة والتمسك في القيم والعادات المتوارثة، وما يثير العجب هو تلفظها بألفاظ غير مقبولة ومستهجنة من الناحية الاجتماعية.

لا عرف لماذا تندرج جميع الافعال الخارجة عن القيم المتوارثة في خانة الحرية الفردية؟

ويرمى بشتى الاوصاف من يحاول الدفاع ولو بكلمة عن هذه الممارسات غير المناسبة والمتعارضة وهوية المدينة المقدسة.

الإعلامية لم تسي لقدسية المدينة بقدر ما اساءت لتاريخ العائلة التي تنتمي اليها، وحين تتلفظ بجملة من الالفاظ التي يصعب على شاب لفظها امام العامة، فهي قد نالت او اكلت من جرف مكانتها الاجتماعية ورصيدها في الأوساط الإعلامية وغيرها.

جميعنا لدينا رغبات وطموح بالظهور والانتشار، لكن لا على حساب القيم والأعراف السائدة، وربما لا يوجد أسهل من الانتشار على مستوى العراق بغضون دقائق، بمجرد الحديث بكلام غير أخلاقي او التصرف كما يتصرف عديمي التربية والمسؤولية، ويحدث مثل هذا النوع من الممارسات بشكل دائم لكن سرعان ما يختفي ابطال هذه القصص.

الاختفاء وعدم الصمود امام موجة القيم الاجتماعية هو ما يؤكد ان الأفكار او الاعمال السطحية، الى الزوال ولا يمكن لها ان تكون قاعدة او نهج اجتماعي معين، يمكن ان البعض القليل جدا يحاول ان يظهر بمظهر المنفتح او المثقف عبر بعض الممارسات المغايرة للواقع.

وقد يتأثر طائفة أخرى بطرح الإعلامية، لكن من غير الممكن ان تكون مثل هذه التصرفات ثقافة شائعة، ومن لديه أفكار او آراء فردية ليس من الصواب العمل على تعميمها او محاولة نشرها بما يصدع القوانين والأعراف الوضعية.

الحرية لا علاقة لها بفرض الآراء ولا باستغلال الفرص التي تتاح للبعض لتوجيه العامة وفقا لأهوائهم وقناعاتهم الشخصية، فالحرية ليست أبدا أن تفرض رأيك على الآخر وفي حالة عدم قناعته واستجابته لك تنقلب عليه ويصبح ضمن قائمة الأعداء، فهي (الحرية)، كما قال كانط القدرة على التصرف وفق الواجب الأخلاقي والعقل.

الحرية يا سادة تعني حرية الفكر والتعبير، والاختيار الشخصي طالما لا تضر بالآخرين، فالفرد جزء من المجتمع والحرية مؤثر مهم يطرأ وينعكس على جميع أفراد المجتمع باختلافاتهم واختلاف معتقداتهم وآرائهم ومستوياتهم وانتماءاتهم وأفكارهم، وعليه يجب على كل مُطالب بالحرية أن يُعلي مصلحة المجتمع على نفسه ويدرك جيدا مفهوم الحرية ومغزاه العميق قبل أن يصيب بحريته المزعومة مصالح الآخرين الذين لا ذنب لهم أنهم خُلقوا في نفس مجتمعه.

اضف تعليق