فن التواصل والحوار الناجح من اهم الأساسيات في حياة الانسان وعلاقته مع بني جلدته، لذلك فإن الشخص الذي يختار كلماته بدقه، باستطاعته ان يمتلك عقول الناس ويسيرهم حسب ارادته، وفي هذا المجال هناك ارشادات وردت في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، لأجل الحوار الناجح مع الناس.
فالقران الكريم:
1- ينهى الانسان من انتقاء الكلمات السلبية خاصةً في الوقت الذي يكون في وضع منهك، أو في موقع استراتيجي ويحث الانسان على أن يؤثر في الطرف المقابل باستخدام اللين، حيث قال تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [آل عمران: 159].
2- التكلم بهدوء واختيار الكلمات المناسبة والكلام الجميل: [ فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا]
[فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ].
3- واختيار الأجواء المناسبة والأماكن الجيدة للحوار لأن الأجواء والأماكن لها تأثير كبير على القبول من الطرف المقابل.
4- الشعور بالطرف المقابل:
فقد جاء عن الامام الحسن العسكري عليه السلام: كفاك أدباً تجنبك ما تكره من غيرك*1
5- النقاش بناءً على المعلومات والمستندات العلمية والدينية، ولا ينبغي للإنسان أن يتكلم هباءً دون ان يعلم ما سبب حواره ويذهب مرة الى الشرق ومرة الى الغرب، ويستخدم اسلوب السفسطة
ومعرفة كافة الجوانب في الموضوع، كي لا يقع الانسان في المهلكة [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم] وقد قال بعضهم (وَلَا تَقُلْ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم).
6- الحوار بنيَّة صادقة وقربة الى الله تعالى وبهدف إظهار الحق، فهناك قصة لطيفة وموقف جميل من الامام الحسن العسكري عليه السلام مع الفيلسوف الكندي، حيث يعلم الامام بطريقة لطيفة اسلوب التعامل والحوار مع الناس بطريقة غير مباشرة، ومن الحوادث المهمة في عهد الامام الحسن العسكري عليه السلام محاولة الفيلسوف اسحاق الكندي في تأليف كتاب (تناقض القرآن)، معيبا على كتاب الله تعالى بأن فيه تناقضات فشغل نفسه بذلك أشهراً ووصل الخبر الى مسامع الامام، فتأثر لذلك لأنه لا يستطيع ان يصل الى الكندي لبعد المسافة والحصار الذي ضربه حوله بنو العباس، فصادف يوما ان حضر عند الامام العسكري عليه السلام احد تلامذة الكندي فقال له ابو محمد: أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عما تشاغل فيه؟.
فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض على معلمنا؟.
فقال الامام عليه السلام: أعلمك كلاماً تقوله له وتجعله بصيغة سؤال حتى لا يتصوره اعتراضا منك فما تقول؟.
فقال التلميذ: نعم. قال الامام: اذهب اليه وقل له عندي مسألة أسألك عنها ثم قل له اذا جاءك أحد وقال لك إني افهم من كلمات وآيات القرآن فهما غير الفهم الذي أنت تستفيده منه، أيجوز ذلك؟.
فإنه سيقول لك: نعم يمكن ذلك وعندئذ سوف يفهم المقصود في كتابه (تناقض القرآن) غير صالح لأن للقرآن عدة تفاسير ويحتمل عدة وجوه من المعاني ولا يقتصر على معنى واحد.
فذهب هذا التلميذ وفعل ما أشار به الامام عليه السلام وعندما سمع الكندي هذا السؤال تفكر في نفسه ورأى ان ذلك محتملا في اللغة وسائغا، فعرف ان المعاني التي دونها قد تنقض بمعاني أخرى محتملة، ففهم ان مشروعه فاشل، فترك الكتاب ومضى الى اموره الأخرى*2
بعد هذه الحادثة، تأثر هذا الطالب على أستاذه بطريقة غير مباشرة حسب ارشادات الامام الحسن العسكري عليه السلام، وهذا الموقف وغيره من المواقف تبين علاقة الأئمة عليهم السلام مع القرآن الكريم، وإنهم ينطقون بما يحمل القرآن بين دفتيه فهم حصن القرآن.
لذا فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام، يعلمون آياته ويفسرون مراده وهم كما قال رسول الله: إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، وإني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وعِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أَهْلُ بيتي، وإن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما.
إذاً فالقران واهل البيت عليهم السلام هما الحبل النجاة ووسيلة التقرب الى الله عز وجل، ومن خلال الرجوع الى نصائحهم وارشاداتهم يستطيع المرء ان يتقن دروس النجاح وفن الحوار والحياة الراقية، ويكون ناجحاً في الحياة الدنيا قبل الآخرة.
اضف تعليق