يجب أن نختار من نحب بعناية، فمجاورة أولياء الله وعباده الصالحين تُزيد الجنان جنانا، وغنيمة كسب القلوب المؤمنة لا يُضاهيها مكسب آخر، فشمّر عن ساعديك واحتفظ بكل قوتك بجوهرتك بعيدا عن عوالم السموم التي تدمر العلاقات بين البشر، وحلّق عاليا حيث عوالم النقاء والارتقاء...
في اللحظات الصعبة والمجادلات الحادّة، لا تتوفر غالبا ردود منطقية لدى المتجادلين بحدّة، وفي نفس الوقت لا يعبأ المتجادلون عن المسؤول، في حين ينتشر قلق من المستقبل، ومن تغيّر اللحظات الهادئة، ويتصاعد الخوف على من نحب لكي لا تتغير تلك الانطباعات الجميلة عمّن نحب، ولا تشتعل الظنون بمن أحببنا، إنه قلق من تأثير ذوي النفوس الخبيثة وكلامهم المسموم على من نحب.
من الطبيعي أن يخاف الإنسان على كنوزه وثرواته، لأن الحب أغلى ثروة إنسانية إن استُعمِل في خير الله ولله، فهذا سوف يوصلنا إلى بر الأمان، ويأخذ بأيدينا إلى الأعالي ويجعلنا أجمل وأنقى في الخلق والتعامل مع الآخرين.
الرحمة كذلك تجعلنا نحيى ونُظهر أنْفَس ما في داخلنا، فمن يُحِب ويُحَب سوف يعيش بطريقة أكثر إبداعا وإنتاجا وعطاءً، لذلك فإن تأثير الحب أقوى بآلاف المرات من الجلسات النفسية والتعليمات الأخرى، فالإنسان بدوره يصبح حنوناً ومعطاءً إن حصل على الشخص المطلوب، وكان قلبه نظيفاً لا يحمل نيّات سيئة بأي شكل من الأشكال تجاه الآخرين.
عندما تبدأ حلبة النقاش والمجادلة يجب أن نتذكر بأن هناك عدوا أقسم بأن يدمّر كنوز المحبة بيننا، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء)، فعندما يعرف الإنسان منافذ دخول العدو إليه، سوف يتمكن من القضاء عليه، بغلق تلك المنافذ والتخلص منها.
ثم بعد ذلك يجب أن نحافظ على سلامنا الداخلي (إن النّفس لأمارة بالسوء)، في الأوقات الصعبة نشعر بأن النار سوف تلتهم كل شيء في طريقها، ونحن نزيد النار وقوداً ولا نتنبّه لها فتحرقنا معها أيضاً دون وعي منا.
يجب أن نعرف بأن واجبنا عند اندلاع الحريق هو إطفاء النار وتهدئة الوضع، وليس إيجاد وسائل قابلة للاشتعال ونزيد الأمر سوءاً.
في كثير من الأحيان عند النقاش والمجادلة، يتكلم الشخص الأول والثاني يزيده جفاءً بنبرته القاسية، ويذكر جميع المشاكل التي كانت من المفترض أن تكون قد مُحيَتْ منذ زمن من قاموس المودة، ولكنها تعود من نافذة الغنائم كي تقضي على المتهم، وفي هذه الحالة كل منهما يغوص في أعماقه كي يأتي بالمزيد لينتصر على غريمه وكأنهما أصبحا أعداءً فجأة.
ولم يدركا عندئذ بأنهما يُغذيان لهيب الشر، ويشعلان نار الضغائن، وفي الوقت نفسه فإن الشيطان يصفق لهما بقوة، ويضحك منهما ويتمتم (لأغوينهم أجمعين)!.
ما عليك فعله في تلك اللحظات المشحونة بالشياطين، هو إتباع قول أمير المؤمنين عليه السلام: ("واقبل عذر أخيك. فإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً، ولا تكثرنّ العتاب فإنّه يورث الضغينة)، كي تأتي مياه الأمن والطمأنينة وتُخمد لهيب الشياطين، ولنذكّر أنفسنا لماذا نحن هنا، ولماذا أحببنا وما هو هدفي من دخولي في أرض قلبه المقدسة؟
أنا هنا كي أنفّذ وصية إمامي، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه، ولا يعده عدة فيخلفه"، و عن شعيب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأصحابه: "اتقوا الله، وكونوا إخوةً بررةً متحابّين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوَروا، وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا وأحيوه).
تتضاعف الفرحة عندما نكون يدًا بيد كي نعلن للعالم بأن المحبة قادرة على إحياء الخلايا الميتة، ويمكنها إرجاع النبض إلى القلب، لذلك نحتاج إلى التأكد من اختيارنا الصحيح في كل شيء، ولسنا بحاجة إلى خيبة تدفننا ونحن أحياء!
في اللحظات الصعبة والمجادلات، نحتاج الى عقل سليم يُرشدنا بقوة المنطق وعمق الأخلاق، ولكن هل يستطيع الإنسان أن يفكر بشكل سليم ومنطقي، وهو يشتعل من الأعماق ويثور كالبركان؟
لذلك جميل أن نتعلم أسس التفاهم المتبادَل، وكيفية النقاش في الأوقات الصعبة، حيث أننا في كثير من الأحيان نفقد العلاقات الرصينة، ونفقد أناساً رائعين بسبب الغضب، والتعصّب السريع الذي يؤدي بنا إلى عدم الرد المناسب.
عند المجادلة وبدء النقاشات، نحتاج إلى ذكر الله، (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فالقلوب التي هيّجها الشيطان بوساوسه، لابد وأن تهدأ وتعانق الأعزاء وترفع راية بيضاء، تعلن سلامها، نحن لسنا في حرب لكي يثبت فيها من هو على صواب، نحن في سباق لزرع (كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ)، نثبت فيها من هو الأكثر حبا وعطاءً.
إن ذكر الله يبعد عن النفس الأنا، وحب الذات الذي يحفز الإنسان على القسوة والتكبر على الآخرين، والمُحب من يرق عند القسوة لا في الرخاء، وهو الذي يشدّ من عضد أخيه ويصبح له سلطانا نصيرا بدل شيطانا مريدا: (إنّ الإنسان لفي خُسْرٍ*إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصبر)، من يوصي أخاه بالخير ويمسح خطأه كأنه يمسح الغبار من على سطح القلب، مع الانتباه لأهلية المحبوب لهذا الحب، فهل يمتلك الصفات التي يحبها الله؟؟
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (يُحشر المرء مع من أحبه. حتى أنه لو أحب أحدكم حجر حُشر معه).
لذلك يجب أن نختار من نحب بعناية، فمجاورة أولياء الله وعباده الصالحين تُزيد الجنان جنانا، وغنيمة كسب القلوب المؤمنة لا يُضاهيها مكسب آخر، فشمّر عن ساعديك واحتفظ بكل قوتك بجوهرتك بعيدا عن عوالم السموم التي تدمر العلاقات بين البشر، وحلّق عاليا حيث عوالم النقاء والارتقاء....
اضف تعليق