مع استمرار الصراعات والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الجزائر، اكدت بعض المصادر ان حكومة عبد المجيد تبون ستواجه الكثير من التحديات والأعباء الثقيلة التي تركتها حكومة عبد المالك سلال، في وقت تمر فيه البلاد بفترة صعبة أثرت على كل القطاعات، على خلفية تهاوي أسعار النفط. إضافة إلى التحديات الأمنية التي تواجه البلاد داخلياً وخارجياً مع استمرار الفوضى في دول الجوار، خاصة مالي والنيجر و ليبيا.
وقد فوجئت الأوساط السياسية في الجزائر في وقت سابق بإبعاد عبد المالك سلال من رئاسة الحكومة وتعيين وزير السكن عبد المجيد تبون بدلا عنه في قيادة التشكيل الجديد، كما فوجئت أيضا بأن هذه الحكومة خلت من قوى المعارضة، عكس ما جرى تداوله قبل وبعد إجراء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ويرى بعض المراقبين ان ما حدث ربما يكون مقدمة لسيناريو جديد قد تعيشه الجزائر خصوصا وان الحكومة الحالية تعد حكومة تصريف أعمال إلى غاية 2019 موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، ويرى القيادي في حزب "طلائع الحريات" المعارض أحمد عظيمي أن الوضع في الجزائر لا يتعلق بتغيير حكومة ولا بتغيير وزراء. ويشير عظيمي إلى "أزمة سياسية خانقة وانسداد سياسي شامل، لذلك فإن المنتظر هو إصلاح جذري عميق للنظام السياسي الجزائري وحل الأزمة الاقتصادية". وبحسب عظيمي، لا يمكن لأي حكومة أن تحل مشاكل الجزائر "على اعتبار أنه لا رئيس الوزراء ولا الوزراء لهم صلاحيات مع استمرار غياب مؤسسات الدولة، فمجلس الوزراء مثلا لم يجتمع منذ ديسمبر/كانون الأول 2016".
وفيما يخص اخر تطورات الاوضاع في الجزائر فقد صادق نواب المجلس الشعبي الوطني الجزائري على مخطط عمل الحكومة الجديدة الذي يتضمن اصلاحات تمس سياسة دعم الحكومة لبعض السلع والخدمات. وصوت مجلس النواب دون مفاجأة على مشروع الحكومة المعينة قبل شهر، باغلبية 402 صوتين من اصل 462، بينما صوت 30 نائبا، ضده بحسب ما أفادت وكالة الانباء الجزائرية.
وكان رئيس الوزراء الجديد عبد المجيد تبون عرض مخطط عمل الحكومة في وقت سابق واستمر نقاشه ثلاثة أيام في جلسات ليلية انتهت بالتصويت عليه بالاغلبية التي يشكلها حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي (261 صوتا) وأحزاب أخرى تدعم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ومن أبرز ما حمله مخطط عمل الحكومة إعادة النطر في سياسة دعم السلع والخدمات "من خلال إحصاء دقيق للاحتياجات الحقيقية وتوجيه الاعانات الى مستحقيها" كما أوضح تبون.
و قال رئيس الوزراء انه "رغم تقلص الموارد المالية بأكثر من 50 بالمائة إلا اننا لا زلنا صامدين ولا زالت احتياطاتنا من العملة الصعبة تفوق 100 مليار دولار". وتمثل مختلف الاعانات التي تقدمها الحكومة لدعم المواد الغذائية (السكر والخبز والحليب) والوقود والكهرباء والماء إضافة الى تكاليف الصحة والسكن والتعليم المجاني ما يعادل 23% من الناتج الداخلي الخام، بحسب صندوق النقد الدولي.
خلافة بوتفليقة
جاء إسناد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تأليف حكومة جديدة إلى عبد المجيد تبون ليشكل مفاجأة، إذ لم تكن إزاحة "الرجل الوفي" عبد المالك سلال متوقعة، غير أن هذه الخطوة قد تفتح له الطريق لخلافة بوتفليقة، كما يرى محللون. ويقول أحد المحللين في صحيفة "ليبرتي" أنه من غير المستبعد أن يبقى رئيس الوزراء السابق المعروف بولائه للرئيس خصوصا في فترة وجوده في المستشفى، في الاحتياط لخلافته".
أما الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر رشيد تلمساني، فيرى أن إبعاد سلال "قد يكون استراحة محارب. سيبتعد عن الأنظار أو حتى يتم تعيينه كسفير، في باريس مثلا حيث أن هذا المنصب شاغرا في الوقت الحالي، قبل أن يعود لمنصب أعلى. ولا يوجد أعلى من منصب رئيس الوزراء سوى رئاسة الجمهورية". ويضيف تلمساني "بالإضافة إلى ذلك، فإن سلال (69 عاما) يعتبر شابا" مقارنة ببوتفليقة (80 عاما) ورئيس مجلس النواب السعيد بوحجة (79 عاما) ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح (77 عاما) أو حتى خليفته عبد المجيد تبون (71 عاما).
ويتوقع تلمساني أن عملية اختيار خلف بوتفليقة لن تتم حالا "بسبب الصراع الكبير بين مختلف رموز السلطة ومجموعات الضغط التي سيطرت على الاقتصاد"، في إشارة إلى الفساد المستشري في المؤسسات العامة والتي تؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي المتردي أصلا بسبب تراجع مداخيل الجزائر نتيجة انخفاض أسعار النفط.
وكتبت صحيفة "الوطن" الجزائرية "لم يكن أي وزير يشك في استمرار عبد المالك سلال في منصبه منذ الانتخابات التشريعية التي قاطعها أغلب الناخبين. كما أن سلال نفسه كان يبدو واثقا من نفسه حتى وإن كان يعرف أن مصيره ليس بيده". وترى المحللة السياسية لويزة آيت حمادوش أن تعيين تبون "مجرد تغيير شكلي يدخل في إطار منطق النظام"، مشيرة إلى أنه "من الطبيعي أن يتم تعيين حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية" التي جرت في الرابع من أيار/مايو. بحسب فرانس برس.
وتؤكد بدورها أن عبد المالك سلال "لم يفعل شيئا يستحق إبعاده من الساحة، فقد أدى مهامه التي أسندها النظام له بكل جدارة، لذلك سيتم استدعاؤه حتما لمنصب آخر". وتتابع "في الأنظمة الهجينة (لا هي ديمقراطية ولا هي دكتاتورية) مثل الجزائر، من الجيد إعطاء الانطباع بأن هناك تغييرا (...). لذلك لا يمكن اعتبار رحيل سلال عقوبة له". وتشير حمادوش إلى أن "سلال أدلى ببعض التصريحات التي تدل على أن له طموحات أكبر من منصب رئيس الوزراء. لكن هذا النظام يعمل وفق منطق التعيين". وفي الإجمال، يرد اسم سلال بين المرشحين المحتملين لخلافة بوتفليقة ومنهم شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة ورئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح.
الحكومة والمعارضة
في السياق ذاته لم تجد دعوة رئيس الحكومة الجزائرية، عبد المجيد تبون، وكما نقلت بعض المصادر إلى حوار مفتوح بين الحكومة والمعارضة حول الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، استجابة واضحة من قبل أحزاب المعارضة، التي يبدو أنها قطعت شوطاً كبيراً من انعدام الثقة في المؤسسة السياسية الرسمية، إذ أشاحت أغلب أحزاب المعارضة بوجهها عن دعوة رئيس الحكومة، واعتبرتها محاولة تهدئة سياسية لا تتضمن أية خطوات جدية.
ولم يترك رؤساء الحكومات السابقون، وخطاب السلطة العنيف إزاء قوى المعارضة، في وقت سابق، وتوجيه اتهامات لها بالخيانة السياسية والعمالة للخارج بسبب مواقفها وانتقاداتها لسياسات الحكومة والرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، مساحةً واسعةً للمناورة أمام تبون لإعادة بناء الثقة المهدومة بين السلطة والمعارضة. ويظهر ذلك بوضوح في رفض أغلب أحزاب المعارضة الرد والتفاعل الإيجابي مع دعوة تبون المعارضة إلى الحوار، عندما أعلن، قبل أيام، أن "الحوار وحده، وتضافر الجهود بين الخيّرين من السلطة والمعارضة، كفيلان بإخراج الجزائر من أزمتها الراهنة".
وتعتبر المعارضة أن اعتراف تبون بكون الجزائر في نفق أزمة سياسية واقتصادية حادة تقدير مخالف تماماً للتصريحات والتحليل الذي كان يطلقه رئيس الحكومة السابق، عبد المالك سلال، قبل يونيو/حزيران الماضي، عندما كان ينفي أن تكون البلاد برسم أزمة اقتصادية، وكان يتهم المعارضة بتهويل الوضع الاقتصادي والسياسي في الجزائر. وقال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، "حين كنا نتحدث عن مخاطر السياسة المنتهجة من قبل الحكومة بشأن الاقتصاد الوطني، وبينها مثلاً صناعة السيارات بالطريقة الخاطئة التي هي عليها إلى الآن، كانت أحزاب الموالاة تدافع عن الحكومة المسؤولة عن هذا، واليوم أصبحت الحكومة ذاتها ممثلة في الوزير الأول (رئيس الحكومة) تقول نفس ما كنا نقوله. لولا كشف المعارضة هذا الأمر لما تغيرت الموازين داخل السلطة ذاتها".
ويعتقد مقري أن اعتراف الحكومة براهن الأزمة الاقتصادية في البلاد، ليس صحوة ضمير، لكنه جزء من تكتيك سياسي، يستهدف إفراغ مواقف المعارضة من محتواها. واعتبر أن "السلطة اليوم تخشى من اتساع شعبية المعارضة بسبب تأكد توجهاتها في مختلف المجالات، فهي تحاول سحب الملفات منها بتبنّي أفكارها، وأحزابها المغلوبة على أمرها تتبعها".
واعتبر القيادي في حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعارض، عثمان معزوز، أن "دعوة رئيس الحكومة إلى الحوار، غير جدية وغير مجدية، في ظل تمسّك السلطة بخياراتها، ثم إن رئيس الحكومة لا يملك من أمره شيئاً. القرار الأساس بيد الرئيس بوتفليقة، الذي لا يؤمن بالحوار مع المعارضة". ويشير تصريح معزوز إلى ما يوصف بالحرب الإعلامية والسياسية التي شنها بوتفليقة ضد المعارضة السياسية، ووصفها "بالمعارضة غير الأخلاقية"، وانتقد بشكل واضح مواقفها من سياساته الاقتصادية، ودعوتها إلى التغيير السياسي في البلاد، ومطالبتها المجلس الدستوري بإعلان شغور منصب الرئيس في أعقاب الوعكة الصحية التي ألمّت به في إبريل/نيسان 2013، واستدعت مكوثه في مستشفى في باريس لمدة 81 يوماً.
واستلهمت الحكومة ووزراؤها وقيادات في أحزاب الموالاة من موقف بوتفليقة لشن حملة إعلامية وتخوين ضد المعارضة. لكن بروز بوادر وتداعيات أزمة أسعار النفط لاحقاً على الاقتصاد الجزائري، وتراجع مداخيل البلاد، وإلغاء مشاريع البنية التحتية، وخسارة الجزائر 50 مليار دولار أميركي سنوياً بسبب الأزمة، اضطرت الحكومة إلى الإقرار بخطورة الأزمة التي قد تدفعها حتى إلى الاستدانة من الخارج، خصوصاً في ظل وجود جملة من التوترات الاجتماعية، ودفعها إلى تعديل خطابها السياسي باتجاه المعارضة، وصولاً إلى توجيه تبون دعوة إلى المعارضة للحوار حول الأزمة الراهنة في البلاد.
ووضع المحلل السياسي، مروان لوناس، هذا الأمر في سياق محاولة "الحكومة توريط وإشراك المعارضة في موضوع لا ناقة لها فيه ولا جمل، وهو نتاج سياسات طبقتها الحكومة من دون استشارة المعارضة أو الاستماع لها. لذلك أرى أن الحكومة، التي لم تستشر غير نفسها في السياسات الكلية، تريد اليوم إغراق ما تبقى من المعارضة في تحمّل المسؤولية الأخلاقية خلال المرحلة المقبلة التي تبدو صعبة". ويبرر لوناس عدم استجابة وتفاعل أحزاب المعارضة مع دعوة رئيس الحكومة إلى "التجارب الماضية، التي بينت أن الحكومة دوماً تشاور المعارضة شكلياً ثم تخالفها ولا تأخذ برأيها".
ويعتبر المحلل السياسي، محمد سيدمو، أن دعوة تبون المعارضة إلى الحوار "مجرد تكتيك سياسي تريد الحكومة اعتماده، تحسباً لدخول اجتماعي سيكون ساخناً، بالنظر إلى حالة الاحتقان الشديدة التي تميّز عمال وموظفي الطبقة المتوسطة والفقيرة في الجزائر. كما سيمهد هذا الحوار لمواصلة سياسة التقشف التي تبنتها الحكومة في قانون المالية (موازنة) لسنة 2018، وذلك من خلال إطلاع الأحزاب المحاورة على حقيقة الوضع وتجنب حالة رفض شديدة لهذا القانون في البرلمان حال مناقشته". ويضيف إن إصرار السلطة على نفس السلوك في نتائج ومآلات الانتخابات في الرابع من مايو/أيار الماضي، أهدر آخر فرصة لبناء الثقة بين الحكومة والمعارضة، التي كانت سباقة في عرض ذلك.
ويصف دعوة تبون للحوار بغير الجادة، موضحاً "لا أعتقد أن دعوة الحوار هذه المرة جادة، لأنها تأتي غداة انتخابات تشريعية شكلت في نظر المعارضة المشاركة فيها فرصة حقيقية لإعادة الثقة بين السلطة والطبقة السياسية، لكن الخروقات التي شابتها واتهامات التزوير وتركيبة البرلمان المنبثق عن الانتخابات، وطريقة تشكيل الحكومة، بيّنت أن لا شيء تغير، وبالتالي تم تضييع فرصة أخرى على الجزائر، لا يمكن استدراكها بمبادرات فضفاضة وشكلية، مثل الحوار، سبق تجريبها، ولم تحقق أي شيء ملموس في الميدان".
وما يلفت هو مجموعة التصريحات التي تعبر عن خط سياسي يرغب تبون في الوصول إليه. وتثير هذه التصريحات الكثير من التساؤلات بشأن انتقاده أداء الحكومة السابقة واتهامها بعدم الجدية في المشاريع الصناعية وإهدار المال العام، وعما إذا كانت تستهدف استرضاء المعارضة وتقدير مواقفها وتحليلها. ودفع توقيت دعوة المعارضة إلى الحوار من قبل حكومة لن يتجاوز عمرها الـ18 شهراً، إذ تنتهي في أفق الانتخابات الرئاسية في ربيع العام 2019، بعض التحليلات إلى وضع هذا الأمر في سياق محاولة السلطة السعي لتأمين الطريق نحو الانتخابات المحلية المقررة نهاية السنة الحالية، والأهم منها الانتخابات الرئاسية في 2019، خصوصاً مع تباين التقديرات في خلفيات الأزمة، التي تراها الحكومة ذات بعد دولي مرتبط بانهيار أسعار النفط، وتراها المعارضة ذات بعد سياسي يرتبط بغياب الشفافية وتحالف السلطة مع الكارتل المالي وإخفاق بوتفليقة في سياسات ترشيد النفقات العامة واستغلال الوفرة المالية السابقة في تحقيق إنعاش اجتماعي وإقلاع اقتصادي، خصوصاً في قطاعات السياحة والصناعة، لا يتيح أي تقارب بين الحكومة والمعارضة.
اضف تعليق