q

لاشك في ان كل من الولايات المتحدة الاميركية والمالنيا والصين، يعدون من اقطاب الاقتصاد العالمي وان انشطتهم التجارية تفوق جميع مبادلات وتجارة دول العالم مجتمعة، الا انه وفي الاونة الاخيرة شهدت العلاقات الثتجارية مابين هذه الدول توتر وتصعيد عالي، لاسيما بعد فوز ترامب بكرسي الرئاسة الاميركية، وجاء ذلك بسبب سياسة ترامب ووعوده بتقويض حجم التبادل الدولي مع كل من الصين والمانيا فضلا عنه الغاءه للعد من الاتفاقيات واتباعه سياسة الحمائية عبر فرض رسوم على السلع الاجنبية الوافدة للولايات المتحدة.

وهذا مادفع كل من الصين والمانيا الى اتخاذ هي الاخرى تصريحات ومواقف مضادة من سياسة ترامب، اذ ذكرت وزيرة الاقتصاد الألمانية الجديدة بريغيتا تسيبريس إن بلادها واثقة من نفسها ولا تخشى من خطط اقتصادية أعلنها الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، وبدت أشبه بتهديدات بحرب تجارية على المانيا وأوروبا، وصفت تسيبريس إعلان ترمب منذ عشرة أيام خططا اقتصادية شملت أمورا عديدة من بينها فرض رسوك كمركية مرتفعة والانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة عبر المحيط الهادي، بأنه "مزعج ومقلق وموجه نحو الاتجاه الخاطئ تماما".

وأوضحت أن 60% من الصادرات الألمانية موجهة للأسواق الأوروبية و10% فقط موجهة للسوق الأميركية، ولفتت إلى أن "سياسة الانعزال الاقتصادي التي يتطلع إليها السيد ترمب سيكون لها آثار سلبية على الاقتصاد وفرص العمل بألمانيا، لكنها تخالف أساسيات منظمة التجارة العالمية، وستضر بالجميع بما في ذلك الاقتصاد الاميركي نفسه"، وترى أن الاحتجاجات الدائرة بالولايات المتحدة مهمة، لأن النقاش حول سياسات ترمب لا بد أن يجري هناك.

وذكرت أن سياسة الانعزال الاقتصادي سيكون لها تداعيات سلبية على الأميركيين بسبب اعتماد اقتصادهم على التزود من الخارج بمعدات وقطع غيار فائقة الجودة، وإن الاقتصاد الاميركي ليس من صالحه الدخول في نزاع تجاري لا يريده أحد، وسلسلة من الشركات الأميركية عبرت عن انتقادها ورفضها لخطط ترمب الاقتصادية، واستبعدت الوزيرة الألمانية أن تؤدي اضطرابات الأسواق الناتجة عن تهديدات ترمب لحدوث أزمة اقتصادية عالمية، لكنها قالت إن الجميع سيخسرون، وأشارت إلى أن هذا حدث بموازاة مضاعفة صناعة السيارات الألمانية إنتاجها بالولايات المتحدة أربع مرات خلال السنوات السبع الأخيرة.

من جهة اخرى حذرت شركات السيارات الألمانية من أن الولايات المتحدة ستعاني من ضرر اقتصادي كبير إذا فرضت قيودا تجارية في إطار سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يسعى لتقوية الصناعة الأميركية، وأوضح رئيس الاتحاد الألماني لصناعة السيارات ماتياس فيسمان "إذا فرضت قيود على منطقة نافتا (اتفاقية التجارة الحرة لـ أميركا الشمالية) فلا شك أنها ستكون بداية ضربة كبيرة لـ الاقتصاد الأميركي". وأضاف أن التجارة العالمية ستتضرر أيضا، وذكر فيسمان أن شركات السيارات الألمانية ومن بينها فولكسفاغن ودايملر زادت عدد المركبات الخفيفة التي تنتجها في الولايات المتحدة بسبعة أضعاف السنوات السبع الأخيرة لتصل إلى 850 ألف سيارة يتم تصدير نصفها.

وإذا فرضت رسوم أو ضرائب على الواردات فإن الولايات المتحدة ستكون كمن يطلق النار على قدميه في الأجل الطويل، وكان ترمب قد لوح بأنه سيسعى لفرض رسوم بنسبة 35% على السيارات التي تخطط شركة "بي أم دبليو" الألمانية لإنتاجها بمصنع جديد في المكسيك وتصديرها إلى السوق الأميركية، وقد استثمرت شركات السيارات الألمانية الثلاث الكبرى بكثافة في المكسيك حيث تنخفض تكلفة الإنتاج عن الولايات المتحدة، بهدف تصدير سيارات أصغر حجما إلى ثاني أكبر سوق للسيارات بالعالم، ووقع ترمب هذا الأسبوع أمرا بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي، كما قرر إعادة التفاوض مع كندا والمكسيك على اتفاقية نافتا.

طبيعة التبادل التجاري مع الصين

لقد أوضح ترمب أنه سوف يسحب الولايات المتحدة على الفور من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادىء، بما يتماشى مع انتقاد روس للاتفاقيات التجارية الأميركية، وبالإضافة إلى ذلك فإن جرأة ترمب في تحدي سياسة "الصين الواحدة" المستمرة منذ أربعين عاما، من خلال حديثه مباشرة مع رئيسة تايوان تساي إنغ ون، فضلا عن تغريداته المعادية للصين لا تدع أي مجال للشك في أن إدارته سوف تتبع وصفة نافارو في استهداف شريك أميركا التجاري الأكبر والأقوى.

وبطبيعة الحال، ربما يكون الأمر أن ترمب، وهو صانع الصفقات البارع، يمارس ببساطة فكرة الحديث الخشن من أجل تنبيه الصين والعالم إلى أن الولايات المتحدة الآن مستعدة للعمل من موقع قوة على ساحة التجارة الخارجية، فالمناورة الافتتاحية الجريئة، وفقا لهذه الفكرة، تعمل على تليين عريكة الخصم بهدف التوصل إلى نتائج نهائية أفضل.

ولكن في حين لاقى هذا الحديث الخشن قبولا طيبا بين الناخبين، فإنه يصطدم بحقيقة أساسية هي العجز التجاري الأميركي الضخم الواضح والناجم بسبب انخفاض مدخرات أميركا، ويعبر عجز الادخار الهائل أيضا عن شهية أميركا التي لا تشبع لجلب المدخرات الفائضة من الخارج، والتي تعمل بدورها على توليد عجز الحساب الجاري المزمن والعجز التجاري الهائل.

العجز التجاري الاميركي

ولا يمكن للمسؤولين الذين يحاولون معالجة هذه المشكلة الاقتصادية بحسب كل دولة على حدة أن ينجحوا، ففي عام 2015، كان للولايات المتحدة عجز تجاري مع 101 دولة. ولا يوجد علاج ثنائي لمشكلة متعددة الأطراف، وما لم يعالج أصل المشكلة، نقص المدخرات الذي من المرجح أن يزداد سوءا مع الزيادة المحتومة في عجز الميزانية الفدرالية التي ستنتج عن تصرفات ترمب فسوف يتسع عجز الحساب الجاري والعجز التجاري الأميركي، ولن يفضي الضغط على الصين إلا إلى تحويل خلال الميزان التجاري إلى دول أخرى، وفي الأرجح إلى منتجين أعلى تكلفة، وهو ما من شأنه أن يرفع فعليا أسعار السلع الأجنبية التي تباع للأسر الأميركية المضغوطة بشدة، والقصة لا تنتهي عند هذا الحد، فإدارة ترمب تلعب بذخيرة حية، وهو ما يشي بتداعيات عالمية خطيرة، ويتجلى هذا بأكبر قدر من الوضوح في الرد الصيني المتوقع على نوبة استعراض العضلات الأميركية الجديدة، وفريق ترمب لا يبدي اهتماما برد فعل الصين على تهديداته، ظنا منه أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تخسره وبوسعها أن تكسب كل شيء.

هل يتوقف الاعتماد المتبادل بين الصين واميركا

وللأسف، قد لا تكون الحال كذلك، فسواء شئنا أم أبينا، تلتحم أميركا والصين في علاقة اقتصادية تقوم على الاعتماد المتبادل، فالصين تعتمد على الطلب من الولايات المتحدة على صادراتها، ولكن الولايات المتحدة أيضا تعتمد على الصين، فالصين تملك ما تزيد قيمته على 1.5 تريليون دولار من سندات الخزانة الأميركية وغير ذلك من الأصول الدولارية، وعلاوة على ذلك، تعد الصين ثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية (بعد كندا والمكسيك) والسوق الأكثر توسعا، وهي شديدة الأهمية للاقتصاد الاميركي المتعطش للنمو، ومن الحماقة أن نتصور أن أميركا تحمل كل الأوراق في هذه العلاقة الاقتصادية الثنائية.

يعد الاعتماد المتبادل رابطا شديد التفاعلية، فإذا غير أحد الشريكين شروط الشراكة، فمن المرجح أن يرد الآخر بالمثل. وإذا استهدفت الولايات المتحدة الصين -كما يدعو ترمب ونافارو وروس منذ فترة طويلة وكما يبدو أنهم يفعلون الآن فيتعين عليها أيضا أن تتحمل العواقب. فعلى الصعيد الاقتصادي، يشير هذا إلى إمكانية فرض رسوم كمركية على الصادرات الأميركية إلى الصين، فضلا عن التداعيات المحتملة على مشتريات الصين من سندات الخزانة الأميركية، وربما تذهب دول أخرى مرتبطة بالصين بشكل وثيق من خلال سلاسل الإمداد العالمية إلى فرض رسوم مضادة.

ان الحروب التجارية العالمية قلما تقع لكنها، مثل الصراعات العسكرية، تبدأ غالبا بمناوشات عرضية أو سوء تفاهم، فقبل أكثر من 85 عاما أطلق السيناتور الأميركي ريد سموت والممثل التجاري ويليس هاولي أولى الطلقات برعاية قانون التعريفة الجمركية في عام 1930، وأدى ذلك إلى اندلاع حرب تجارية عالمية كارثية، يعتقد كثيرون أنها حولت حالة من الركود الخطير إلى كساد عظيم، وعندما يتعلق الأمر باقتصاد الولايات المتحدة الذي يفتقر إلى الادخار ويميل إلى العجز، فإن الأمر يتطلب ما هو أكثر من تقريع الصين لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى، وربما يكون تحويل التجارة إلى سلاح للدمار الاقتصادي الشامل خطيئة سياسية ذات أبعاد أسطورية.

توجهات ترامب والاقتصادات العربية

ان اقتصادات الدول العربية مرتبطة ارتباطا كبيرا بالاقتصاد العالمي والأميركي، فبعضها مصدر للبترول ورؤوس الأموال، ويعتمد عدد منها على المعونات الدولية، ويشهد البعض الآخر تدخلات دولية بسبب الحروب الأهلية والحرب على الإرهاب، ويتوقع أن تؤدي تصريحات ترمب وسياساته المناهضة للعرب والمسلمين إلى مزيد من تدهور الأوضاع في المنطقة، واضطراب في العلاقات الاقتصادية العربية الأميركية. فدعمه المطلق لإسرائيل قد يشجعها مستغلة الحرب في سوريا والوضع المتدهور في مصر والعراق على التهام مزيد من الأراضي العربية.

كما أن تصريحاته العنصرية وهجمات أنصاره ضد المسلمين يوفر بيئة حاضنة للتطرف. وتنامي ظاهرة التطرف يعني مزيدا من التدخل في الشؤون العربية واستنزاف مزيد من مواردها البشرية والمادية والمالية، مما يؤثر سلبا على مخصصات التنمية. أضف إلى ذلك أنه صرح بأنه سيرغم العرب على تحمل نفقات الحروب والأمن في المنطقة، ويتوقع أن تتوقف الولايات المتحدة عن دعم برامج التنمية في الدول النامية، وتمتنع عن تقديم الدعم للمنظمات الدولية وعلى رأسها البنك الدولي والأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي. وعليه ستتضرر الدول العربية المستقبلة للمساعدات الدولية مثل مصر وتونس والاردن والمغرب وفلسطين ولبنان.

أضف إلى ذلك احتمال إلغاء أو إعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة الحرة التي عقدتها الولايات المتحدة مع كل من البحرين ومصر والمغرب وسلطنة عمان والأردن، كما ستتأثر الاستثمارات العربية في أميركا في ظل توقع عدم استقرار أسواق المال الأميركية وقيمة الدولار واحتمال تفعيلقانون جاستا. فحجم الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة يبلغ نحو 750 مليار دولار، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الرياض وواشنطن نحو 65 مليارا عام 2015.

ومن المحتمل أن يقل إقبال الطلبة العرب والمسلمين على الدراسة في الجامعات الأميركية، كما حدث بعد هجمات 11 ايلول 2001. فعدد الطلبة السعوديين في الولايات المتحدة بلغ ستين ألفا عام 2014، وترتيبها الرابع، بعد الصين والهند وكوريا الجنوبية، بين الدول المصدرة للطلبة إلى هناك حسب تقرير معهد التعليم الدولي. كما بلغ عدد طلبة الكويتأكثر من تسعة آلاف، وعدد الطلبة الأتراك نحو 10,700، ومن اندونيسيا ثمانية آلاف و11,300 من ايران. هذا إلى جانب أعداد كبيرة من الدول العربية والإسلامية الأخرى. وقد بلغت نفقات الطلبة الأجانب نحو ثلاثين مليار دولار عام 2014 وفقا لبيانات قسم التجارة الأميركي.

ويتوقع أن تتأثر السياحة بكافة أنواعها، فقد زار 14 مليون مريض الولايات المتحدة للعلاج، وبلغ دخل السياحة العلاجية وحدها نحو 42 مليار دولار عام 2016، لقد دعت بعض الحركات السياسية مثل حركة "احتلوا وول ستريت إلى مقاطعة الشركات التي دعمت ترمب في حملته الانتخابية، مثل مجلة فوربس وشركة باي بال وشركة يونغلينغ لصناعة البيرة وشركة هوبي لوبي لصناعة الحرف اليدوية وغيرها. ويمكن أن تمتد حملة مقاطعة السلع الأميركية إلى الدول العربية والإسلامية والأفريقية واللاتينية إذا نفذ ترمب وعوده بترحيل المهاجرين ومنع المسلمين من دخول أميركا، أو زاد تحرش أنصاره بالأقليات.

ومما يذكر أن السلطات السعودية منحت 317 رخصة استثمار للشركات الأميركية بحجم استثمارات يبلغ 52 مليار دولار عام 2015، وربما يتراجع ترمب عن تعهداته الشاذة كما توقع المحرر السياسي لصحيفة "ذي إندبندنت" جو واتس. فجورج بوش الابن نفسه تراجع عن تصريحات مشابهة بعد هجمات 11 أيلول. ومما يعزز هذا التوقع أن الوعود الانتخابية تختلف عن الممارسة في الواقع، كما أن الولايات المتحدة تدار من قبل مؤسسات لا أفراد. علاوة على ذلك أنه سيحاول الموازنة بين تحقيق وعوده وإرضاء الناخبين ولوبي رجال الأعمال لضمان انتخابه لفترة ثانية. غير أن رأس المال جبان، والسياح والمرضى والطلبة يبحثون عن بيئة مستقرة وسياسات ومجتمعات ترحب بوجودهم، وهذا ما تفتقده الولايات المتحدة في الوقت الحالي.

اضف تعليق