ضمان الاستهلاك والإنتاج المستدام لبلوغ الحياد البيئي الذي من شأنه المحافظة على سبل عيش للأجيال الحالية أو المستقبلية على نحو أفضل، فمن الحقائق الثابتة تزايد عدد سكان الأرض بشكل مطرد وتناقص بعض الموارد بسبب الاستهلاك المفرط وتأثير العديد من العوامل الأخرى التي تنعكس سلباً على استدامتها كالاحتباس الحراري...
يعرف الاستهلاك المستدام أو المحايد بأنه الاتجاه إلى نمط حياة صديق للبيئة، وهو لا يعني بحال من الأحوال تقليل الاستهلاك بل يعني الاستهلاك بطريقة مختلفة أكثر كفاءة لتحسين نوعية الحياة، أو هو التركيز على النشاط الاقتصادي الميال إلى الاستدامة في الموارد النادرة لمواجهة الطلب المتكرر المتزايد على السلع والخدمات.
وبالتالي لابد من إدخال تحسينات على كيفية وكمية المستهلك على المستوى الفردي والاجتماعي والدولة ككل بل العالم بأسره، لجني ثمار اجتماعية واقتصادية وإنسانية بالدرجة الأساس، فاستعمال المنتجات والموارد التي تستجيب للحاجات الأساسية على نحو من العدالة البيئية والحياد هدف يستحق المضي إليه، وما تقدم يتصل بتحسين نوعية الحياة، ويتصل أيضاً بأهداف الأمم المتحدة للألفية وبالتحديد الهدف الثاني عشر من أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بالتنمية.
ويتمثل ما تقدم بالتأكيد على ضمان الاستهلاك والإنتاج المستدام لبلوغ الحياد البيئي الذي من شأنه المحافظة على سبل عيش للأجيال الحالية أو المستقبلية على نحو أفضل، فمن الحقائق الثابتة تزايد عدد سكان الأرض بشكل مطرد وتناقص بعض الموارد بسبب الاستهلاك المفرط وتأثير العديد من العوامل الأخرى التي تنعكس سلباً على استدامتها كالاحتباس الحراري لاسيما إن علمنا ان نمط العيش الحالي في العديد من المجتمعات هو نمط استهلاكي بامتياز.
وليس هذا أس المشكلة فحسب بل هو الإهمال الذي يطال الموارد المحدودة ويعرضها لأضرار حتمية، وكذلك الاستثمار في الموارد لاسيما المتصلة بالطاقة هو الآخر يشكل هاجسا للمتخصصين، فبدل تسخيرها لمضاعفة الإنتاج الزراعي والصناعي لمواجهة الطلب المتنامي يتم استغلالها كسلاح في النزاعات المسلحة الدولية، وتتحول إلى عبء حتى على الدول المنتجة أحياناً نتيجة التقلبات الحادة في الأسعار والمشاكل ذات الطابع العالمي المانعة من الاستقرار والممهد للتنمية ولوضع خطط واستراتيجيات متوسطة وطويلة الأجل تمكن المجتمع الدولي من التخلص الآثار المدمرة الناتجة عن الاستعمال الجائر للوقود الأحفوري.
فهدر الغذاء والإفراط في استهلاك السلع والخدمات حتى بغير حاجة حقيقية مظاهر لما يمكن ان نصفه بأنه انعدام للعدالة وتكافؤ الفرص بين الشعوب والأمم، لذا العالم اليوم بحاجة إلى ترشيد الاستهلاك، فعلى سبيل المثال الحاجة لسيارة تقل الشخص من مكان إلى آخر يمكن ان تشبع بسيارة كهربائية صغيرة تستهلك كمية محدودة من الطاقة أو الوقود الحيوي، بيد ان بعض الأفراد أو الشعوب تميل إلى المبالغة في اقتناء سيارة كبيرة في حجمها وتستهلك كميات مضاعفة من الوقود وتتسبب في كمية أكبر من ثاني أوكسيد الكاربون.
في الوقت الذي يمكن للدولة كالعراق مثلاً الاتجاه نحو وسائل النقل الجماعي الصديق للبيئة الذي يحقق غايات متعددة في وقت واحد، فهو يشبع الحاجة للنقل ويقلل من عدد المركبات الخاصة ويسلك طرقا لا تتسبب في معاناة الأفراد، فالكثير منها يكون تحت الأرض أو في مسارات بعيدة عن المدن والقصبات، وبهذا تتحقق الاستدامة.
لذا يتعين على الحكومة العراقية الاتجاه إلى سياسات أكثر حيادً تجاه الإضرار بالبيئة والأكثر اتفاقاً مع استدامة الموارد الحيوية اللازمة لحياة الإنسان ويمكن تحديد بعض الخطوات اللازمة لذلك ومنها:
مضاعفة المساحات المزروعة والخضراء عموماً والعمل على استحداث مدن جديدة بدل خنق الموجودة منها اليوم بالقضاء على المساحات الخضراء داخلها، التقليل من النفايات بكل أنواعها كونها السبب الأساس في التأثير السلبي على حياة المجتمع والإنسان، وعلى الجانب الآخر يتعين مضاعفة جهود إدارة وتدوير كل أشكال النفايات، يتعين البدء بالإنتاج المستدام بتصميم منتجات تدوم لفترة أطول وتعمل بكيفية صديقة للبيئة ويمكن إعادة تدويرها كلياً أو جزئياً، وعلى الجانب الآخر تؤثر بعض العوامل في عادات الدول والشعوب الإنتاجية والاستهلاكية في مقدمتها:
1- غياب الإرادة الحقيقية للتغيير: فالممارسات اليومية هي التي تحدد خيارات الفرد والأسرة والحكومة فهذه الجهات لديها الرغبة في التغيير إلى الأفضل لكن قد لا تملك الأدوات اللازمة أو الإرادة الحقيقية للتغيير، ليس ما تقدم على المستوى الوطني فحسب بل إننا نجد على الجانب الدولي تسابق الدول إلى التحذير من مخاطر تراكم الكاربون في طبقات الجو أو الأرض بيد أنهم على أرض الواقع يزيدوا من سلوكياتهم الإنتاجية التي تسهم في مفاقمة هذه المشكلة وليس في حلها.
2- العادات الاجتماعية والتقليد: والتي بدورها تحدد الخيارات اليومية التي يصفها المختصون بأنها نابعة من التقليد الأعمى للآخرين في نمط الحياة بدون تفكير واعي بالمالات أو النتائج، فالفرد والأسرة جزء من مجتمع محلي ودولي وبالتالي هم يتأثروا بالسلوكيات التي تحيط بهم لاسيما مع ثورة التكنولوجيا الحالية التي جعلت التواصل لحظي بين الأفراد ويمكن لوسائل التواصل الاجتماعي ان تختصر الكثير من الوقت والجهد لإطلاع الفرد على عادات وتقاليد الغير والتأثر بها أو محاولة تقليدها، ومصداق ما تقدم التزايد المخيف للمشاريع الخاصة المتصلة بالمطاعم أو المطابخ أو تقديم أصناف من الأطعمة.
لذا العراق اليوم بحاجة ماسة إلى وضع الحلول التقنية والاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها التغيير الإيجابي ليكون النمط الاستهلاكي أكثر حياداً ويتمثل ما تقدم في:
1- الكفاءة في الاستخدام: سواء على صعيد الطاقة أو الموارد والاتجاه نحو الطاقة النظيفة وتشجيع المحافظات العراقية الأقل نمواً على الاستثمار في التكنلوجيا البيئية التي تحقق الاستدامة والحياد الكاربوني، وتستنقذ مصادر الموارد الزراعية والصناعية.
2- التقليل من النفايات السامة: المسببة للتلوث أو الإضرار بالموارد لاسيما مورد الماء أو الهواء أو التربة الصالحة للزراعة وحث الأفراد على خفض النفايات باعتماد على المواد القابلة للتدوير، وتفعيل المحاسبة على تفتيت الأراضي الزراعية وتحويل استخدامها إلى أنشطة مختلفة لا تتفق والغاية من تخصيصها للزراعة.
3- دور الإعلام الهادف: بتقديم النصائح وخلاصات الدراسات العلمية للأفراد بطريقة سلسة ومنهجية بالاعتماد على استراتيجية إعلامية قادرة على التغيير الإيجابي في السلوكيات الفردية، وكذا محاولة التأثير في القرار الأسري والفردي عند الشراء لتشجع الطلب على المنتجات المحايدة بيئياً، بعبارة أخرى يتحقق ما تقدم من خلال مسارين الأول توعية المجتمع بالمخاطر، والثاني توفير البدائل للاستهلاك التقليدي الجائر الذي يضر بالموارد.
4- بناء الاقتصاد العراقي: الاستهلاك أحد المتغيرات الاقتصادية المؤثرة في العملية الاقتصادية برمتها في العراق بل هو المحرك الرئيس للإنتاج، وبالمحصلة سيؤثر في التنمية وتوفير فرص العمل ودوران عجلة الاقتصاد، لذا قد تبدو الدعوة إلى الحد منه غير حكيمة بل غير مجدية والواقع إننا ندعو إلى الترشيد في الاستهلاك بتغيير أنماطه من التقليد الأعمى إلى الحكمة في الاختيار ليصب في صالح الاستدامة وحفظ حقوق الأجيال في العيش الكريم على الأرض.
5- الاستهلاك المسؤول: تهدف هذه المقالة إلى ترسيخ مفهوم المسؤولية الاجتماعية والفردية إزاء المجتمع ومقومات العيش في الأوطان بعبارة أخرى استدعاء المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية إزاء الغير والمستقبل فالاستهلاك المسؤول اجتماعياً من شأنه تكريس سلوكيات قيمية حين يشعر الفرد بمسؤوليته عن السلوك الفردي الصادر عنه المضر بالآخرين بشكل مباشر أو غير مباشر فالمفاهيم القائمة على تبني العدالة والأخلاق والتضامن من شأنها ان تشكل مصدر الهام للبعض ممن يسير وفق مفاهيم ملؤها التقليد للآخرين.
6- الأعمال الخضراء: لاشك في أهمية الانتقال إلى المشاريع الصناعية الخضراء أو المحايدة بيئياً بتشجيع المشاريع الناشئة ورؤوس الأموال على الاستثمار في الاقتصاد الأخضر وهنا يكون للعمال والنقابات المهنية الوطنية الدور الأبرز في عقد شراكات مع أصحاب العمل لتضافر الجهود نحو بيئة عمل مؤاتية من شأنها ان تحدث نقلة نوعية في مجال الاستدامة.
7- السياسة الضريبية: فالإعفاء من الضرائب أو الرسوم لاسيما الكمركية منها يمكن ان يلعب دوراً في تحقيق الاستدامة في الاستهلاك والإنتاج على حد سواء ويمكن ان يسهم في توفير السلع والخدمات الصديقة للبيئة.
8- التحول الحضري: أو الانتقال من الحياة الريفية إلى المدينة لا شك انها تؤثر في مستويات الإنتاج والاستهلاك فمن واجبات الحكومة العراقية ان تتخذ من الإجراءات ما من شأنه ان يقلص من مخاطر هذه الظاهرة التي استفحلت وتحولت إلى مشكلة لها تجلياتها الظاهرة للعيان فبدل التوسع في الاستثمار الاستهلاكي لماذا لا تأخذ هيئة الاستثمار والمحافظات والحكومة المركزية دورها في التشجيع على إقامة القرى العصرية في المناطق الريفية وتقدم الدعم للمزارعين بما يحول دون هجرتهم وتركهم لمهنة المجتمع بأمس الحاجة إليها.
9- الشفافية الاقتصادية: من الواجب ان يبنى الاقتصاد الوطني العراقي على أسس من التعددية والانفتاح التجاري غير التمييزي القائم على قواعد تستهم أسس العدالة والإنصاف والشفافية من شأنه ان يحقق أثراً إيجابياً في الاستهلاك الأخضر ويمنع الممارسات التجارية غير العادلة التي نراها بأم العين في سلوكيات بعض التجار واستثمار شقة الخلاف بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بشأن بعض الملفات ذات الاهتمام المشترك.
10- الشرعية الدولية: من المهم التأكيد على دور الاتفاقيات الدولية ذات الشأن في تحقيق التقدم المطرد في الاستهلاك المخطط ومنها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ واتفاقية التنوع البايلوجي، واتفاقية مكافحة التصحر، واتفاقية قانون البحار لاسيما ما يخص المحافظة على الأرصدة السمكية في المناطق المتداخلة بين الدول أو في المنطقة الدولية من البحار والمحيطات.
11- القوانين العراقية: أهمية تفعيل القوانين الوطنية العراقية ذات الشأن لاسيما قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009 وان تضع الحكومة في برنامجها أهدافاً قابلة للتحقق والقياس فيما يخص التحول نحو الاستهلاك المستدام في العراق والعمل على ترسيخ مبادئ العدالة بتفعيل المبدأ القائل ((ان من يلوث يدفع)) والأخذ بنظر الاعتبار الأثر البيئي لأي مشروع مزمع القيام به من الحكومة أو القطاع الخاص والحث على الاستثمار في إعادة التدوير.
اضف تعليق