إسلاميات - اهل البيت

العفو وبناء السلم الأهلي

قراءة في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام

مضامين الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق دعوة صريحة للعفو والتسامح والتعايش بل هي مشروع بناء مجتمع مسلم خالي من الجهل والعنف والعدوان بكل صوره ليكون صالحاً لعيش الإنسان بأمن وأمان، فكل الدعوات التي ترتفع هنا أو هناك في ربوع الدول الإسلامية بين الحين والأخر والتي تستأصل الرأي الآخر أو تنعق...

أن السيرة العطرة للإمام زين العابدين وما تركه من تراث إسلامي إنساني أصيل يكشف وبوضوح بالغ إن هذا الإنسان استثنائي في كل شيء، ويملك رؤية وإرادة لبناء الإنسان المسلم وترميم التصدعات التي تعرض لها المجتمع الإسلامي بعد تحول نظام الحكم الأموي من الغاية الأساسية والوظيفة الأهم للدولة الإسلامية في مقاومة الانحراف وبناء الإنسان، إلى تبني سياسة الظلم والتمييز، ومناهضة العدالة لاسيما الاجتماعية، والسير بالدولة والشعب إلى مجهول الأهواء الشخصية والنزوات الدنيوية، التي من شأنها ان تعيد الأمور إلى الوراء وتنسف الجهود الاستثنائية التي بذلها النبي الأكرم وأهل بيته والرعيل الأول من الصحابة الذين اجتهدوا في الإصلاح وتوطين أسس نظام مسلم يقوم بالدرجة الأساس على المساواة والعدالة والكرامة.

 لذا وجد الإمام السجاد نفسه بمواجهة تحول حضاري ان صح التعبير، وأدرك ان الرهان يكون على بناء شخصية الإنسان المسلم وفق أسس دينية وأخلاقية فكان السبيل إلى ما تقدم أداة مبتكرة هي الدعاء فلم تكن كلمات الأدعية التي لهج بها لسان زين العابدين عليه السلام مجرد تضرع وابتهال ومحاولة للتذلل لله عز وجل واستعطاف رحمته لتحقيق غايات دنيوية أو أخروية كطلب الثواب وتتمنى الابتعاد عن العقاب، بل كان الدعاء عنده صرخة إنسانية تعبر عن وجع أصحاب القيم والمبادئ الإنسانية بوجه الحاكم المستبد.

 ويتضمن كل دعاء قيماً تربوية الغاية منها استنقاذ المجتمع المسلم والعودة به نحو السلم والتماسك والتكافل ونبذ العنف والجهل، بعبارة أكثر وضوحاً ان الإمام السجاد عليه السلام شخّص مرضاً استشرى في جسد الأمة تمثل في الابتعاد عن رسالة السماء، والسبب في ذلك طغمة لم يتمكنوا من التعايش مع القيم الإسلامية الأصيلة ودأبوا على ممارسة السلوكيات الجاهلية التي ورثها من الحقب السابقة لبعثة الرسول محمد صل الله عليه واله وسلم.

 وقد ساعد الإمام السجاد في الغاية المتقدمة ما ورثه عن أبائه الطاهرين من علم وحلم صحبهما بلاغة وتفرد وقدرة غير معتادة على توظيف مفردات اللغة في صياغة أدعية تتضمن خطاباً موجه في ظاهره إلى السماء وفي حقيقته يتضمن توجيهاً للأمة وتربية للمجتمع ودعوة للأفراد ليكونوا مسلمين قولاً وعملاً، فكان الإمام السجاد مدرسة أخلاقية في سلوكه اليومي وعطائه، الإصلاح والخير وغايته والانتصار للحقوق والحريات هدفه الأول، إذ تمثل كل منها غاية حرصت السماء قبل الشرائع والتطبيقات الإنسانية على إقرارها والاعتراف بها للبشر ليتسنى لهم العيش سوياً قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".

 لذا كانت مضامين الصحيفة السجادية ورسالة الحقوق دعوة صريحة للعفو والتسامح والتعايش بل هي مشروع بناء مجتمع مسلم خالي من الجهل والعنف والعدوان بكل صوره ليكون صالحاً لعيش الإنسان بأمن وأمان، فكل الدعوات التي ترتفع هنا أو هناك في ربوع الدول الإسلامية بين الحين والأخر والتي تستأصل الرأي الآخر أو تنعق بالجهل والعنف ما هي في حقيقتها إلا مثالاً بالغ الوضوح لإختلال منظومة الأخلاق والقيم وسوء فهم للنصوص القرآنية والنبوية التي قيلت في موطن يجب ان يفهم في سياقه.

 وتراث أهل البيت عليهم السلام والإمام السجاد خاصة الذي وصل إلينا منه جزء يسير ما هو بالحقيقة إلا محاولة لبث الحياة في ثنايا المجتمع المسلم ومكوناته الأساسية، وتوضيح لمقاصد السماء من وراء خلق الأرض وما عليها، والتذكير دائماً برقابة الله على الإنسان رغبة منهم في الإصلاح والتحذير من مزالق الشيطان والنفس الأمارة بالسوء الراغبين في بث الظلم والطغيان ومفتاحهما الفساد في الأرض بكل صوره وتجلياته.

 ان تراث زين العابدين رسالة يقرأ منها الانفتاح على الحياة العامة والخاصة بكل تجلياتها وهمومها ومشاكلها وتناقضاتها (الظلم- العدل، الحق- الباطل) (الفقر- الغنى، المحبة- الكره) (السلم/ الحرب، الحسد- القناعة)، للتحذير من الوجه السيء وتحبيب الوجه المشرق بالعمل والفعل لا مجرد القول واللفظ.

 وعلى المستوى الشخصي أفهم ان غاية الإمام السجاد مما تقدم كانت الربط بين الجوانب الروحية والغيبية وسلوك الإنساني اليومي والدعوة الصريحة لإن يكون ظاهر الإنسان مطابقا لما يدور في خلده، لاسيما وان الفترة الزمنية التي عاشها زين العابدين عليه السلام بعد أبيه الحسين عليه السلام تميزت بالاضطراب السياسي والاجتماعي وطغت فيها الحروب المدمرة والتجاوز على حدود الله في أكثر من مناسبة، فانشغل جل المجتمع الإسلامي بما تقدم وغابت عنه الجوانب المعنوية المشرقة التي أرادها الإسلام، لذا بادر عليه السلام إلى التأكيد على أهمية العفو والصفح لبناء المجتمع والتأسيس للسلم الاجتماعي ومن مصاديق ما تقدم:

أولاً: التأكيد على أهمية العفو داخل الأسرة المسلمة بوصفها النواة الأولى لبناء الحالة الإسلامية في التطبيق العملي ولذا ورد في دعاء له عليه السلام لوالديه وهو قطعاً لا يقصد نفسه بل يخاطب المجتمع بقوله ((وَ أَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي، وَ اعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَ صَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَ عَلَيْهِمَا شَفِيقاً اللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي، وَ أَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَ احْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي اللَّهُمَّ وَ مَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذًى، أَوْ خَلَصَ إِلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوهٍ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقٍّ فَاجْعَلْهُ حِطَّةً لِذُنُوبِهِمَا، وَ عُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا، وَ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ اللَّهُمَّ وَ مَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ أَسْرَفَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ، أَوْ قَصَّرَا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِبٍ فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُمَا، وَ جُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا وَ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا، فَإِنِّي لاَ أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَ لاَ أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَ لاَ أَكْرَهُ مَا تَوَلَّيَاهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ، وَ أَقْدَمُ إِحْسَاناً إِلَيَّ، وَ أَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أُقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْلٍ، أَيْنَ إِذاً يَا إِلَهِي طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي وَ أَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِي وَ أَيْنَ إِقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَ لاَ أُدْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا، وَ لاَ أَنَا بِقَاضٍ وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، وَ وَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إِلَيْهِ، وَ لاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلْآبَاءِ)).

ثانياً: العفو مع الجيران بوصفهم أقرب الناس إلى المرء مكانياً وبهم يمكن ان نحقق معنى التعايش والتفاهم والسلم المجتمعي حين تبنى العلاقة على العفو عن الخطأ أو التجاوز والمبادرة إلى الإحسان والتفضل وترك كل ما من شأنه ان يشيع الخلاف، لذا ورد في دعائه عليه السلام لهم: ((أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِـهِ وَتَـوَلَّنِي فِي جيرَانِي وَمَوَالِيَّ وَالْعَـارِفِينَ بحَقِّنَا وَالْمُنَـابِذِينَ لأِعْدَائِنَا بِأَفْضَلِ وَلاَيَتِكَ، وَوَفِّقْهُمْ لإقَامَةِ سُنَّتِكَ وَالاَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ فِي إرْفَاقِ ضَعِيفِهِمْ، وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَعِيَادَةِ مَرِيضِهِمْ، وَهِـدَايَةِ مُسْتَـرْشِدِهِمْ، وَمُنَاصَحَةِ مُسْتَشِيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِ قَـادِمِهِمْ، وَكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِـالْجِـدَةِ وَالإفْضَـالِ، وَإعْطَآءِ مَـا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤال.

واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَاعْرِضُ بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ، وَأَسْتَعْمِلُ حُسْنَ الظّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَاُحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَاُوجِبُ لَهُمْ مَا اُوجِبُ لِحَامَّتِي، وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ، وَزِدْهُمْ بَصِيْرَةً فِي حَقِّي، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي وَأَسْعَدَ بِهِمْ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)).

 فطلب الإمام عليه السلام في دعائه ان يمكنه الله ان يقابل الإساءة بالإحسان قمة العفو والإنسانية والخلق الرفيع وما كلامه المتقدم إلا محبة بالناس كافة والجيران خاصة لذا يدعو لهم بالخير وينصح باعتماد أعلى معايير التصرف الإنساني والأخلاقي معهم، فهو يطلب ستر عوراتهم وزلاتهم ومعايبهم، وما ذاك إلا نفس عالية تعالت على النزوات وتنبع الآخرين وإحصاء ما يبدر منهم من قول أو فعل أو المقابلة بالمثل، وما شاكل من سلوك لا يسهم في بناء السلم المجتمعي طبعاً، ولقد روي عن صادق العترة المطهرة قوله ((صلةُ الرحم وحُسنُ الجوار يَعمران الديار ويزيدان في الأعمار)).

ثالثاً: العفو عن المسيء من الناس، وما تقدم يحتاج إلى تربية روحية وتنشئة صالحة لا يوفق إليها إلا من هو سليل بيت مثل بيت الحسين بن علي عليه السلام، أو من وفقه الله ليكون قدوة حسنة في هذه الحياة وتأكيداً لذلك ورد في دعائه عليه السلام: ((أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَاكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُـلِّ مَحْرَم، وَازْوِ حِـرْصِي عَنْ كُلِّ مَـأثَم، وَامْنَعْنِي عَنْ أَذَى كُـلِّ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَـة وَمُسْلِم وَمُسْلِمَة، أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْد نالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَانْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَرْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَى بِظُلاَمَتِي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلْتَ لِيْ قِبَلَهُ حَيّاً، فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، وَاعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَلاَ تَقِفْـهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، وَلاَ تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِيْ، وَاجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِـهِ مِنَ الْعَفْـوِ عَنْهُمْ وَتَبَـرَّعْتُ بِـهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ وَأَعْلَى صِلاَتِ الْمُتَقَرِّبِينَ، وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِد مِنَّا بِفَضْلِكَ وَيَنْجُوَ كُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ، أللَّهُمَّ وَأَيُّما عَبْد مِنْ عَبِيْدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذَىً، أَوْ لَحِقَـهُ بِي أَوْ بِسَبَبي ظُلْمٌ فَفُتُّهُ بِحَقِّـهِ، أَوْ سَبَقْتُـهُ بِمَظْلَمَتِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ، وَأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، ثُمَّ قِنيْ مَا يُوجِبُ لَهُ حُكْمُكَ، وَخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ)).

 وهذا المقطع من دعاء الإمام يتضمن معنى تربوي غاية في الروعة فهو يدعو إلى تجنب الانتقام والظلم والصفح عن المخطئ وبالمعنى القانوني لما تقدم نجد ان الإمام يتنازل عن حقه الشخصي وهذا الأمر يحتاج إلى صبر وإرادة راسخة للتغلب على الرغبة بالانتقام أو الثأر الذين يعكران السلم الاجتماعي بالتأكيد.

رابعاً: حرص الإمام السجاد عليه السلام ان يكرس مكارم الأخلاق في المجتمع ولذا ورد في معرض دعاء مروي عنه قوله: ((أللَّهُمَّ صَـلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ وَحَلِّنِي بِحِلْيَـةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ، وَخَفْضِ الْجَنَـاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيـحِ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَـةِ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْبِيرِ وَالافْضَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ وَالـقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإنْ عَـزَّ وَاسْتِقْلاَلِ الخَيْـرِ وَإنْ كَثُـرَ مِنْ قَـوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَأكْمِلْ ذَلِكَ لِي بِدَوَامِ الطَّاعَةِ وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَرَفْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَمُسْتَعْمِلِ الرَّأي الْمُخْتَرَعِ)).

فالعفو هو الطريق إلى السلام المجتمعي والذاتي أيضاً فمن شأنه ان يمحو الغضب والرغبة بالانتقام وبه تسنح الفرصة للعيش المشترك الكريم، ولعلنا نستفيد مما تقدم ان الإمام زين العابدين لا ينطلق في الدعوة إلى العفو من موقع الضعف بل هو يقول ويعمل على العفو من منطلق القوة، وما تسامحه مع أسرة أعدائه مروان ابن الحكم عندما كانت الأوضاع مضطربة في المدينة المنورة فأواهم وقدم لهم كرم الضيافة إلا دليل واضح على علو الهمة واقتران النية بالعمل الحقيقي والتطبيق العملي.

..........................................

** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات/2009-Ⓒ2025

هو أحد منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية، كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات، ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف الاتجاهات...

http://ademrights.org

ademrights@gmail.com

https://twitter.com/ademrights

اضف تعليق